تحديات اقتصادية شائكة تنتظر زعيمة المكسيك الجديدة

العجز المالي التاريخي وديون «بيميكس» النفطية عقبات كبيرة أمام الإدارة المقبلة

شينباوم تلوح لأنصارها بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية (رويترز)
شينباوم تلوح لأنصارها بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية (رويترز)
TT

تحديات اقتصادية شائكة تنتظر زعيمة المكسيك الجديدة

شينباوم تلوح لأنصارها بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية (رويترز)
شينباوم تلوح لأنصارها بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية (رويترز)

بعد وقت قصير من ارتداء زعيمة المكسيك الجديدة المنتخبة كلوديا شينباوم الوشاح الرئاسي في أكتوبر (تشرين الأول)، فسوف يكون لزاماً عليها أن تتعامل مع قضايا اقتصادية شائكة متعددة؛ لا سيما كيفية تمويل خططها ومعالجة عجز الموازنة الذي ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ الثمانينات، وأن تقرر ما يجب أن تفعله مع «بيميكس»، شركة النفط الأكثر مديونية في العالم، والتي أصبحت تشكل عبئاً على المالية العامة.

فالرئيسة المنتخبة، عالمة المناخ، تواجه مهمة لا تحسد عليها تتمثل في الوفاء بوعودها الانتخابية لتعزيز البرامج الاجتماعية بعد أن أدى الإسراف في الإنفاق من قبل سلفها الرئيس المنتهية ولايته ومرشدها السياسي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في عام الانتخابات إلى رفع عجز الموازنة لمستويات تاريخية. يضاف إلى كل ما تقدم، التعامل مع مراجعة حساسة لاتفاقية التجارة المكسيكية مع الولايات المتحدة وكندا، والتي أصبحت محركاً رئيسياً للبلاد.

العجز إلى أعلى مستوياته

وكان لوبيز أوبرادور قام بعد فوزه بثقة المستثمرين من خلال سياسات الإنفاق المتشددة خلال معظم فترة ولايته، بتخفيف القيود المالية في عامه الأخير في منصبه لإنهاء مشاريع البنية التحتية الرئيسية وتغطية زيادة في برامج الرعاية الاجتماعية لفقراء المكسيك. ورفع ذلك العجز إلى 5.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، من 4.3 في المائة في السنوات السابقة. وهو ما لا يخالف المعايير التي حددتها الحكومة فحسب، بل يعد أيضاً الأعلى في الأعوام الثلاثين الماضية.

وسوف يتطلب تحقيق هدف العجز في العام المقبل بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تخفيضات تعادل ما يقرب من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو إيرادات جديدة.

وفقاً للخبراء الاقتصاديين والمحللين وكبار المسؤولين الحكوميين السابقين، فإن الحل بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية يتلخص في شكل من أشكال الإصلاح الضريبي الذي من شأنه أن يعزز الإيرادات الحكومية؛ رغم إعلان شينباوم أنها ليست لديها خطط لزيادة الضرائب. وقالت خلال حملتها إنها تهدف إلى الحصول على 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في شكل دخل جديد من رقمنة تحصيل الضرائب وتحديث التكنولوجيا في الجمارك. في وقت يتم البحث عن طرق للحصول على المزيد من الإيرادات من الشركات مثل المصارف.

ووعدت شينباوم في خطاب النصر بمواصلة سياسة لوبيز أوبرادور المتمثلة في «التقشف الجمهوري»، والحفاظ على الانضباط المالي، واحترام استقلالية بنك المكسيك.

لوحة تعرض أسعار صرف البيزو المكسيكي مقابل الدولار الأميركي في الصورة خارج أحد البنوك في مكسيكو سيتي (رويترز)

ورغم هذه التعهدات، تسببت الانتخابات في صدمة في السوق حيث يبدو حزب مورينا الحاكم وشركاؤه في الائتلاف مستعدين لأغلبية عظمى في الكونغرس، الأمر الذي سيجعل التغيير الدستوري أسهل ويقلل من الضوابط والتوازنات، وفق «رويترز».

وترى وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيفات الائتمانية أن الإدارة المقبلة للرئيسة المكسيكية المنتخبة ستواجه تحديات في المالية العامة، بما في ذلك العجز المالي المتزايد مؤخراً ونقاط الضعف طويلة الأمد في شركة «بيميكس».

وبالإضافة إلى ذلك، تواجه الإدارة الجديدة الحاجة إلى تعزيز معدل النمو الاقتصادي في البلاد على أساس مستدام للمساعدة في تلبية الاحتياجات الاجتماعية الملحة، وفق «ستاندرد آند بورز».

من جهتها، تتوقع وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية أن تحافظ الرئيسة المنتخبة على خطاب التقشف المالي للرئيس المنتهية ولايته، مع استمرار المشاريع الرئاسية في تحديد أهداف الإنفاق.

ومع ذلك، تنتظر «موديز» إشارات من شينباوم توضح ما إذا كانت ستستمر أو تعكس الاتجاهات التي بدأت في تدهور الوضع الائتماني للمكسيك.

وكان صندوق النقد الدولي قام في أبريل (نيسان) الماضي بخفض توقعاته للنمو للمكسيك لهذا العام والعام المقبل، مستشهدا بالتباطؤ الاقتصادي الذي بدأ في الربع الأخير من عام 2023 وسياسة التقشف المالي المتوقعة من قبل الإدارة المقبلة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 2.4 في المائة في عام 2024، مدعوماً بزيادة الإنفاق العام، ولكن أقل من التوقعات السابقة البالغة 2.7 في المائة. وفي عام 2025، سيتوسع الاقتصاد بنسبة 1.4 في المائة بدلاً من 1.5 في المائة المقدرة في يناير (كانون الثاني).

«بيميكس»

الأولوية الأكثر إلحاحاً أيضاً هي شركة «بيميكس»، شركة النفط الحكومية التي لديها جبل من الديون بقيمة 100 مليار دولار وتدفق نقدي حر سلبي، بحسب صحيفة «فايننشال تايمز».

وبعد عقود من كونها التي تدر المال إلى الخزينة، أصبحت الشركة اليوم تضغط بشكل متزايد على الموازنة. ويتفق المستثمرون والمحللون على أنها بحاجة إلى تغيير خطة أعمالها بشكل جذري.

وقالت وكالة التصنيف «موديز» إن تلبية حاجة «بيميكس» إلى النقد أمر بالغ الأهمية بالنسبة للتوقعات المالية السيادية.

وتمتلك الشركة قوة عاملة متضخمة، وسجلاً ضعيفاً في الإدارة والسلامة. ويقول المحللون إنها لا تملك رأس المال أو الخبرة اللازمة لاستغلال حقول النفط المتبقية في المكسيك بشكل كامل.

عمال في مصفاة النفط أولميكا التابعة لشركة «بيميكس» يتوجهون للعمل داخل المصفاة (أ.ف.ب)

وأوقف لوبيز أوبرادور الزيادات الحادة في ديونها، لكن إنتاج النفط بلغ أدنى مستوياته على الإطلاق، وكلّف هدفه المتمثل في «السيادة في مجال الطاقة» المليارات.

وتتوقع «ستاندرد آند بورز» أن يظل إجمالي الإنتاج المكسيكي عند نحو 1.6 مليون برميل يومياً حتى عام 2030، بسبب نقص الاستثمار في المنبع.

وسيعتمد مستقبل «بيميكس» على مسار الطاقة الذي تختار «شينباوم» اتباعه: سواء كانت ملتزمة بالسياسات الحالية أو تسعى إلى تعظيم إمكانات البلاد من النفط والغاز، وفقاً لتحليل أجرته شركة «ويلنغنس إنرجي أناليتيكس».

تكاليف معاشات التقاعد

وستواجه الرئيسة المقبلة للمكسيك أيضاً ارتفاع تكاليف معاشات التقاعد التي تلتهم الآن خمس الموازنة.

وكان لوبيز أوبرادور قدم عام 2019 أيضاً دفعة شاملة لمن هم فوق 65 عاماً، تبلغ قيمتها الآن 6000 بيزو (361 دولاراً) كل شهرين.

ويعد هذا المبلغ وغيره من البرامج الاجتماعية عنصراً أساسياً في حصوله على نسبة تأييد وصلت إلى 55 في المائة. كما قام بمضاعفة الحد الأدنى للأجور على مدى ست سنوات. وقد أدت هذه السياسات مجتمعة إلى انخفاض معدل الفقر بأكثر من 7 نقاط مئوية، وفقاً لوكالة قياس الفقر الحكومية.

اتفاقية التجارة الحرة

وفي عام 2026، قد يتعين على الزعيمة المقبلة الدفاع عن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (USMCA)، ضد إدارة ترمب الثانية إذا فاز بولاية جديدة، رغم أن المراقبين يعتقدون أن الرئيس جو بايدن سيكون أيضاً أكثر صرامة مع المكسيك إذا فاز هو الآخر بولاية ثانية.

ويرى المحللون أن العديد من القضايا الاقتصادية القصيرة الأجل في المكسيك لديها حلول، بدءاً من تشجيع الاستثمار الخاص في البنية التحتية إلى سداد بعض ديون شركة «بيميكس». لكن مصير الاقتصاد الأميركي - حيث ترسل المكسيك ثلاثة أرباع صادراتها - هو متغير إضافي قد يجبر الزعيمة المقبلة على اتخاذ قرارات أكثر واقعية.


مقالات ذات صلة

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

الاقتصاد المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

سيذهب الغانيون إلى صناديق الاقتراع في السابع من ديسمبر لاختيار رئيس جديد وبرلمان، في انتخابات تراقبها الأوساط الاستثمارية من كثب.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا الرئيس المؤقت نانجولو مبومبا يدلي بصوته (رويترز)

بعد وفاة حاكمها منذ الاستقلال... ناميبيا تصوّت لاختيار رئيس جديد

يتوجه قرابة مليون ونصف المليون ناخب في دولة ناميبيا إلى صناديق الاقتراع للتصويت على رئيس جديد للبلد الواقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
TT

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)
بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)

حذر بنك إنجلترا يوم الجمعة من أن زيادة الحواجز التجارية قد تؤثر سلباً على النمو العالمي وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن التضخم، مما قد يتسبب في تقلبات في الأسواق المالية.

وقال بنك إنجلترا، دون الإشارة بشكل خاص إلى فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إن النظام المالي قد يتأثر أيضاً بالاضطرابات في تدفقات رأس المال عبر الحدود وانخفاض القدرة على تنويع المخاطر، وفق «رويترز».

وأضاف أن «انخفاض التعاون الدولي في مجال السياسات قد يعوق تقدم السلطات في تحسين مرونة النظام المالي وقدرته على امتصاص الصدمات المستقبلية».

وفي حين أظهرت الأسر والشركات والبنوك في المملكة المتحدة أنها في حالة جيدة، فإن القطاع المالي في البلاد يواجه مخاطر «ذات أهمية خاصة» نظراً لانفتاح الاقتصاد البريطاني.

ومن بين التهديدات الأخرى ارتفاع مستويات الدين العام في العديد من الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم. وقال التقرير إن «حالة عدم اليقين والمخاطر التي تهدد التوقعات قد زادت».

وأضاف بنك إنجلترا أنه لا يزال يعتقد أن التقييمات والعوائد في الأسواق المالية «عرضة لتصحيح حاد» بسبب المخاطر التي تهدد النمو والتضخم وعدم اليقين بشأن أسعار الفائدة. وحذر من أن مثل هذا التصحيح قد يتفاقم بسبب نقاط الضعف المستمرة في التمويل القائم على السوق وقد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للأسر والشركات في المملكة المتحدة.

وأشار إلى أن أحدث اختبارات المرونة التي أجراها على البنوك البريطانية أظهرت أنها تتمتع برأس مال جيد وسيولة وفيرة. لكن المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل صناديق التحوط، لا تزال عرضة لصدمات مالية مفاجئة، وأنه ليس بإمكان جميع هذه المؤسسات الوصول إلى التمويل الضروري في أوقات الأزمات. وأوضح أن القطاع المتنامي للمؤسسات المالية غير المصرفية قد عزز من مرونته، إلا أن اعتماده على التمويل البنكي في أوقات الأزمات قد يؤدي إلى «مخاطر أكبر على الاستقرار المالي».

وعلى خلاف اختبارات الضغط التقليدية التي تركز على كيفية تأثر ميزانيات البنوك والمؤسسات المالية الأخرى خلال الأزمات، استعرض اختبار بنك إنجلترا الشامل كيف يمكن لتصرفات شبكة كاملة من المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك وصناديق التحوط وشركات التأمين والمقاصة المركزية، أن تُفاقم الصدمات الاقتصادية.

وتصور السيناريو الافتراضي حالة من «تفاقم التوترات الجيوسياسية» التي تؤدي إلى صدمة سوقية مفاجئة وشديدة. وقد يصبح هذا السيناريو أكثر احتمالاً بعد فوز ترمب، حيث هدد مراراً بفرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية والسياسية مع دول مثل الصين.

وقد أظهرت نتائج اختبار بنك إنجلترا المخاطر المستمرة في قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية، حيث تتوقع العديد من هذه المؤسسات أن تتمكن من الاعتماد على تمويل «الريبو» من البنوك، وهو أمر قد يكون غير متاح في حالات الأزمات.

كما أشار إلى أن سوق سندات الشركات بالجنيه الاسترليني ستواجه ضغطاً كبيراً، حيث ستضطر الصناديق التي تحاول جمع السيولة إلى بيع السندات في سوق متهالك، مما يؤدي إلى «قفزة نحو عدم السيولة» مع قلة المشترين.

ورغم أن هذا الاختبار الشامل كان يهدف بشكل أساسي إلى توعية المؤسسات المالية بالمخاطر المحتملة بدلاً من اتخاذ إجراءات سياسية مباشرة، أكد بنك إنجلترا أن استنتاجاته تدعم الجهود الدولية لفهم وتنظيم القطاع غير المصرفي المتنامي. ويشمل ذلك المراجعات المتزايدة من قبل المنظمين في مختلف أنحاء العالم للقطاع الذي يمثل الآن حوالي نصف النظام المالي العالمي، بعد عدة حوادث تطلبت دعماً لهذه المؤسسات في السنوات الأخيرة.

وفي المستقبل، يخطط البنك المركزي لإجراء اختبارات مرونة كاملة للبنوك كل عامين اعتباراً من عام 2025، وذلك لتقليل العبء الإداري على المقرضين والسماح للبنك بالتركيز على المخاطر المالية المحتملة الأخرى. وسيتم إجراء اختبارات معيارية أقل تفصيلاً حسب الحاجة بين تلك السنوات.

واحتفظ بنك إنجلترا بمتطلب رأس المال المعاكس للتقلبات الدورية (CcyB)، أو متطلب رأس المال «للأيام الممطرة» للبنوك التي يمكن السحب منها في الأوقات العصيبة، عند مستوى محايد بنسبة 2 في المائة.