«الفيدرالي» يبتعد عن التوقعات الفصلية ويعتمد على «تحليل السيناريو» للفائدة

لمعالجة عدم اليقين الاقتصادي ووسط مخاوف التضخم والتوظيف

عَلَم الولايات المتحدة يرفرف خارج «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك (رويترز)
عَلَم الولايات المتحدة يرفرف خارج «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يبتعد عن التوقعات الفصلية ويعتمد على «تحليل السيناريو» للفائدة

عَلَم الولايات المتحدة يرفرف خارج «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك (رويترز)
عَلَم الولايات المتحدة يرفرف خارج «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك (رويترز)

قال رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، خلال مؤتمر صحفي في الأول من مايو (أيار)، إنه لا يريد الحديث عن «فرضيات» اقتصادية، لكن هذا ما تحول إليه هو وغيره من مسؤولي «المركزي الأميركي» في مناقشة السياسة النقدية التي وصلت إلى منعطف غير مؤكد في الجهود لكبح التضخم.

وبعد التخلي عن التوجيهات الصريحة حول احتمال خفض أسعار الفائدة هذا العام، يركز باول وغيره من مسؤولي «الفيدرالي» بدلاً من ذلك على مسارات مختلفة على المدى القريب قد يتبعها الاقتصاد، ورد فعلهم المحتمل على كل حالة، وفق «رويترز».

ويقول مسؤولون سابقون وموظفون في «الفيدرالي» ممن لديهم خبرة في حضور اجتماعات لجنة تحديد السياسة الفيدرالية المفتوحة، إن هذه علامة على مدى عدم يقين صانعي السياسات الآن، وتهدف إلى تحويل الاهتمام من التوقعات الاقتصادية والسياسية التفصيلية التي يصدرونها كل ربع إلى مجموعة أوسع من النتائج المحتملة.

وقال المستشار السابق لباول الذي يرأس الآن قسم الاقتصاد الكلي العالمي لفريق الدخل الثابت العالمي في «نورثرن تراست»، أنتونيو بومفيم، إن «تحليل السيناريو»، كما يُعرف، لا يهدف إلى شرح كل صدمة، وفي الأوقات العادية يمكن أن يرقى إلى قائمة «عادية تماماً» من الروايات الاقتصادية التي يقدمها موظفو «الفيدرالي» كل اجتماع.

وأضاف: «لقد لفت انتباهي» شرح باول في مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع في 1 مايو حول المسارات المختلفة التي قد يسلكها الاقتصاد. يصبح تحليل السيناريو مهماً للتعامل مع تلك المواقف التي تكون فيها غير متأكد بشكل خاص بشأن ما سيحدث بعد ذلك».

وفي مراجعة سياسة حديثة لبنك إنجلترا، أوصى رئيس «الفيدرالي» السابق بن برنانكي، بتحليل السيناريو بوصفه طريقة، كما قال بنك إنجلترا، «للنظر في المخاطر الرئيسية على التوقعات الاقتصادية الكلية»، ومساعدة الجمهور على فهم كيف سيستجيب «المركزي» -وهي ميزة يبدو أن بعض مسؤولي «الفيدرالي» يسعون إليها.

وقالت رئيسة «الاحتياطي الفيدرالي» في سان فرنسيسكو، ماري دالي، في وقت سابق من هذا الشهر: «رد الفعل على عدم اليقين، بالنسبة لي، ليس تقديم مزيد من التوقعات. هناك مجموعة من السيناريوهات التي ستُتخذ فيها إجراءات سياسية مختلفة. وأعتقد أن أفضل طريقة يمكنني من خلالها التحدث إلى الناس هي من خلال تلك السيناريوهات وكشف وظيفة رد الفعل حقاً» -وليس محاولة تقديم تنبؤات أكثر دقة.

تحول «مخطط النقاط (دوت بلوت)»

إذا كان السيناريو الأساسي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» هو انخفاض مستمر في التضخم وتخفيضات أسعار الفائدة في النهاية، فإن البدائل تشمل ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة وتحقيق تخفيضات سريعة؛ والتضخم يستغرق وقتاً طويلاً للانخفاض ويؤجل خفض الفائدة؛ والتضخم يتسارع بشكل غير متوقع وتصبح زيادات الفائدة ضرورية؛ وربما الحالة الأكثر صعوبة، وهي استقرار التضخم عند المستوى الحالي.

إن طرح كل ذلك دون الالتزام، يعد تحدياً. وإذا كانت التصورات العامة وتصورات السوق تتقدم كثيراً على «الاحتياطي الفيدرالي» أو تتخلف عنه، فقد يؤدي ذلك إلى جعل السياسة أقل فاعلية ويجعل مهمة «المركزي» أكثر صعوبة.

وفي أعقاب تقرير برنانكي والتوقف غير المتوقع للتقدم في خفض التضخم، قال نائب سابق لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو الآن زميل بارز في مؤسسة «بروكينغز»، دونالد كون: «أستنتج أن هذا الأمر يخضع لمناقشة داخل (الاحتياطي الفيدرالي)».

ورأى كون تحليل السيناريوهات وسيلة لـ«تقليل التركيز» على التوقعات الفصلية لمسؤولي «الاحتياطي» بشأن النمو والبطالة والتضخم وسعر الفائدة المناسب. ومن المقرر تحديث هذه التوقعات في اجتماع 11 و12 يونيو (حزيران).

وتم الاعتماد على «مخطط النقاط» لتوقعات أسعار الفائدة بشكل خاص من رؤساء «الاحتياطي الفيدرالي» عندما يُنظر إليه على أنه يساعد على ترسيخ التوقعات العامة، وفي الوقت نفسه يتم إعلانه «عنصر تشويش» عندما يتم اعتباره شيئاً قريباً من الوعد في أوقات لا يرغب فيها المسؤولون في تقديم توجيهات ملموسة.

والآن هي اللحظة التي تفوقت فيها المفاجآت حول الاقتصاد على التحديثات الفصلية. على سبيل المثال، كان متوسط التوقعات في اجتماع 19 و20 مارس (آذار) لخفض أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع النقطة هذا العام، ولكن من المرجح أن يتم تخفيض ذلك بعد عدم تحسن التضخم في الربع الأول.

سيعتمد أي إسقاط حول التخفيضات في هذه المرحلة على توقعات التضخم وسوق العمل، وقد تصرف كلاهما بشكل مختلف تماماً عمّا توقعه صانعو السياسات.

وقال الرئيس السابق لقسم السياسة النقدية في «الفيدرالي» الذي يعمل الآن أستاذاً في كلية إدارة الأعمال في جامعة «ييل»، بيل إنغليش، إن مسؤولي «الاحتياطي» قد يحتفظون بثقة أساسية في تخفيف التضخم وخفض أسعار الفائدة، لكنهم «يعتقدون أن عدم اليقين أعلى من المعتاد، وهذه طريقة لمحاولة إيصال الاحتمالات الأكثر ترجيحاً للجمهور».

وتشمل توقعات «الفيدرالي» أيضاً بيانات تُظهر مدى الشكوك حول التوقعات. على سبيل المثال، في مارس، رجح متوسط التوقعات أن يُنهي مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي -وهو مقياس التضخم المفضل للمركزي- عام 2024 عند 2.4 في المائة، ليقترب من المستهدف البالغ 2 في المائة. لكنَّ المسؤولين رأوا أيضاً احتمالاً بنسبة 70 في المائة بأن يكون منخفضاً بالفعل بنسبة 1 في المائة أو مرتفعاً بنسبة 3.8 في المائة -وهي نتائج من شأنها أن تُلهم قرارات سياسية مختلفة بشكل كبير.

وقال إنغليش: «على النقيض من ذلك، فإن التحدث من خلال مجموعة من السيناريوهات يعد وسيلة لتوضيح عدم اليقين للجمهور... والآن يبدو الأمر مفيداً لأنهم يشعرون أن بعض السيناريوهات أكثر واقعية».

لقد كان عدم اليقين بشأن الاقتصاد سمة مميزة لفترة جائحة «كوفيد - 19»، ولكن في الوقت الحالي لا توجد فقط أسئلة حول المتغيرات الرئيسية مثل التضخم والتوظيف، بل هناك أيضاً شك حول الظروف التي ستدفع «الفيدرالي» إلى خفض الفائدة أو إبقائها مستقرة أو رفعها مرة أخرى.

وفي 1 مايو، ناقش باول سيناريو أساسياً لاستمرار انخفاض التضخم الذي سيبرر في النهاية خفض أسعار الفائدة، وتراجعاً في سوق العمل من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى انخفاض تكاليف الاقتراض، والوضع الذي تظل فيه معدلات البطالة منخفضة مع تحرك مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي «جانبياً» حول المستوى الحالي البالغ 2.7 في المائة.

وقال باول إن «هذه ستكون حالة قد يكون من المناسب فيها تأجيل خفض أسعار الفائدة» والاعتماد على تباطؤ الاقتصاد في نهاية المطاف وانخفاض التضخم، وهو ما أطلق عليه بعض المحللين انتظار «الانكماش الانتهازي».

وقال كون إن «الفيدرالي» لا يمكن أن يتحلى بالصبر في هذا الوضع ما دامت توقعات التضخم لم ترتفع. وإذا حدث ذلك، فإن الأمر «سيستدعي مساراً أكثر ضماناً نحو 2 في المائة عن طريق إبطاء الاقتصاد وتقليل الضغط على أسواق العمل».


مقالات ذات صلة

التضخم يتراجع في منطقة اليورو ويقترب من مستهدف «المركزي الأوروبي»

الاقتصاد متسوق يدفع ورقة نقدية من فئة 10 يوروات في سوق محلية بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)

التضخم يتراجع في منطقة اليورو ويقترب من مستهدف «المركزي الأوروبي»

تراجعت حدة التضخم في منطقة اليورو، واقتربت من مستهدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة، نزولاً من ذروة 10 في المائة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحضر تجمعاً حاشداً في بنسلفانيا في سبتمبر 2022 (رويترز)

«ترمب 2.0»: الأسواق في حالة تأهب وتنتظر الاستقرار... أم الفوضى

أحدثت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الأميركي الحالي الديمقراطي جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، ضجةً كبيرةً في الساحة السياسية.

هدى علاء الدين (بيروت)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

تفاؤل حذر من رئيس «فيدرالي» نيويورك بشأن التضخم والاقتصاد

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز يوم الجمعة، إن الاحتياطي الفيدرالي حقق خطوات كبيرة في خفض التضخم إلى مستوى هدفه البالغ 2 في المائة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مقيمة محلية تحمل عملات الروبل الروسي وورقة نقدية بقيمة 50 روبلاً (رويترز)

«المركزي الروسي» يُلمح إلى تشديد السياسة النقدية

قال نائب محافظ المصرف المركزي الروسي أليكسي زابوتكين الخميس إن العوامل المؤيدة لتشديد السياسة النقدية أصبحت أكثر وضوحاً منذ اجتماع سابق لتحديد سعر الفائدة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد شعار بنك كوريا على قمة مبناه في سيول (رويترز)

مسؤول في بنك كوريا: التركيز على التضخم يتطلب إصلاحات جذرية

قال مسؤول في بنك كوريا إن على كوريا الجنوبية معالجة ارتفاع الأسعار في البلاد من خلال إصلاحات هيكلية، إذ يركز المصرف المركزي بشكل رئيسي على معدل التضخم.

«الشرق الأوسط» (سيول)

السعودية تصدر 86 ترخيصاً صناعياً في أبريل بـ587 مليون دولار

جانب من مدينة رأس الخير الصناعية التي تعتبر الركيزة الرئيسية لصناعة التعدين في المملكة (واس)
جانب من مدينة رأس الخير الصناعية التي تعتبر الركيزة الرئيسية لصناعة التعدين في المملكة (واس)
TT

السعودية تصدر 86 ترخيصاً صناعياً في أبريل بـ587 مليون دولار

جانب من مدينة رأس الخير الصناعية التي تعتبر الركيزة الرئيسية لصناعة التعدين في المملكة (واس)
جانب من مدينة رأس الخير الصناعية التي تعتبر الركيزة الرئيسية لصناعة التعدين في المملكة (واس)

أصدرت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية 86 ترخيصاً صناعياً جديداً خلال أبريل (نيسان) الماضي، بحجم استثمارات بلغ 2.2 مليار ريال (587 مليون دولار)، حيث وصل إجمالي عدد التراخيص الصناعية الصادرة منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية الشهر نفسه إلى 410 تراخيص.

وأفاد التقرير الصادر عن المركز الوطني للمعلومات الصناعية والتعدينية التابع للوزارة، الأحد، بأن المصانع التي بدأت الإنتاج خلال أبريل الفائت بلغت 67 مصنعاً، بحجم استثمارات 1.5 مليار ريال (400 مليون دولار)، تصدرتها مصانع المنتجات الغذائية بـ12 مصنعاً، ثم مصانع المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية بـ11 مصنعاً، وكذلك منتجات المطاط واللدائن بـ10 مصانع.

وأوضح التقرير أن المصانع الوطنية استحوذت على إجمالي المصانع التي بدأت الإنتاج، خلال الشهر نفسه، بنسبة 92.5 في المائة بحسب نوع الاستثمار، تلتها المصانع المشتركة بـ5.9 في المائة، ثم المصانع ذات الاستثمار الأجنبي بـ1.49 في المائة.

ولفت التقرير إلى أن عدد المصانع القائمة وتحت الإنشاء في المملكة، حتى نهاية أبريل 2024، بلغ 11.8 ألف مصنع، باستثمارات 1.4 تريليون ريال (373 مليار دولار)، بعد أن كانت نحو 10.8 ألف في أبريل 2023.

وأبان التقرير أن التراخيص الجديدة توزعت على عدد من الأنشطة الصناعية، التي تصدرها نشاط صنع منتجات المعادن المشكلة باستثناء الآلات والمعدات بـ17 ترخيصاً، يليه صنع منتجات المطاط واللدائن، ونشاط المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية بـ9 تراخيص لكل نشاط.

وأوضح التقرير أن المنشآت الصغيرة استحوذت - بحسب حجم المنشأة - على معظم التراخيص الصناعية الجديدة خلال أبريل المنصرم بنسبة 80.2 في المائة، تلتها المنشآت المتوسطة بـ13.9 في المائة، في حين سجّلت المصانع الوطنية النسبة الكبرى من إجمالي التراخيص الصادرة حسب نوع الاستثمار بنسبة 100 في المائة.

وأشار التقرير إلى أن التراخيص الصناعية الجديدة توزعت على 10 مناطق إدارية، تصدرتها الرياض بـ36 مصنعاً، ثم مكة المكرمة بـ22 مصنعاً، والمنطقة الشرقية بـ17 مصنعاً، والمدينة المنورة بـ3 مصانع، والقصيم وحائل بمصنعين لكل منطقة منهما، ونجران وعسير والجوف وتبوك بمصنع واحد لكل منطقة منها.

يُذكر أنّ وزارة الصناعة والثروة المعدنية تصدر من خلال المركز الوطني للمعلومات الصناعية والتعدينية بشكل شهري أهم المؤشرات الصناعية التي توضح طبيعة حركة النشاط الصناعي في المملكة، إضافةً إلى الكشف عن حجم التغيير الذي يشهده القطاع في الاستثمارات الصناعية الجديدة، والمصانع التي بدأت الإنتاج.