الصين تقود رحلة الهروب من الدولار وتقلص حيازاتها من السندات الأميركية

وسط انخفاض حصة احتياطيات العملات الأجنبية مع تصاعد التوترات الجيوسياسية

أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي و100 يوان و1000 ين معروضة في صورة توضيحية في بكين (رويترز)
أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي و100 يوان و1000 ين معروضة في صورة توضيحية في بكين (رويترز)
TT

الصين تقود رحلة الهروب من الدولار وتقلص حيازاتها من السندات الأميركية

أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي و100 يوان و1000 ين معروضة في صورة توضيحية في بكين (رويترز)
أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي و100 يوان و1000 ين معروضة في صورة توضيحية في بكين (رويترز)

في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تقلص الصين حيازاتها من السندات. فقد أظهرت أحدث بيانات التدفقات الرأسمالية الأميركية الرسمية أن مخزون الصين من سندات الخزانة الأميركية وسندات الوكالات في الربع الأول من هذا العام انخفض بما يقل قليلاً عن 40 مليار دولار و10 مليارات دولار على التوالي، على أساس التقييم المعدل، وفق «رويترز».

وتعد الصين أكبر دولة في العالم تمتلك احتياطيات النقد الأجنبي، حيث يبلغ مخزونها 3.2 تريليون دولار في آخر إحصاء في أبريل (نيسان). ورغم أن التفاصيل الخاصة بالعملات غير معلنة للجمهور، لكن الخبراء يعتقدون أن ما لا يزيد على 60 في المائة منها بالدولار.

وربما تمتلك الصين أكبر حصة من احتياطيات العملات الأجنبية في العالم، لكن أكبر حائز أجنبي للسندات الخزانة الأميركية هو اليابان، حيث يبلغ إجمالي حيازاتها نحو 1.1 تريليون دولار. وتظهر بيانات التدفقات أن حيازات اليابان من سندات الخزانة الأميركية ارتفعت بمقدار 51.4 مليار دولار في الربع الأول.

ولا يشير هذا بالضرورة إلى الشراء أو البيع المباشر، وقد يكون خفض الصين نتيجة لعدم اختيار بكين إعادة الاستثمار في السندات المستحقة. لكن المقارنة بين اليابان والصين مفيدة بسبب موقعيهما على خريطة الجغرافيا السياسية العالمية.

وفي حين أنه من غير المحتمل أن يتم إزاحة الدولار عن عرشه كعملة احتياطية رئيسية في أي وقت قريب، فإن تصاعد التوترات الجيوسياسية وتحول العولمة إلى عالم من التكتلات التجارية المستقطبة يمكن أن يؤدي إلى إضعاف ريادته في بعض جوانبه.

وفي الواقع، ربما يحدث هذا بالفعل.

بلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي العالمية في نهاية مارس (آذار) 12.33 تريليون دولار، وفقاً لبيانات «كوفير» التابعة لصندوق النقد الدولي، حيث يتم الإبلاغ عن التكوين النقدي لـ 11.45 تريليون دولار بشكل سري للصندوق. وكانت حصة الدولار 58.41 في المائة، وهي الأدنى على الإطلاق.

وتبرز الرغبة من جانب كثير من البلدان في النأي بأنفسهم سياسياً عن الولايات المتحدة كأحد المحركات الرئيسية.

وفي كلمة لها في وقت سابق من هذا الشهر، قالت نائبة المدير الأول لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث، إن الزيادة في مشتريات الذهب من قبل المصارف المركزية على مدار العامين الماضيين - وهي «التطور الأبرز» في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية خلال تلك الفترة - تشير إلى ذلك.

وكما تلاحظ غوبيناث، فعلى الرغم من استخدامه المحدود في المعاملات، يُنظر إلى الذهب بشكل عام على أنه «أصل آمن محايد سياسياً» يمكن تخزينه على أرض الوطن وعزله عن العقوبات أو المصادرة.

وعند قياس تدفقات احتياطيات العملات الأجنبية في عالم ينقسم إلى ثلاثة تكتلات - تكتل يميل إلى الولايات المتحدة، وتكتل يميل إلى الصين، وتكتل من بلدان عدم الانحياز - يتضح أن حصة الذهب في إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للتكتل الصيني آخذة في الارتفاع منذ سنوات عدّة.

ولكن هذا ليس اتجاهاً مدفوعاً فقط بالصين وروسيا، كما يعتقد البعض، على الرغم من أن الصين قللت بوضوح من تعرضها للدولار.

كما سلطت غوبيناث الضوء على أن حصة الذهب في احتياطيات النقد الأجنبي للصين تضاعفت بأكثر من الضعف إلى 4.3 في المائة العام الماضي من أقل من 2 في المائة في عام 2015. وخلال نفس الفترة، انخفضت حيازات الصين المعدلة بالقيمة للسندات الحكومية الأميركية وسندات الوكالات بالنسبة إلى إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي إلى نحو 30 في المائة من 44 في المائة.

وفي الوقت نفسه، ظلت حصة الذهب في احتياطيات النقد الأجنبي للدول في التكتل الأميركي مستقرة إلى حد كبير، وهو دليل على أن «مديري احتياطيات النقد الأجنبي يميلون إلى زيادة حيازات الذهب للتحوط ضد عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، بما في ذلك مخاطر العقوبات».

ومن المرجح أن يعاني الدولار، باعتباره العملة المهيمنة على مستوى العالم ورمز القوة الصارمة والناعمة الأميركية، مع تشجيع التوترات الجيوسياسية البلدان على زيادة حيازاتها من الذهب وغيره من العملات.

إلا أن هناك فارقاً بسيطاً في ذلك، وفقاً لبحث حديث بعنوان «محركات حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي»، من قبل اقتصاديي بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ليندا غولدبرغ وأوليفر هناوي، اللذين قاما بتحليل التوافق الجيوسياسي للدول مع الولايات المتحدة من خلال منظور التصويت مع الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.

وبشكل عام، فإن الارتباط المباشر بين سجلات التصويت وحصة الدولار الأميركي في احتياطيات النقد الأجنبي ضعيف - فكثير من الدول التي لديها تحالف تصويت منخفض مع الولايات المتحدة، أو التي تخضع لعقوبات مالية فرضتها الولايات المتحدة، من المرجح أن يكون لديها حصة أعلى من الدولار في محافظ الاحتياطي، وليس أقل.

ومع ذلك، فإن المؤلفين يجدان أن الدول التي لديها تحالف تصويت منخفض مع الولايات المتحدة والتي من المحتمل أن تقلل من حيازاتها الدولارية هي تلك التي لديها احتياطيات كافية أكثر من اللازم لتلبية متطلبات السيولة قصيرة الأجل والتزامات الديون.

ووجد المؤلفان أن «بعض الدول التي لديها تحالف جيوسياسي منخفض مع الولايات المتحدة مسؤولة عن جزء كبير من الانخفاض في حصة الدولار. وقد تكون الاعتبارات الجيوسياسية ملزمة بشكل رئيسي للبلدان التي لديها بالفعل احتياطيات كبيرة بما يكفي لتغطية احتياجاتها الاحتياطية من السيولة».

ويُكمل بحثهما ورقة عمل لصندوق النقد الدولي عام 2022 أعدها باري آيشنغرين وسيركان أرسلانالب وتشيما سيمبسون-بيل، والتي أظهرت أن مديري الاحتياطيات يزيدون أيضاً حيازاتهم من العملات الاحتياطية الأصغر وغير التقليدية بحثاً عن العائد.

وعليه، فإن دور الدولار في التجارة العالمية والتمويل والفواتير والمعاملات عبر الحدود كبير جداً بحيث لا يمكن عزله كعملة احتياطية رئيسية في النقد الأجنبي في أي وقت قريب. لكن التوترات الجيوسياسية قد تستمر في التأثير عليه.


مقالات ذات صلة

الدولار الأميركي ينخفض بعد ترشيح ترمب بيسنت وزيراً للخزانة

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي (رويترز)

الدولار الأميركي ينخفض بعد ترشيح ترمب بيسنت وزيراً للخزانة

انخفض الدولار الأميركي، يوم الاثنين، بعد أن رشح الرئيس المنتخب دونالد ترمب، سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة، مما أوقف الارتفاع الحاد للعملة بعد الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يواصل تراجعه إلى أدنى مستوى في أسبوع

تراجع الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في أسبوع مقابل العملات الرئيسية، يوم الأربعاء، حيث يسعى لتمديد انخفاضه، لليوم الثالث على التوالي، بعد بلوغه ذروة أسبوعية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رجل يشاهد شاشة إلكترونية تعرض أسعار الأسهم خارج أحد البنوك في طوكيو (رويترز)

الأسهم الآسيوية ترتفع والدولار يتراجع مع ترقب تعيينات ترمب

ارتفعت الأسهم الآسيوية يوم الثلاثاء، بينما تراجعت عوائد السندات الأميركية والدولار عن أعلى مستوياتهما في عدة أشهر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رزم من أوراق الدولار الأميركي في متجر لصرف العملات في سيوداد خواريز بالمكسيك (رويترز)

الدولار يسجل أكبر مكسب أسبوعي في أكثر من شهر

سجل الدولار أكبر مكسب أسبوعي له في أكثر من شهر يوم الجمعة بدعم من توقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد سبائك ذهبية بمصنع «أرغور-هيرايوس» في ميندريسو بسويسرا (رويترز)

الذهب يواجه أسوأ أداء أسبوعي منذ أكثر من 3 سنوات

انخفض الذهب، يوم الجمعة، وكان في طريقه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي له منذ أكثر من 3 سنوات، متأثراً بارتفاع الدولار الأميركي وسط التوقعات بتقليص أقل لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الخطيب: توقيع اتفاقيات استراتيجية مصرية - سعودية تمتد 5 أعوام

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

الخطيب: توقيع اتفاقيات استراتيجية مصرية - سعودية تمتد 5 أعوام

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)

أفصح وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري المهندس حسن الخطيب عن توقيع اتفاقيات استراتيجية بين القاهرة والرياض في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تستمر 5 سنوات، وذلك في سياق حل المشكلات الاقتصادية التي استمرت 4 عقود.

وأكد أن الاتفاقيات المتعددة الأطراف تمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية بلاده لتطوير الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات، وأن القاهرة توفر للمستثمرين فرصة الوصول إلى 70 في المائة من السوق المحلية، مشيراً إلى أن البلاد تهدف إلى تحسين البيئة الاستثمارية، وتعزيز التعاون مع شركاء مصر الدوليين، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.

وأضاف الخطيب في جلسة حوارية بعنوان: «تحدي الجاذبية: الدور المتغير للاقتصادات الناشئة في الاقتصاد العالمي والبيئة الاستثمارية» ضمن المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار، في الرياض، أن الاستقرار في السياسات الاقتصادية المصرية يعد أحد العوامل الأساسية لجذب الاستثمارات، مع التركيز على القطاعات الصحيحة مثل التحول الأخضر والتكنولوجيا.

وأكد أن القطاع الخاص سيكون له دور محوري في دعم الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 6 إلى 7 في المائة خلال الأعوام المقبلة.

وأشار الوزير إلى أن مصر قد استثمرت أكثر من 550 مليار دولار في إطار أوسع للتعاون مع الشركاء الدوليين.

وعن مستقبل مصر في مجالات السياحة والطاقة، أضاف الخطيب أن هناك خططاً طموحة لزيادة قدرة البلاد على توليد الطاقة البديلة بمقدار 50 غيغاواط في الفترة من 2030 إلى 2040، مشيراً إلى أهمية تعزيز قطاع السياحة من خلال مضاعفة عدد الغرف الفندقية وعدد الأسرة في المستشفيات حتى عام 2030.

وأردف الخطيب: «نحن نبني أطر التعاون التاريخية، ونعمل على تحقيق أهداف طويلة المدى تضمن استدامة النمو الاقتصادي في مصر، وتعزيز مكانتها وجهة استثمارية رئيسية في المنطقة».