بوصلة الغاز الأوروبي تتحرك بإشارات من الشرق الأوسط

أميركا تزيد إنتاجها وصادراتها لتحل محل روسيا

مؤشر قياس ضغط الغاز في إحدى المحطات (رويترز)
مؤشر قياس ضغط الغاز في إحدى المحطات (رويترز)
TT

بوصلة الغاز الأوروبي تتحرك بإشارات من الشرق الأوسط

مؤشر قياس ضغط الغاز في إحدى المحطات (رويترز)
مؤشر قياس ضغط الغاز في إحدى المحطات (رويترز)

بينما تنتظر أسواق الطاقة والسلع رد فعل إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته إيران السبت الماضي؛ ارتفع سعر الغاز الطبيعي في أوروبا إلى أعلى مستوى له منذ أكثر منذ ثلاثة أشهر بسبب الصراعات الدائرة بالشرق الأوسط.

ووفق مؤشر «تي تي إف» الهولندي المرجعي للغاز الطبيعي في أوروبا، ارتفع الأربعاء سعر الغاز في العقود الآجلة في غضون شهر إلى 33.95 يورو (36.12 دولار) لكل ميغاواط/ساعة في بورصة أمستردام، وهو أعلى سعر له منذ بداية يناير (كانون الثاني) الماضي.

وارتفع سعر الغاز الطبيعي، خلال الأسبوع الماضي، بأكثر من 20 في المائة، معوّضاً تراجع الأسعار خلال الأشهر القليلة الأولى من العام الحالي.

وبالنظر إلى حجم المخزونات الأوروبية الحالية من الغاز والطقس الدافئ، يتضح أن الاتحاد الأوروبي لم يعالج العجز الهيكلي في الغاز الطبيعي المسال بشكل كامل حتى الآن، والذي كان يعتمد عليه من خلال روسيا، ونتيجة لذلك تظل أسعار الغاز الأوروبية عرضة لزيادات مفاجئة مع كل توتر في الأسواق، أو انقطاع في الإمدادات، أو ارتفاع الطلب، خاصة خلال فصل الشتاء.

وتحاول أوروبا معالجة هذه المشكلة من خلال عقود طويلة الأمد مع دول من الشرق الأوسط، لكن عدم الاستقرار في المنطقة يعرض أوروبا لمشاكل اقتصادية جمة على المدى القصير، والمتوسط، والطويل، حتى مع لجوئها إلى أميركا لتعويض نقص الإمدادات.

إمدادات الغاز

أحد أسباب ارتفاع أسعار الغاز هو تخوف المستثمرين من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، وتأثيرها المحتمل على إمدادات الغاز من المنطقة.

وقدّر صندوق النقد الدولي ارتفاع أسعار الشحن العالمية لناقلات المنتجات النفطية بعد الهجمات على السفن في البحر الأحمر، الذي تمر فيه 12 في المائة من تدفقات التجارة العالمية، بنسبة 50 في المائة، وارتفاع تكلفة الشحن عبر البحر الأحمر، للمسارات من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بنسبة 200 في المائة خلال الفترة من منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى منتصف مارس (آذار) الماضي.

غير أن الصندوق يقول إن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة ساهمت في تراجع أسعاره على مدار الشهور القليلة الماضية.

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية في هذا الصدد أن تستمر صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية في النمو، مشيرة إلى بدء الإنتاج التجريبي من ثلاثة مشاريع لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ومن المقرر أن ترتفع إلى الإنتاج الكامل بحلول نهاية عام 2025.

وأضافت إدارة معلومات الطاقة في بيان صحافي الأربعاء أنه من المتوقع أن تزيد صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 2 في المائة في عام 2024 لتصل في المتوسط إلى 12.2 مليار قدم مكعبة يومياً. وفي عام 2025 بنسبة زيادة 18 في المائة.

وخلال أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2024 توقعت إدارة معلومات الطاقة أن تنخفض صادرات الغاز الطبيعي المسال، بينما تخضع اثنتان من المحطات الثلاث في منشأة «فريبورت» لتصدير الغاز الطبيعي المسال للصيانة السنوية.

وعادةً ما تتم الصيانة السنوية لمحطات الغاز في فصلي الربيع والخريف، عندما يكون الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال أقل، وتكون درجات الحرارة معتدلة.

غير أن الإدارة أشارت إلى أنه في وقت لاحق من العام الحالي من المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من مشروع «بلاكومينس»، والمرحلة الثالثة من مشروع «كوربوس كريستي» في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتحميل الشحنات الأولى بحلول نهاية العام.

وتعد الولايات المتحدة حالياً أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، حيث تمثل ما يقرب من ربع إنتاج الغاز الطبيعي العالمي.

منع واردات الغاز الروسي

يأتي هذا في وقت صوّت البرلمان الأوروبي في 11 أبريل الحالي لصالح إقرار قواعد تسمح للحكومات الأوروبية بحظر واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي من خلال منع الشركات الروسية من حجز مساحات تخزين في البنية التحتية للغاز.

وتجنب الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الغاز الروسي الذي يعتمد عليه بعض الأعضاء بشكل كبير. وتهدف قواعد استيراد الغاز الجديدة إلى إنشاء طريق قانوني للحكومات لمنع إمدادات الغاز الروسي إلى بلادها كحل بديل، رغم أنه لم يشر أي مستورد رئيسي حتى الآن إلى أنه سيستخدم القواعد الجديدة.

وتسمح القواعد الجديدة لسوق الغاز في الاتحاد الأوروبي للحكومات بمنع مصدري الغاز في روسيا وروسيا البيضاء مؤقتاً من تقديم عطاءات للحصول على قدرات البنية التحتية اللازمة لتوصيل الغاز عبر الأنابيب، والغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

وخفضت روسيا إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، ما أدى إلى تقليص ما كان يعتبر الطريق الرئيسي للإمدادات الروسية للوصول إلى أوروبا. لكن الغاز الطبيعي المسال الروسي يواصل التدفق إلى القارة، معظمه عبر موانئ في إسبانيا، وبلجيكا، وفرنسا.

المخزونات الأوروبية

وصلت مستويات تخزين الغاز الطبيعي في أوروبا حالياً إلى أعلى مستوياتها الموسمية خلال خمس سنوات، حيث تبلغ احتياطيات الغاز في الاتحاد الأوروبي 62.02 في المائة، وفيما سجلت البرتغال أعلى معدل في دول الاتحاد عند 86.91 في المائة، تلتها إسبانيا عند 80.93 في المائة، ثم النمسا عند 77 في المائة، أما ألمانيا فقد سجلت 69.28 في المائة، وإيطاليا 60.81 في المائة، وفرنسا 45.36 في المائة، وفقاً لبيانات مخزونات الغاز المجمع (AGSI) التابعة لـGas Infrastructure Europe» (GIE)» حتى الثلاثاء 16 أبريل على الموقع الإلكتروني، والتي اطلعت «الشرق الأوسط» عليها.

وقد ساهم الشتاء المعتدل، خاصة في فرنسا وألمانيا اللتين تشهدان ثالث ورابع أدفأ فصول شتاء منذ 34 عاماً على التوالي، في انخفاض الطلب على التدفئة.

وبناء على هذه المعطيات، أفاد الاتحاد الأوروبي بأن روسيا لم توفر سوى 15 في المائة من احتياجات الدول الأعضاء من الغاز الطبيعي في عام 2023، انخفاضاً من 45 في المائة في عام 2021.

تجدر الإشارة إلى أن هذا العام قد يكون هو الأخير بالنسبة إلى إمدادات خطوط الأنابيب الروسية عبر أوكرانيا، حيث من المقرر أن تنتهي اتفاقية العبور في نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وفي حال عدم تمديد الاتفاقية، فأكثر الدول المتأثرة ستكون أعضاء الاتحاد في وسط أوروبا، مثل النمسا، وسلوفاكيا، والمجر.

إلى ذلك، ومع كل زيادة في نشاط التصنيع الأوروبي، تزيد الحاجة إلى الغاز الذي يستخدم على نطاق واسع في معظم المصانع الأوروبية، خاصة ألمانيا.

في الأثناء، تظهر أزمات أخرى أعلى من أزمة الطاقة، كان آخرها تحركات من المفوضية الأوروبية خلال الأيام القليلة المقبلة لمقاضاة ألمانيا، وذلك لفرضها رسوماً إضافية على جيرانها لشراء الغاز من مخازنها، وهو ما يعتبر انتهاكاً لقواعد السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

وقالت مصادر، وفق وكالة «رويترز»، إن الرسوم الجمركية الألمانية هي إرث من أزمة الطاقة الأوروبية التي بلغت ذروتها في عام 2022 بعد أن خفضت موسكو تدفقات الغاز إلى أوروبا، وأدى تفجير تحت البحر إلى إغلاق خط أنابيب نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا -وهو الطريق الذي يمر به 15 في المائة من واردات الغاز في أوروبا.

ومن أجل استرداد المليارات من اليوروات التي أنفقتها على شراء الغاز غير الروسي بأسعار مرتفعة لملء مستودعات التخزين لديها، وهي الأكبر من أي دولة في الاتحاد الأوروبي في استخدام الغاز، فرضت ألمانيا ما أسمته «رسوم الحياد» على مبيعات الغاز لجيرانها.

وتضاعفت الرسوم الإضافية أكثر من ثلاثة أضعاف منذ طرحها في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، والتي قالت بعض الحكومات إنها تتعارض مع قواعد السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي التي تحظر أي رسوم جمركية على التجارة بين دول الكتلة.


مقالات ذات صلة

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

العراق: نفقد 5.5 غيغاواط من الكهرباء بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية عن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً؛ ما تسبب في فقدان 5.5 غيغاواط من الطاقة الكهربائية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
TT

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية، وذلك بعد إعلان وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، 9 صفقات جديدة، إلى جانب 25 اتفاقية أخرى، معظمها ما زالت تحت الدراسة ضمن «جسري» المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمي، مؤكداً أن هذه المبادرة «ليست سوى البداية».

جاء هذا الإعلان في كلمته خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد»، التي تُقام في مؤتمر الاستثمار العالمي الثامن والعشرين، الثلاثاء، في الرياض، بمشاركة أكثر من 100 دولة، قائلاً إن هذه الصفقات تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق هدف المملكة في بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وكفاءة.

وأكد أن البرنامج يعكس رؤية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الذي كان له الدور البارز في إطلاق هذه المبادرة قبل عامين، مشيراً إلى أن البرنامج هو جزء من الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، ويشمل عدة برامج حكومية داعمة، مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية واللوجيستيات (ندلب).

الطاقة الخضراء

وأضاف الفالح أن المملكة تسعى إلى تسهيل الوصول للمعادن الأساسية، وتشجيع التصنيع المحلي، وزيادة الوصول إلى أسواق الطاقة الخضراء العالمية.

وأوضح أن «التوريد الأخضر» هو جزء من المبادرة السعودية؛ إذ ستعزّز المملكة سلاسل الإمداد عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة، لافتاً إلى أننا بصدد تطوير 100 فرصة استثمارية جديدة في 25 سلسلة قيمة تتضمّن مشروعات رائدة في مجالات، مثل: الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي.

وحسب الفالح، فإن الحكومة السعودية تقدّم حوافز خاصة إلى الشركات الراغبة في الاستثمار بالمناطق الاقتصادية الخاصة، وأن بلاده تستعد للتوسع في استثمارات جديدة تشمل قطاعات، مثل: أشباه الموصلات، والتصنيع الرقمي، في إطار التعاون المستمر بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، لتعزيز قدرة المملكة على تحقيق أهداف «رؤية 2030».

وشدد على التزام الحكومة الكامل بتحقيق هذه الرؤية، وأن الوزارات المعنية ستواصل دعم هذه المبادرة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وتوطين الصناعات المتقدمة في المملكة.

الصناعة والتعدين

من ناحيته، كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، عن جذب ما يزيد على 160 مليار دولار إلى السوق السعودية، وهو رقم مضاعف بواقع 3 مرات تقريباً، وترقية رؤوس الأموال في قطاع التعدين إلى مليار دولار، وأن استثمارات الثروة المعدنية تخطت 260 مليون دولار.

وزير الصناعة والثروة المعدنية يتحدث إلى الحضور (الشرق الأوسط)

وأبان أن السعودية تعمل بشكل كامل لتأكيد التعاون المبني على أساسات صحيحة وقوية، وأطلقت عدداً من الاستراتيجيات المهمة، وهي جزء لا يتجزأ من صنع مجال سلاسل الإمداد والاستدامة.

وتحدث الخريف عن مبادرة «جسري»، كونها ستُسهم في ربط السعودية مع سلاسل الإمداد العالمية، ومواجهة التحديات مثل تحول الطاقة والحاجة إلى مزيد من المعادن.

وأضاف أن المملكة لا تزال مستمرة في تعزيز صناعاتها وثرواتها المعدنية، وتحث الشركات على الصعيدين المحلي والدولي على المشاركة الفاعلة وجذب استثماراتها إلى المملكة.

بدوره، عرض وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، الأمين العام للجنة التوطين وميزان المدفوعات، الدكتور حمد آل الشيخ، استثمارات نوعية للمملكة في البنى التحتية لتعزيز موقعها بصفتها مركزاً لوجيستياً عالمياً.