هجمات البحر الأحمر تخفّض التجارة العالمية 1.3 % وحجم الحاويات المنقولة 70 %

بكين خالفت الاتجاه الدولي وحققت نمواً في صادراتها ووارداتها

نموذج قارب سفينة شحن أمام كلمات «البحر الأحمر» في رسم توضيحي مأخوذ في 9 يناير 2024 (رويترز)
نموذج قارب سفينة شحن أمام كلمات «البحر الأحمر» في رسم توضيحي مأخوذ في 9 يناير 2024 (رويترز)
TT

هجمات البحر الأحمر تخفّض التجارة العالمية 1.3 % وحجم الحاويات المنقولة 70 %

نموذج قارب سفينة شحن أمام كلمات «البحر الأحمر» في رسم توضيحي مأخوذ في 9 يناير 2024 (رويترز)
نموذج قارب سفينة شحن أمام كلمات «البحر الأحمر» في رسم توضيحي مأخوذ في 9 يناير 2024 (رويترز)

أظهر أحدث بيانات مؤشر «كييل» التجاري لشهر ديسمبر (كانون الأول) 2023، الذي يصدره معهد كييل الألماني المستقل، أن هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على سفن الشحن في البحر الأحمر تسببت في انخفاض حجم الحاويات المنقولة هناك بأكثر من النصف، أي بنسبة 70 في المائة تقريباً. كذلك انخفضت التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى ديسمبر 2023.

فقد أجبرت الهجمات شركات الشحن على تغيير مساراتها وإرسال سفنها في رحلات أطول وأكثر تكلفة. وبدلاً من الإبحار عبر البحر الأحمر، تبحر السفن الآن حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، وهي طريق تستغرق من 7 أيام إلى 20 يوماً. وقد أدى طول وقت الرحلة إلى زيادة أسعار الشحن بشكل كبير، حيث تكلفة نقل حاوية قياسية طولها 40 قدماً بين الصين وشمال أوروبا حالياً أكثر من 4 آلاف دولار، مقارنة بنحو 1500 دولار في نوفمبر.

ونتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف الشحن ووقت النقل في حركة البضائع بين شرق آسيا وأوروبا بنسبة تصل إلى 50 في المائة، وكانت الواردات والصادرات من ألمانيا والاتحاد الأوروبي في بعض الحالات أقل مما كانت عليه في الشهر السابق من نوفمبر 2023.

وأشار آخر تحديث لبيانات المؤشر إلى استمرار الاتجاه السلبي الطفيف في التجارة العالمية والتبادل التجاري بين الاقتصادات الكبرى. ومن المرجح أن يكون الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة الهجمات على سفن الحاويات في البحر الأحمر، أحد أسباب ضعف التداول خلال الشهر.

وانخفضت الصادرات الأوروبية بنسبة 2.0 في المائة، والواردات بنسبة 3.1 في المائة في ديسمبر 2023. كما انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 2.0 في المائة، والواردات بنسبة 1.8 في المائة في الشهر نفسه، مواصلة المرحلة الضعيفة التي شهدتها الأشهر الأخيرة.

وفي الولايات المتحدة، انخفضت أيضاً الصادرات بنسبة 1.5 في المائة، والواردات بنسبة 1 في المائة، على الرغم من أن الطريق البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس تلعب دوراً أقل مما هو عليه في أوروبا.

في المقابل، خالفت التجارة الصينية هذا الاتجاه، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 1.3 في المائة، والواردات بنسبة 3.1 في المائة. ورجّح المعهد أن قد تكون أجزاء من هذه الزيادة بسبب الذروة السنوية قبل العام الصيني الجديد.

وقال مدير مركز أبحاث السياسة التجارية، التابع لـ«آي إف دبليو كيل»، جوليان هينز، إن عمليات التحويل رداً على الهجمات أدت إلى زيادة الرحلات بين مراكز الإنتاج الآسيوية والمستهلكين الأوروبيين بما يصل إلى 20 يوماً.

وأضاف هينز، في بيان، أن «هذا ينعكس أيضاً في انخفاض أرقام التجارة لألمانيا والاتحاد الأوروبي، حيث لا تزال البضائع المنقولة الآن في البحر، ولم يتم تفريغها بالفعل في الموانئ كما هو مخطط لها».

وشهدت حركة الشحن في البحر الأحمر انخفاضاً حاداً بنسبة 66 في المائة في ديسمبر، مقارنة بالشهر السابق، حيث بلغ متوسط عدد الحاويات المشحونة يومياً 200 ألف حاوية، مقارنة بـ500 ألف حاوية في نوفمبر. ويعد هذا الانخفاض غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حيث يمثل أدنى مستوى للحركة منذ عام 2016.

المملكة المتحدة

في السياق نفسه، وفقاً لحسابات «وايت هول»، فإن اقتصاد المملكة المتحدة قد يشهد ارتفاعاً في التضخم بنسبة 0.2 إلى 0.5 في المائة بسبب الاضطراب التجاري الناجم عن استمرار الحوثيين في استهداف السفن في البحر الأحمر.

واعترف وزير الخزانة، جيريمي هانت، مؤخراً بأن العمل العسكري في أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي، بسبب ارتفاع الأسعار. وقال: «قد يكون له تأثير، وسنراقبه بعناية شديدة».

قد لا تتأثر بريطانيا سلباً بما يتكشف مثل دول الشرق الأوسط. وتعتبر مصر، على وجه الخصوص، الخاسر الأكبر بسبب نقص الإيرادات من عبور قناة السويس، حيث يتم إعادة توجيه 30 في المائة من البضائع عبر الطرف الجنوبي لأفريقيا.

لكن توقعات صناعة الشحن بارتفاع معدل التضخم بنسبة تصل إلى 0.5 في المائة تظهر أن هذا البلد من غير المرجح أن يفلت من التداعيات التجارية.

وقد ارتفعت تكاليف الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا بأكثر من الضعف في الأسابيع التي تلت إطلاق الحوثيين حملتهم باستخدام الصواريخ والطائرات من دون طيار.

«تيسكو» تحذر من اشتعال التضخم

في السياق نفسه، قال الرئيس التنفيذي لشركة «تيسكو»، كين مورفي، يوم الخميس، إن اضطراب الشحن في البحر الأحمر قد يؤدي إلى تضخم في بعض السلع الاستهلاكية.

وقال مورفي، في مكالمة مع الصحافيين: «إذا اضطروا إلى السير في جميع أنحاء أفريقيا للوصول إلى أوروبا، فإن ذلك يمدد أوقات الشحن، ويحد من مساحة الشحن، ويزيد من تكاليف الشحن... لذلك يمكن أن يؤدي ذلك إلى التضخم في بعض العناصر، لكننا لا نعرف».

وتعكس تعليقات مورفي صدى تعليقات رؤساء التجزئة الآخرين. إذ قال ستيوارت ماشين، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ماركس آند سبنسر»، يوم الخميس، إن الشركة تتوقع بعض التأخيرات الطفيفة في تسليم سلع جديدة عبر الملابس والأدوات المنزلية في فبراير (شباط) ومارس (آذار).

وقال ماشين، متحدثاً في مكالمة مع الصحافيين: «نحن ندرك التكاليف، والأهم من ذلك توافر نطاقات جديدة. إنه شيء يؤثر على الجميع، وهو شيء نركز عليه بشدة».

«ميرسك»

حذّر رئيس شركة الشحن العملاقة «إيه بي مولر ميرسك»، فنسنت كليرك، من أن إعادة فتح الطريق التجارية المهمة في البحر الأحمر قد تستغرق شهوراً، ما يهدد بضربة اقتصادية وتضخمية للاقتصاد العالمي والشركات والمستهلكين.

وقال كليرك لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، يوم الخميس، إن إغلاق البحر الأحمر أمام معظم سفن شحن الحاويات بعد سلسلة هجمات شنّها مسلحون حوثيون في اليمن كان «وحشياً ودراماتيكياً». وأضاف أنه لم يكن هناك «فائزون» نتيجة الوضع الذي أجبر السفن على الالتفاف طويلاً ومكلفاً حول جنوب أفريقيا.

وأضاف: «من غير الواضح لنا ما إذا كنا نتحدث عن إعادة إنشاء ممر آمن إلى البحر الأحمر في غضون أيام أو أسابيع أو شهور... من المحتمل أن تكون لذلك عواقب وخيمة على النمو العالمي».

«ميرسك» هي رائدة في التجارة العالمية، وتحمل نحو خمس الشحن البحري. وحثّ كليرك المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، على بذل مزيد من الجهد للسماح بإعادة فتح البحر الأحمر أمام السفن في أعقاب التصعيد الأخير للهجمات في المنطقة.

... «جي بي مورغان» يحذر

أعرب بنك الاستثمار الأميركي العملاق «جي بي مورغان» عن مدى قلقه الكبير حيال التأثيرات المحتملة لهجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر على أسعار الشحن العالمية، وبالتالي على مستويات التضخم، ما قد يؤدي إلى موجة صعودية أخرى للأسعار والتضخم.

وقال إن الزيادات المتجددة في تكاليف الشحن العالمية بالفترة الأخيرة، التي نتجت عن تلك الهجمات، قد تزيد في الواقع من تضخم أسعار المستهلك خلال الأشهر القليلة المقبلة بشكل واضح. ومع الآثار المترتبة على التضخم العالمي، فإن هذا سيقف عائقاً أمام جهود خفض التضخم الأساسي العالمي هذا العام.


مقالات ذات صلة

تحركات مصرية سياسية واقتصادية لتنشيط الملاحة في قناة السويس

العالم العربي تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)

تحركات مصرية سياسية واقتصادية لتنشيط الملاحة في قناة السويس

تكثف مصر تحركاتها السياسية والاقتصادية بهدف عودة حركة الملاحة بقناة السويس إلى طبيعتها في ظل تراجع كبير لحركة السفن منذ بداية حرب غزة عام 2023.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي إيرانية تمر أمام جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة وسط طهران (أ.ف.ب)

مصر تعوِّل على المفاوضات الأميركية - الإيرانية في خفض توترات المنطقة

تتطلع مصر لأن تُفضي المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران إلى تقريب وجهات النظر، بما يسهم في خفض التصعيد والحد من التوترات في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد حاويات على متن سفينة شحن تابعة لشركة «ميرسك» في ميناء ألميريا بإسبانيا (رويترز)

«ميرسك»: الاتفاق التجاري بين أميركا والصين «خطوة في الاتجاه الصحيح»

أعلنت مجموعة الشحن الدنماركية «ميرسك»، يوم الاثنين، أن الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة، يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
أوروبا بعض الاضطرابات استمرت لعدة ساعات (رويترز)

بلاغات بتعرض سفن في البحر الأحمر لأعطال في نظام «جي بي إس»

أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية أنها تلقت بلاغات من عدة سفن في منطقة البحر الأحمر تفيد بتعرضها لاضطرابات في نظام «جي بي إس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد حاويات على متن سفينة «ماجيستيك ميرسك» في ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا (رويترز)

«ميرسك» تحذّر من تراجع شحن الحاويات بسبب الحرب التجارية

حذرت مجموعة الشحن الدنماركية «إيه بي مولر - ميرسك» يوم الخميس من أن الحرب التجارية العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي قد يؤديان إلى انخفاض أحجام الحاويات العالمية.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن )

كوريا الجنوبية وأميركا تعقدان محادثات بشأن الرسوم الجمركية على هامش «أبيك»

ميناء تجاري في كوريا الجنوبية (رويترز)
ميناء تجاري في كوريا الجنوبية (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية وأميركا تعقدان محادثات بشأن الرسوم الجمركية على هامش «أبيك»

ميناء تجاري في كوريا الجنوبية (رويترز)
ميناء تجاري في كوريا الجنوبية (رويترز)

من المقرر أن تعقد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة محادثات بشأن الرسوم الجمركية هذا الأسبوع، على هامش اجتماع وزراء تجارة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك).

ومن المقرر أن يزور الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير كوريا الجنوبية، لحضور اجتماع وزراء تجارة أبيك، المقرر عقده الخميس والجمعة في جزيرة جيجو، حسب شبكة «كيه بي إس وورلد» الإذاعية الكورية الجنوبية يوم الأربعاء.

ومن المقرر أن يجري غرير محادثات ثنائية منفصلة مع الدول الكبرى، بما في ذلك كوريا الجنوبية، على هامش اجتماع «أبيك».

ومن المتوقع أن يجري غرير محادثات بشأن الرسوم الجمركية مع وزير التجارة والصناعة والطاقة الكوري الجنوبي آن دوك جيون، يوم الجمعة.

إلى ذلك، خفض معهد التنمية الكوري توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية هذا العام إلى 0.8 في المائة، وأرجع ذلك للخلافات التجارية العالمية الحالية وانخفاض الصادرات.

وذكرت هيئة الإذاعة الكورية أن المعهد قال في تقريره المعدل بشأن نمو الاقتصاد لهذا العام الذي صدر يوم الأربعاء، إنه من المتوقع تراجع الاقتصاد في ظل ازدياد سوء الأوضاع التجارية بسبب رفع الرسوم الأميركية، وازدياد الغموض المتعلق بالسياسات التجارية.

وكان المعهد قد توقع في فبراير (شباط) نمو الاقتصاد بنسبة 1.6 في المائة، وأرجع المعهد توقعاته أيضاً إلى انخفاض الصادرات، باستثناء أشباه الموصلات، وانكماش بيئة التجارة العالمية.