بعد فترة وجيزة من غزو القوات الروسية بلاده، وجَّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نداءً إلى الشركات الغربية قائلاً: «اتركوا روسيا. تأكدوا من أن الروس لا يحصلون على فلس واحد منكم». وقد استجابت مئات الشركات لهذا النداء، وتوقع السياسيون والناشطون أن يساعد ذلك في خنق الاقتصاد الروسي، وتقويض الجهود الحربية للكرملين.
إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له خطط أخرى حوَّلت هذه المقاطعة الغربية لصالحه، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
ووفقاً للتقرير، فقد حوَّل بوتين خروج الشركات الغربية الكبرى من بلاده إلى مكاسب غير متوقعة للنخبة الموالية لروسيا والدولة نفسها.
فقد قيَّد بوتين حركة الأموال في الخارج، وأجبر الشركات على الحصول على موافقة من الحكومة الروسية قبل بيع أصولها، وأملى عليها بعض الشروط التي أجبرتها على قبول أسعار بخسة جداً مقابل شرائها بواسطة مشترين اختارتهم موسكو بنفسها، وفي بعض الأحيان استولت الدولة على عدد من هذه الشركات بشكل مباشر.
وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «أولئك الذين يغادرون يفقدون وضعهم في البلاد. وبالطبع، يتم شراء ممتلكاتهم بسعر منخفض للغاية، وتستولي عليها شركاتنا التي تفعل ذلك بكل سرور».
وقال التقرير إن عملية خروج الشركات الغربية من البلاد خيم عليها التهديد والترهيب. فقد قامت السلطات الروسية بالتحقيق مع الشركات المغادرة، واستجوبت العمال، واعتقلت بعض المديرين التنفيذيين المحليين.
كما أخضع بوتين تلك الشركات لضرائب متزايدة قبل مغادرتها البلاد، مما أدى إلى إمداد صندوق الحرب الروسي بما لا يقل عن 1.25 مليار دولار في العام الماضي.
وأعلنت الشركات الغربية التي غادرت موسكو عن خسائر تجاوزت 103 مليارات دولار منذ بداية الحرب، وفقاً لتحليل لتقارير مالية، أجرته «نيويورك تايمز».
وبشكل عام، قاد بوتين منذ بدء الحرب واحدة من أكبر عمليات نقل الثروة داخل روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. فقد هيمن رجال الأعمال الروس على قطاعات واسعة من الصناعات بالبلاد، واستحوذت الشركات المملوكة للحكومة على أصول شركات عملاقة.
ففي أغسطس (آب) من ذلك العام، أصدر بوتين مرسوماً يلزم الشركات العاملة في الصناعات الرئيسية بالحصول على توقيعه شخصياً قبل بيع أصولها الروسية. وأصبحت عشرات الشركات -بما في ذلك «سيمنز» و«كاتربيلر»- فجأة خاضعة لأهواء بوتين نفسه.
وقالت لورا برانك، المحامية في شركة «ديشيرت» التي تساعد الشركات الغربية على الخروج من روسيا: «منذ ذلك الحين، بدأت الحكومة في تشديد عملية المغادرة، وأصبح الأمر أكثر صعوبة بكثير. كنت أخبر العملاء أنه من الأفضل أن نتحرك بسرعة».
ولم تؤثر الحرب على استهلاك المواطنين الروس للسلع بمختلف أنواعها، الأمر الذي جعل الحياة هناك تسير بشكل طبيعي إلى حد بعيد، وساعد الدولة على تحقيق أرباح بشكل مستمر.
حقائق
103 مليارات دولار
خسرتها الشركات الغربية التي غادرت موسكو منذ بداية الحرب
وانتقد أنطون بينسكي -وهو صاحب مطعم بارز انضم إلى مغني الراب الروسي المؤيد لبوتين تيماتي للاستيلاء على «ستاربكس»- الشركات التي غادرت روسيا قائلاً: «لقد أفسدتم الأمر على أنفسكم وتركتم البلاد، ونحن استفدنا من الأمر وحصلنا على هذه الشركات بسعر رخيص. شكراً لكم».
وعقب استحواذ بينسكي وتيماتي على «ستاربكس»، قاما بتغيير اسمه إلى «ستارز كوفي»، تماماً مثلما غيرت روسيا أسماء كثير من الشركات والعلامات التجارية العملاقة بعد شرائها أو السيطرة عليها.
ومع ذلك، فإن مغادرة الشركات لروسيا كانت لها تأثيرات سلبية عليها بلا شك. فقد أرسلت إشارة عالمية مفادها أن روسيا منبوذة من الناحية التجارية، وأن اقتصادها متوتر ومعرَّض لخطر الإنهاك، حتى أن بعض كبار المسؤولين الروس يعترفون بأن انخفاض المنافسة والاستثمار الأجنبي سيضر بالروسيين العاديين وبالاقتصاد على المدى الطويل.
ويقول الكرملين إنه يفضل بقاء الشركات في روسيا. لكن بوتين يسخر من فكرة أن الرحيل سيكون مؤلماً. وقد قال في وقت سابق هذا الشهر: «هل اعتقدوا أن كل شيء سوف ينهار هنا؟ حسناً، لم يحدث شيء من هذا القبيل. الشركات الروسية تولت المسؤولية».
وهذا العام، باعت شركة «أيكيا» مراكز التسوق التابعة لها في روسيا إلى أحد البنوك التي تسيطر عليها الدولة. وباعت شركة «نوكيان» أصولها لشركة نفط مملوكة للدولة أيضاً، كما استحوذت شركة حكومية على فروع شركات السيارات «نيسان» و«رينو» و«تويوتا» في روسيا.
وأمس (الأحد) تعهد بوتين بأن يجعل روسيا «قوة سيادية ومكتفية ذاتياً» في مواجهة الغرب، وذلك في أول خطاب له خلال حملته قبل انتخابات مارس (آذار) لتمديد حكمه حتى عام 2030 على الأقل.
وأضاف بوتين: «علينا أن نتذكر وألا ننسى أبداً، ونقول لأطفالنا: إما أن تكون روسيا قوة سيادية ومكتفية ذاتياً، وإما أنها لن تكون موجودة على الإطلاق».
وتابع: «لا يمكن لروسيا أن تتخلى مثل بعض الدول عن سيادتها مقابل بعض (النقانق) وتصبح تابعة لطرف ما»، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا.
ومن جهته، أشاد ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بقدرة روسيا على «مقاومة الضغوط الهائلة» من الغرب، مضيفاً: «كان الرد على تصرفات خصومنا هو صمود المجتمع الروسي ووحدته».