مراكش تنفض غبار الموت لتستقبل نسمات الحياة

المدينة المنكوبة تُلهم آلاف الزائرين وتُبهر الجميع بصمودها

جندي مغربي يقف للتأمين قرب «مسجد الكتبية» أحد المعالم التاريخية والسياحية في مدينة مراكش (رويترز)
جندي مغربي يقف للتأمين قرب «مسجد الكتبية» أحد المعالم التاريخية والسياحية في مدينة مراكش (رويترز)
TT

مراكش تنفض غبار الموت لتستقبل نسمات الحياة

جندي مغربي يقف للتأمين قرب «مسجد الكتبية» أحد المعالم التاريخية والسياحية في مدينة مراكش (رويترز)
جندي مغربي يقف للتأمين قرب «مسجد الكتبية» أحد المعالم التاريخية والسياحية في مدينة مراكش (رويترز)

عندما يسير المرء في شوارع مراكش المزدحمة في هذه الأيام، يسأل نفسه عن أسباب سرعة عودة الحياة إلى طبيعتها إلى هذه المدينة القديمة بعد زلزال ضرب أحد الجبال في المغرب.

مراكش، وهي ثالث مدن المغرب، تستضيف في هذه الأيام الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، هاتين المؤسستين الماليتين الدوليتين اللتين رفضتا إرجاء أو إلغاء فعاليتهما السنوية، حيث إن نحو 12 ألف شخصية تشارك في الحدث العالمي.

كانت مناطق كثيرة من المغرب قد تعرضت في سبتمبر (أيلول) لزلزال بلغت قوته 6.8 درجة على مقياس ريختر، ما أدى إلى سقوط الآلاف من القتلى وتدمير آلاف المنازل وتشريد عدد كبير من الناس.

تبعد مراكش عن موقع الزلزال نحو 70 كيلومتراً، وبالفعل بعض المباني سجلت انهيارات في المدينة القديمة المدرجة على قائمة التراث العالمي، وكذلك أجزاء من سور المدينة.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» على بعض أحياء المدينة وأزقّتها الضيقة -حيث لا يمكن الدخول إليها إلا مشياً- يلاحَظ أن هذه المدينة التي يعيش فيها نحو مليون نسمة، لا تزال تعيش في قلب التاريخ تزنّرها أسوار تحكي قصتها على مر العصور.

يقول رئيس المركز المغربي للدراسات المستقبلية محمد الشرقي في دردشة مع «الشرق الأوسط»، إن مراكش لا تشبه مدناً أخرى في المغرب، فهي مدينة شديدة القِدم يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1071 ميلادية، ومرت عليها شعوب وقبائل مختلفة. كما أن مراكش لم تعش حروباً، مما يجعل أهلها شديدي التفاؤل دوماً وتواقين للعيش بسلام.

وشرح الشرقي أن اقتصاد المدينة يركز على السياحة والحرف اليدوية والتجارة، فضلاً عن الصناعات الغذائية والإنشائية.

تمضي الحياة بشكل يوضح صمود السكان في مدينة مراكش المغربية والإصرار على عبور الألم (الشرق الأوسط)

وتقول إحدى النساء التي كانت تشتري من محل صغير في أحد الأحياء القديمة، إن أبناء مراكش حريصون على إنجاح هذا النشاط الدولي لكي يُظهروا للعالم أن المغاربة متضامنون في كل الأوقات رغم المحنة الكبيرة التي ألمَّت بالكثير منهم جراء الزلزال، فيما تقول أماني، وهي سيدة تملك فندقاً صغيراً قريباً من موقع الاجتماعات السنوية، إن مراكش قررت أن «تعض» على جرحها وتنفض غبار الموت لتستقبل الزوار رغم ألمها الداخلي.

فمراكش تسهم بنسبة 22 في المائة من إجمالي الإيرادات السياحية للدولة التي تعوِّل على هذا القطاع في مجموع إيراداتها. وكان القطاع السياحي قد درّ على الدولة إيرادات بنحو 10 مليارات دولار العام الماضي.

وتحرص أماني على نشر مقاطع فيديو تُظهر تضامن المغاربة الذين يقطنون في مراكش مع أولئك المتضررين الذين فقدوا عزيزاً أو أعزاء أو ممتلكات. وتشير إلى المساهمات التي يقوم بها المغاربة في محاولة منهم للمساعدة على تخطي المحنة.

وبالفعل، يكشف محافظ المصرف المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري، أن تبرعات ومساهمات المغاربة، أفراداً ومؤسسات، في الصندوق الخاص بتدبير آثار الزلزال، بلغت 12 مليار درهم (1.17 مليار دولار) حتى يوم الثامن أكتوبر 2023.

كما عبّر عن هذا التضامن وعن تماسك المغرب القوي مختلفُ المسؤولين في صندوق النقد والبنك الدوليين في أول أيام انعقاد الاجتماعات السنوية.

ويرى الشرقي أن جائحة كورونا التي ضربت المغرب كما العالم، علّمت المغاربة حب التضامن في الأوقات الحرجة، وأنه لا تمكن مواجهة الصعوبات إلا عبر التضامن.

مديرة صندوق النقد الدولي وسط الجماهير خلال مباراة خيرية قبل انطلاق اجتماعات مراكش (رويترز)

وإلى اليوم، لا توجد أرقام دقيقة عن الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذا الزلزال وتداعياته على الاقتصاد، لكنَّ صندوق النقد الدولي يتوقع في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي أن يرتفع نمو الاقتصاد المغربي من 1.3 في المائة عام 2022 إلى 2.4 في المائة عام 2023 قبل أن ينتعش إلى 3.6 في المائة عام 2024.

وتسجل المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، أن «الدينامية الاقتصادية والقدرة على الصمود والنهوض والمرونة ضد الأزمات التي أبانت عنها المملكة بمختلف مكوناتها، مُلهِمة إلى درجة تجعلنا نودّ أن نرى المزيد منها».

هذا الإلهام والأمل كان واضحاً حين شاركت غورغييفا ومعها زميلها رئيس البنك الدولي أجاي بانغا، إلى جانب عدد كبير من المسؤولين في الحكومة المغربية في مباراة خيرية لكرة القدم حضرها الآلاف عشية انطلاق الاجتماعات. ووسط أجواء تشعّ أملاً وسعادة، أوضحت غورغييفا أن «المغرب منح العالم الحياة والمتعة»، خصوصاً بعد الفاجعة الأليمة التي ضربت عدداً من مناطقه قبل أسابيع في زلزال الحوز.


مقالات ذات صلة

بعثة صندوق النقد الدولي تختتم زيارتها إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج القرض

الاقتصاد  مئذنة مسجد قيد الإنشاء في القاهرة (رويترز)

بعثة صندوق النقد الدولي تختتم زيارتها إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج القرض

اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى مصر وأحرزت تقدماً كبيراً في المناقشات المتعلقة بالسياسات نحو استكمال المراجعة الرابعة لبرنامج القرض، وفق الصندوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئيس سريلانكا أنورا كومارا ديساناياكي مغادراً بعد حفل افتتاح البرلمان العاشر للبلاد في البرلمان الوطني بكولومبو (أ.ف.ب)

سريلانكا تتوقّع اتفاقاً على مستوى موظفي صندوق النقد الدولي الجمعة

قال الرئيس السريلانكي أنورا كومارا ديساناياكي، أمام البرلمان الجديد، إن بلاده تتوقّع أن يعلن صندوق النقد الدولي يوم الجمعة، اتفاقاً بشأن برنامج إنقاذ البلاد.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد علم أوكراني يرفرف بالقرب من المباني التي دمرتها الضربة العسكرية الروسية بكييف في 15 فبراير 2023 (رويترز)

في اليوم الألف للحرب... أوكرانيا تحصل على دعم جديد من صندوق النقد

أعلن صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، أن موظفيه والسلطات الأوكرانية توصلوا إلى اتفاق يتيح لأوكرانيا الوصول إلى نحو 1.1 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام لمدينة الكويت (رويترز)

ارتفاع التضخم السنوي في الكويت 2.44 % خلال أكتوبر

سجل معدل الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، وهو ما يعرف بالتضخم، ارتفاعاً بنسبة 2.44 في المائة خلال شهر أكتوبر الماضي، على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد سفينة وحاويات شحن في ميناء ليانيونغو بمقاطعة جيانغسو (رويترز)

صندوق النقد الدولي يحذر من تأثير التعريفات الجمركية الانتقامية على آفاق نمو آسيا

حذر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء من أن التعريفات الجمركية الانتقامية «المتبادلة» قد تقوض الآفاق الاقتصادية لآسيا، وترفع التكاليف، وتعطل سلاسل التوريد.

«الشرق الأوسط» (سيبو )

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)

ارتفع مؤشر نشاط الأعمال في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى خلال 31 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، مدعوماً بالتوقعات بانخفاض أسعار الفائدة وتطبيق سياسات أكثر ملاءمة للأعمال من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب في العام المقبل.

وقالت «ستاندرد آند بورز غلوبال»، يوم الجمعة، إن القراءة الأولية لمؤشر مديري المشتريات المركب في الولايات المتحدة، الذي يتتبع قطاعي التصنيع والخدمات، ارتفعت إلى 55.3 هذا الشهر. وكان هذا أعلى مستوى منذ أبريل (نيسان) 2022، مقارنة بـ54.1 نقطة في أكتوبر (تشرين الأول)، وفق «رويترز».

ويشير الرقم الذي يتجاوز 50 إلى التوسع في القطاع الخاص. ويعني هذا الرقم أن النمو الاقتصادي ربما تسارع في الربع الرابع. ومع ذلك، تشير البيانات الاقتصادية «الصعبة» مثل مبيعات التجزئة إلى أن الاقتصاد حافظ على وتيرة نمو قوية هذا الربع، مع استمرار ضعف في قطاع الإسكان وتصنيع ضعيف.

ونما الاقتصاد بمعدل نمو سنوي قدره 2.8 في المائة في الربع من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول). ويقدّر الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا حالياً أن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع سيرتفع بمعدل 2.6 في المائة.

وقال كبير خبراء الاقتصاد في شركة «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس»، كريس ويليامسون: «يشير مؤشر مديري المشتريات الأولي إلى تسارع النمو الاقتصادي في الربع الرابع. وقد أدت التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة والإدارة الأكثر ملاءمة للأعمال إلى تعزيز التفاؤل، مما ساعد على دفع الإنتاج وتدفقات الطلبات إلى الارتفاع في نوفمبر».

وكان قطاع الخدمات مسؤولاً عن معظم الارتفاع في مؤشر مديري المشتريات، على الرغم من توقف التراجع في قطاع التصنيع.

وارتفع مقياس المسح للطلبات الجديدة التي تلقتها الشركات الخاصة إلى 54.9 نقطة من 52.8 نقطة في أكتوبر. كما تباطأت زيادات الأسعار بشكل أكبر، إذ انخفض مقياس متوسط ​​الأسعار التي تدفعها الشركات مقابل مستلزمات الإنتاج إلى 56.7 من 58.2 في الشهر الماضي.

كما أن الشركات لم تدفع لزيادة الأسعار بشكل كبير في ظل ازدياد مقاومة المستهلكين.

وانخفض مقياس الأسعار التي فرضتها الشركات على سلعها وخدماتها إلى 50.8، وهو أدنى مستوى منذ مايو (أيار) 2020، من 52.1 في أكتوبر.

ويعطي هذا الأمل في أن يستأنف التضخم اتجاهه التنازلي بعد تعثر التقدم في الأشهر الأخيرة، وهو ما قد يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة خفض أسعار الفائدة. وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي دورة تخفيف السياسة النقدية في سبتمبر (أيلول) بخفض غير عادي بلغ نصف نقطة مئوية في أسعار الفائدة.

وأجرى بنك الاحتياطي الفيدرالي خفضاً آخر بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، وخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق يتراوح بين 4.50 و4.75 في المائة.

ومع ذلك، أظهرت الشركات تردداً في زيادة قوى العمل رغم أنها الأكثر تفاؤلاً في سنتين ونصف السنة.

وظل مقياس التوظيف في المسح دون تغيير تقريباً عند 49. وواصل التوظيف في قطاع الخدمات التراجع، لكن قطاع التصنيع تعافى.

وارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي السريع إلى 48.8 من 48.5 في الشهر السابق. وجاءت النتائج متوافقة مع توقعات الاقتصاديين. وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات إلى 57 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ مارس (آذار) 2022، مقارنة بـ55 نقطة في أكتوبر، وهذا يفوق بكثير توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى قراءة تبلغ 55.2.