لبنان ينشد استعادة الانتظام في تشريع قانون موازنة العام المقبل

مشروع العام الحالي يصل إلى مجلس النواب متأخراً 8 أشهر

أعضاء البرلمان مجتمعون قبل جلسة تشريعية مقررة لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب في 17 أغسطس (رويترز)
أعضاء البرلمان مجتمعون قبل جلسة تشريعية مقررة لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب في 17 أغسطس (رويترز)
TT

لبنان ينشد استعادة الانتظام في تشريع قانون موازنة العام المقبل

أعضاء البرلمان مجتمعون قبل جلسة تشريعية مقررة لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب في 17 أغسطس (رويترز)
أعضاء البرلمان مجتمعون قبل جلسة تشريعية مقررة لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب في 17 أغسطس (رويترز)

تنشد الحكومة اللبنانية الشروع بتصحيح الاعوجاج المستمر في إدارة المالية العامة، عبر المبادرة مبكراً خلال الشهر المقبل، إلى بدء وزارة المال بإعداد مشروع قانون موازنة عام 2024، ومن ثم السعي إلى تسريع محطات النقاشات والتعديلات في مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب في موعده الدستوري، وتوخياً لإقراره وإصداره قبل نهاية العام الحالي.

وتشكل هذه المحاولة وفقاً لمسؤول مالي معنيّ، في حال نجاحها، تطوراً نوعياً في إعادة الاعتبار لأصول الإنفاق والجباية تحت مظلة قانون نافذ، بعدما تمرست السلطات اللبنانية طويلاً، بذرائع مختلفة، في تغليب «الاستثناءات» المستندة إلى القاعدة الاثنتي عشرية (شهر مقابل شهر) التي تتيح الاعتماد على بيانات الموازنة السابقة، لتكتشف متأخرة عقم هذه الوسيلة في ظل التقلبات الحادة لسعر صرف العملة الوطنية، وبما يشمل الإيرادات والمصروفات على السواء.

ويرتقب أن ترتسم معالم خريطة الطريق الزمنية والفعلية لمشروع موازنة العام المقبل، في ضوء طول المسار التشريعي لرحلة مناقشة مشروع موازنة العام الحالي، المحال للتو من الحكومة بتأخير بلغ 8 أشهر على بداية السنة المالية، وبداية من لجنة المال والموازنة، وبعدها اللجان المشتركة، ثم بلوغ المحطة الأخيرة لدى الهيئة العامة للمجلس، للإقرار بالصيغة النهائية وما ستحفل به من تعديلات نيابية رقمية كانت أو إصلاحية.

وبمعزل عن الالتباسات الدستورية القائمة والمرتبطة خصوصاً باستمرار الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وواقع حصر مهام مجلس الوزراء وصلاحياته ضمن مفهوم «تصريف الأعمال»، فإن مهمة استعادة الانتظام في المالية العامة وإطلاق ورشة الإصلاحات الهيكلية، تتصف بالضرورات الملحّة، بحسب المسؤول المالي، وخصوصاً بعدما استنفدت السلطات التنفيذية والتشريعية كامل ذرائع التباطؤ ومهل السماح المتاحة للتعامل بمسؤولية مع موجبات الخروج من نفق الأزمات الطاحنة التي قوّضت ركائز اقتصاد البلد ومعيشة مواطنيه على مدى 4 سنوات متتالية.

وبالفعل، فقد أبلغ وزير المال يوسف الخليل مسؤولين في صندوق النقد الدولي، بالسير بتحضير مشروع موازنة 2024 ضمن المهل الدستورية، إلى جانب الانتهاء من إقرار مشروع موازنة العام الحالي، وذلك على الرغم من كل العقبات من ناحية الأوضاع المعيشية لموظفي القطاع العام وصعوبة التزامهم بدوام عمل مستمرّ، كما الشح في الإمكانات التكنولوجية والإدارية المتاحة وعدم توفّر البيانات المالية.

كما تجهد الوزارة، وفق تعبير الخليل، في وضع مشروع قانون مستقلّ يرمي إلى استكمال الإصلاحات الضريبية والمالية المطلوبة، والتي تساند وتنسجم مع برنامج الحكومة للإصلاح المالي والاقتصادي. وهو ما يتلاقى مع مندرجات خطة التعافي الموعودة، ولا سيما لجهة اعتماد قانون حديث لإدارة المالية العامة (قانون نظام الموازنة)، يتفق مع المعايير الدولية للممارسات المثلى ليحل محل قانون المحاسبة العمومية القديم لعام 1963.

وسيكون هذا القانون الخاص، بمثابة خريطة طريق شاملة للإدارة المالية العامة. وسيتطلب تنفيذ إطار مالي متوسط المدى يتوافق مع أهداف وغايات المالية العامة، وإدارة المخاطر المالية وإنجاز حساب الخزينة الموحد، والإدراج في الموازنة للأموال التي كانت تصرف من خارج الموازنة وإلغاء آلية السلف النقدية.

وتقر الحكومة، بأنه في أعقاب الأزمة، انهارت الإيرادات المالية، وأدت موارد التمويل المحدودة إلى انكماش حاد في الإنفاق، وإدارة عامة لا تكاد تؤدي أبسط مهامها. وهو ما يستدعي بذل جهود لا يستهان بها على مدى سنوات عديدة لاستعادة استدامة الدين وخلق حيز مالي للإنفاق في المجالات ذات الأولوية التي تشتد الحاجة إليها كالحماية الاجتماعية والصحة والتعليم والبنية التحتية.

ووفقاً للتوجهات الأساسية، فإن استعادة الملاءة المالية هي أولوية ملحّة لتعزيز الثقة في الدولة وتقديم الخدمات الحيوية العامة، وذلك بعد سنوات عديدة من العجز الكبير، وضعف الإيرادات، والهدر والإفراط في الإنفاق، وتضخم الدين العام إلى مستويات غير مستدامة، وقد أصبح جزء منه الآن ضمن المتأخرات على الحكومة بعد عجزها عن السداد.

وفي الأثناء، انتهت الحكومة إلى تعديل لافت في نسبة عجز الموازنة للعام الحالي؛ إذ رفعتها إلى نحو 24 في المائة؛ أي نحو 45 تريليون ليرة، مقابل نحو 19 في المائة أو 34 تريليون ليرة في الاقتراح الأساسي. وهو ما سيرفع طرداً بند النفقات بقيمة تقديرية موازية لتتعدى حكماً عتبة 200 تريليون ليرة، مقابل إيرادات تبلغ تقديرياً نحو 148 تريليون ليرة.

ومن الواضح أن جداول الإيرادات مبنية على السعر الأخير لتداول الدولار على منصة «صيرفة»، والبالغ 85 ألف ليرة، علماً أن القيادة الجديدة للبنك المركزي عمدت إلى وقف عمليات التداول عبر منصة «صيرفة» أول الشهر الحالي، مما يثير الغموض بشأن صحة التقديرات الرقمية وكيفية اعتمادها على سعر مرجعي «غائب»، في حين أن السعر الواقعي يبلغ حالياً نحو 90 ألف ليرة، إنما من دون ثبات مؤكد.

وفي توزيعات التقديرات الرقمية للإيرادات، تشكّل الضرائب على السلع والخدمات الحصّة الكبرى بما يوازي 39.35 في المائة من إجمالي الإيرادات، في حين يُترقب أن تبلغ حصّة ضريبة الدخل 12.22 في المائة، والرسوم على التجارة الدوليّة نسبة 8.46 في المائة، ولحظ بمشروع الموازنة مساهمة كبيرة بنسبة 76.33 في المائة للإيرادات الضريبيّة، مقابل مساهمة الإيرادات غير الضريبيّة بـ23.67 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكوميّة. أما في بنود الإنفاق، فبرز بند التقديمات الاجتماعية باستحواذه على نحو 45 في المائة من النفقات المتوقّعة، علماً أنه يغطي بمعظمه أكلاف مضاعفات مخصصات القطاع العام التي احتفظت بنسبة تقارب 16.7 في المائة.

ويقترح المشروع حزمة من الضرائب المستحدثة ورفع جزء كبير من الضرائب والرسوم الحاليّة بهدف زيادة الإيرادات الحكوميّة، وذلك يشمل رفع شطور ضريبة الدخل، مع العلم أنّ أجزاء مهمة أو مجمل رواتب القطاع الخاص أصبح يُدفع بالدولار المحلّي والدولار الفريش. كما تمّ تطبيق المبدأ نفسه على الإيرادات التي يجنيها أصحاب المهن الحرّة، وذلك بهدف زيادة مدخول الدولة من ضريبة الدخل.


مقالات ذات صلة

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

مشاة في إحدى الطرقات بالحي المالي وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ب)

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

قالت غرفة التجارة الأميركية في الصين إن مجموعة من المسؤولين التنفيذيين من الشركات الأجنبية والصينية التقت رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في بكين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أفق فرانكفورت مع الحي المالي (رويترز)

معنويات الأعمال في ألمانيا تتراجع... مؤشر «إيفو» يشير إلى ركود محتمل

تراجعت المعنويات الاقتصادية في ألمانيا أكثر من المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني)، مما يمثل مزيداً من الأخبار السلبية لبلد من المتوقع أن يكون الأسوأ أداءً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد زوار إحدى الحدائق الوطنية في العاصمة اليابانية طوكيو يتابعون التحول الخريفي للأشجار (أ.ف.ب)

عائد السندات اليابانية العشرية يتراجع عقب اختيار بيسنت للخزانة الأميركية

تراجع عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات الاثنين مقتفياً أثر تراجعات عائد سندات الخزانة الأميركية

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أعضاء المؤتمر الهندي للشباب يحتجون ضد غوتام أداني ويطالبون باعتقاله (رويترز)

المعارضة الهندية تعطّل البرلمان بسبب «أداني»

تم تعليق عمل البرلمان الهندي بعد أن قام نواب المعارضة بتعطيله للمطالبة بمناقشة مزاعم الرشوة ضد مجموعة «أداني»، فيما انخفضت أسعار سندات «أداني»

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

نائبة محافظ «بنك إنجلترا»: خطر ارتفاع التضخم أكبر من انخفاضه

عبّرت نائبة محافظ بنك إنجلترا، كلير لومبارديللي، يوم الاثنين، عن قلقها بشأن احتمال ارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى من التوقعات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الخطيب: توقيع اتفاقيات استراتيجية مصرية - سعودية تمتد 5 أعوام

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

الخطيب: توقيع اتفاقيات استراتيجية مصرية - سعودية تمتد 5 أعوام

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار بالرياض (الشرق الأوسط)

أفصح وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري المهندس حسن الخطيب عن توقيع اتفاقيات استراتيجية بين القاهرة والرياض في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تستمر 5 سنوات، وذلك في سياق حل المشكلات الاقتصادية التي استمرت 4 عقود.

وأكد أن الاتفاقيات المتعددة الأطراف تمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية بلاده لتطوير الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات، وأن القاهرة توفر للمستثمرين فرصة الوصول إلى 70 في المائة من السوق المحلية، مشيراً إلى أن البلاد تهدف إلى تحسين البيئة الاستثمارية، وتعزيز التعاون مع شركاء مصر الدوليين، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.

وأضاف الخطيب في جلسة حوارية بعنوان: «تحدي الجاذبية: الدور المتغير للاقتصادات الناشئة في الاقتصاد العالمي والبيئة الاستثمارية» ضمن المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار، في الرياض، أن الاستقرار في السياسات الاقتصادية المصرية يعد أحد العوامل الأساسية لجذب الاستثمارات، مع التركيز على القطاعات الصحيحة مثل التحول الأخضر والتكنولوجيا.

وأكد أن القطاع الخاص سيكون له دور محوري في دعم الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 6 إلى 7 في المائة خلال الأعوام المقبلة.

وأشار الوزير إلى أن مصر قد استثمرت أكثر من 550 مليار دولار في إطار أوسع للتعاون مع الشركاء الدوليين.

وعن مستقبل مصر في مجالات السياحة والطاقة، أضاف الخطيب أن هناك خططاً طموحة لزيادة قدرة البلاد على توليد الطاقة البديلة بمقدار 50 غيغاواط في الفترة من 2030 إلى 2040، مشيراً إلى أهمية تعزيز قطاع السياحة من خلال مضاعفة عدد الغرف الفندقية وعدد الأسرة في المستشفيات حتى عام 2030.

وأردف الخطيب: «نحن نبني أطر التعاون التاريخية، ونعمل على تحقيق أهداف طويلة المدى تضمن استدامة النمو الاقتصادي في مصر، وتعزيز مكانتها وجهة استثمارية رئيسية في المنطقة».