الكوارث الطبيعية والحروب تُبرز دور قطاع التأمين في الاقتصاد المصري

التغير المناخي يمثل عبئاً مالياً كبيراً على شركات التأمين

رجل إطفاء يطفئ ألسنة اللهب في حريق هائل في مدينة ثيودوري بغرب أثينا - 18 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
رجل إطفاء يطفئ ألسنة اللهب في حريق هائل في مدينة ثيودوري بغرب أثينا - 18 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
TT

الكوارث الطبيعية والحروب تُبرز دور قطاع التأمين في الاقتصاد المصري

رجل إطفاء يطفئ ألسنة اللهب في حريق هائل في مدينة ثيودوري بغرب أثينا - 18 يوليو 2023 (أ.ف.ب)
رجل إطفاء يطفئ ألسنة اللهب في حريق هائل في مدينة ثيودوري بغرب أثينا - 18 يوليو 2023 (أ.ف.ب)

«من سيعولهم؟ من سيرعاهم؟ من سيتولى مسؤوليتهم؟ من سيتكفل بمصاريفهم؟».

لم يتوقف عماد فوزي الشاب الأربعيني عن التفكير في هذه الأسئلة، وهو ذاهب ليعزي في أحد زملاء العمل الذي وافته المنية إثر أزمة قلبية، والذي ترك 3 أطفال أكبرهم سناً لا يتخطى 11 عاماً.

امتزجت الأسئلة، التي لم يجد لها إجابة، بمشاعر خوف ورهبة على مستقبل أولاده، بمجرد رؤيته «محمود» الابن الأكبر لزميله المتوفى حسام، وهو يبكي بحرقة وسط صراخ وأصوات تندب حظ الأولاد الصغار وأمهم.

يقول فوزي، الذي يعمل مسؤولاً في إدارة التنمية البشرية بإحدى شركات مستحضرات التجميل المصرية: «أتذكر جيداً الموقف بكامله وتلك الأسئلة الصعبة، رغم مرور نحو 5 شهور... العياط والبكاء والصراخ والحسرة... شيء محزن».

أوضح فوزي، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ حواراً دار بينه وبين موظفي الشركة حول قيمة التأمينات التي من المفترض أن تصرفها الشركة، غير «أني كنت مضطرباً بعض الشيء وقتها». لكنه رد عليهم على الفور: «مهما صرفت له الشركة... هيكفي إيه ولا إيه...؟ ربنا يرحمك يا حسام ويصبّر أهلك».

وجد وقتها انتهاراً عنيفاً من العاملين في الشركة، حسب قوله، بلغ حد السخط على إدارة الشركة، وازدادت التساؤلات عن «لزوم التأمين».

التأمين وأنواعه

يخلط البعض بين أنواع التأمينات، وهو ما يسبب لبساً عادة بين الموظفين، سواء كانوا في شركة كبيرة أو صغيرة.

يقول ماهر فرج منتج تأميني في شركة المهندس للتأمين، إن هناك فرقاً بين التأمينات الاجتماعية ووثائق التأمين؛ فالأول هو نظام إجباري يتم فرضه من الحكومة كنوع من الحماية للمواطنين العاملين، ويطبَّق عن طريق الشركات، التي تقتطع جزءاً من المرتب الشهري للموظف، ليذهب إلى صندوق التأمينات الاجتماعية. ويُصرف مبلغ للموظف المحال للمعاش وفق قيمة مرتبه ومدة عمله، وأيضًا في حالة الحوادث أو المرض أو الوفاة.

أضاف فرج: «إذن، التأمين يهدف لتكوين احتياطي مالي لمواجهة الخسائر غير المؤكدة، التي يتعرض لها الأفراد والمؤسسات، عن طريق نقل عبء الخطر من شخص واحد إلى عدة أشخاص».

أما في ما يخص وثائق التأمين، فهو «نظام ادخاري مالي ذو أهداف متعددة، يختار العميل ما يناسب أهدافه وخططه المستقبلية... ومن أهداف التأمين المحافظة على ثروات الأفراد والمنشآت، بتعويضها عن الأخطار التي قد تتعرض لها مثل الحريق والسرقة وغيرها».

ويلخص ممدوح عرابي الخبير التأميني، أنواع التأمينات بقوله: «يوجد 3 أنواع من هذه التأمينات: تأمينات الحياة، وتعني التأمين ضد المخاطر الناتجة عن الوفاة أو العجز، حتى الوصول إلى سن المعاش؛ أما النوع الثاني، فهو التأمينات العامة التي تشمل مخاطر الحريق أو الحوادث أو السرقة، فضلاً على أخطار الكوارث الطبيعية التي يغطيها التأمين من الزلازل والأعاصير، بالإضافة إلى تأمين فقد الأرباح، وتأمين التوقف عن العمل».

أضاف عرابي: «أما التأمين الإجباري، وهو النوع الثالث، فهو تأمين إجباري تفرضه الدولة، ويغطي المسؤولية المدنية للمؤمّن له قبل الغير. ويوجد في مصر 3 أنواع منه: التأمين الإجبارى ضد المسؤولية المدنيـة عن حوادث السيارات، والتأمين الإجباري ضد المسؤولية المدنية المترتبة على استعمال المصاعد، والتأمين الإجباري ضد المسؤولية المدنية قبل الغير والناجمة عن أعمال البناء».

وأوضح أن التأمين الإجباري يحمي الموظف، ذلك لأنه مرتبط بالمرتب فقط. أما وثائق التأمين على الحياة أو الممتلكات المتعددة، فتضمن مستقبلاً أفضل للمؤمّن عليه في حال بلوغه سن المعاش، أو لأولاده وأسرته في حالة الوفاة، بما يتناسب ودخل كل أسرة.

أهمية التأمين وتحدياته

بلغ معدل اختراق التأمين في مصر نحو 0.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في مصر البالغ نحو 6.4 تريليون جنيه، خلال العام المالي 2020/2021.

يقول أيمن حجازي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة شركات «أليانز مصر للتأمين»، إن معدل الاختراق في مصر منخفض مقارنة بدول أخرى في المنطقة، مثل الإمارات والمغرب التى تصل فيها مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 و4 في المائة. غير أنه توقع نمو مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1 في المائة خلال السنوات الثلاث المقبلة.

الشمس تغرب خلف أبراج الكهرباء على طريق السويس - القاهرة (أ.ف.ب)

تصل حصة مساهمة قطاع التأمين وصناديق التأمين الخاصة في الناتج المحلي الإجمالي المصري إلى نحو 1.3 في المائة حالياً، رغم ارتفاع قاعدة عملاء قطاع التأمين التي تخطت 50 مليون عميل.

حققت شركات التأمين في مصر، إجمالي أقساط بقيمة 47.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2020 - 2021، مقابل 40.1 مليار جنيه خلال العام المالي الأسبق 2019 - 2020، أي بزيادة 18.5 في المائة.

وبلغ إجمالي التعويضات المسددة من شركات التأمين للعملاء 23.4 مليار جنيه، مقابل 18.8 مليار جنيه خلال العام المالي الأسبق، بزيادة 24.5 في المائة، وهو ما يصل بإجمالي مبالغ التأمين والتغطيات التأمينية نحو 10.1 تريليون جنيه خلال العام المالي الماضي 2020 - 2021، مقابل 8.1 تريليون جنيه خلال العام المالي السابق له، بزيادة 24.8 في المائة.

وارتفع إجمالي أصول شركات التأمين إلى 152.9 مليار جنيه خلال العام المالي الماضي 2020 - 2021، مقابل 128.5 مليار جنيه بنهاية يونيو (حزيران) 2020، بزيادة قدرها 19 في المائة، في حين بلغ إجمالي قيمة استثمارات شركات التأمين 131.5 مليار جنيه خلال العام المالي الماضي، مقابل 107.7 مليار جنيه في نهاية العام المالي السابق له، بنسبة زيادة 22.1 في المائة.

ولفت حجازي هنا إلى العديد من التحديات التي تحول دون نمو قطاع التأمين في مصر، في مقدمتها انخفاض الوعي التأميني بشدة وضعف التكنولوجيا في القطاع.

حصان يشرب الماء وسط موجة حارة شديدة أمام أهرامات الجيزة (رويترز)

وأمام هذه الأرقام، يرى العضو المنتدب لشركة «أليانز» للتأمين على الممتلكات محمد مهران، أن «هناك قصوراً ما في الوصول إلى كافة الفئات المستهدفة لشركات التأمين»، التي وعد بمناقشتها مع الاتحاد المصري للتأمين، لـ«إيجاد طرق وبدائل خارج الصندوق».

ووفقاً للموقع الإلكتروني للاتحاد المصري للتأمين، فإن «غياب الوعي التأميني أكبر تحدٍّ أمام صناعة التأمين في مصر».

يقول تشارلز تواضروس، العضو المنتدب لشركة «أليانز» لتأمينات الحياة، إن حجم التعويضات المسددة عالمياً من شركات تأمينات الحياة ارتفع بمعدل 15 في المائة خلال 2020 مقارنة بتلك المسددة خلال العام السابق عليه، وهو ما يعكس دور وأهمية القطاع بالنسبة للحياة العامة للأفراد والشركات والاقتصاد بشكل عام، في إشارة إلى الدور الذي يلعبه القطاع في حياة الملايين.

التأمين والتغيرات المناخية

تمثل الكوارث الطبيعية عبئاً مالياً كبيراً على شركات التأمين. ففي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، خلصت دراسة أجرتها شركة «ميونيخ راي» لإعادة التأمين الألمانية، إلى أن الخسائر المالية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في ازدياد في أنحاء العالم.

وقالت الشركة إن الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات والكوارث الطبيعية الأخرى تسببت في خسائر بقيمة 270 مليار دولار في أنحاء العالم.

ومن بين إجمالي الخسائر الـ270 مليار دولار التي جرى تسجيلها العام الماضي، نحو 120 ملياراً كانت ضمن التأمين.

أرض متشققة بسبب الجفاف الشديد في ولاية فلوريدا الأميركية - 28 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

ووفقاً لتحليل الشركة، فإن هذا الرقم كان أقل من الخسائر التي جرى تسجيلها خلال عام 2021، حيث بلغ حجم الخسائر 320 مليار دولار.

واليوم، تواجه دول أوروبا موجة حر لم تشهدها من قبل، تتجاوز حرارتها حاجز الـ40 درجة مئوية. ووسط توقعات بأن تشهد اليونان، الصيف الأكثر سخونة على الإطلاق، تعيش إيطاليا كذلك موجة حر شديدة، بينما يُتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في إسبانيا لمستويات قياسية.

لافتة تعرض درجة الحرارة الخارجية بوسط مدينة روما 46 درجة مئوية - 18 يوليو 2023 (أ.ب)

وتزيد الكوارث الطبيعية التكاليف المالية على الحكومات، وهو ما يحدث حالياً في بعض الولايات الأميركية التي ضربتها موجة حر شديدة، وسط توقعات بارتفاعها حتى بداية أغسطس (آب) المقبل.

ويتسبب الاحترار العالمي في زيادة الحرائق وحالات الوفاة الناتجة عنها، فضلاً على الخسائر المادية لحكومات وشركات وأفراد، وهو ما يظهر دور التأمين في تقليل المخاطر المرتبطة الناتجة عن هذه المتغيرات.

مقياس حرارة يظهر اقترابها من 40 درجة في ألمانيا (د.ب.أ)

ومن شأن قطاع التأمين في هذه الحالات أن يقلل من الضغوط المالية والتكاليف على الحكومات، في حال قام بدوره في توسيع ونشر الوثائق التأمينية، والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور المستهدف.

يشير العضو المنتدب لشركة «أليانز» للتأمين على الممتلكات محمد مهران، إلى عاصفة التنين التي شهدتها مصر مؤخراً، وكيف زادت حدة الزلازل الفترة الأخيرة إقليمياً، وهو ما قد يزيد التعرض للمخاطر لفئة أكبر في البلاد.

ويقترح مهران «تأميناً سكنياً إلزامياً بأسعار رمزية، لضمان تعويض مناسب في حالة الكوارث الطبيعية، التي أصبحت غير بعيدة عن الكثير منا».

غير أن تواضروس، يرى أن الاقتصاد العالمي يمر بتحديات جمة، يتمثل أبرزها في ارتفاع وتيرة معدلات التضخم، نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية، التي تقل معها قيمة العملة، وتزيد الضغط على الأجور والقوة الشرائية.

وبالنظر إلى معطيات الاقتصاد العالمي الحالية، فهناك توقعات بأن ترتفع العوائد على الأصول لدى شركات التأمين، بعد رفع أسعار الفائدة عالمياً ومحلياً؛ إذ إن أحد مصادر الربح الهامة لشركات التأمين هو الدخل من عوائد الاستثمار على الأصول المختلفة مثل أموال المساهمين، والاستثمارات المخصصة، والإيداعات البنكية والسندات وأذون الخزانة، لكن العائد على الأسهم سيتضرر بالضرورة.

ويرى الاتحاد المصري للتأمين، في هذا الصدد، أنه مع تطور هذا الوضع، يُتوقع من شركات التأمين أن تواصل العمل على امتصاص الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد والمجتمع.

عزاء واجب

يختم عماد فوزي، بصوت خافت وعدم فخر، أنه «رغم انتهاء العزاء، إلا أن جدلاً عن التأمينات تجدد من جديد خلال زيارتنا لأسرة زميلنا لتقديم تكافل قررنا بمحض إرادتنا تقديمه لأولاده بعيداً عن الشركة».

رجال الإنقاذ يبحثون عن ناجين بعد أن غمرت مياه الفيضانات نفقاً تحت الأرض في كوريا الجنوبية - 16 يوليو 2023 (أ.ب)

يقول ممدوح عرابي الخبير التأميني في هذا الصدد: «هناك وثائق تأمينية كثيرة تغطي تلك الحالات، وتساعد الأسرة على إعالة الأولاد والتعليم من خلال تقديم القيمة المادية التي يحتاجونها».


مقالات ذات صلة

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

الاقتصاد مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

أكدت هيئة السوق المالية السعودية سلامة الأنظمة التشغيلية من الأعطال التقنية التي تأثرت بها معظم الجهات حول العالم، وجاهزيتها لتقديم الخدمات لكل المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مسافرون في مطار «دالاس فورت وورث الدولي» في تكساس (أ.ب)

شركات الطيران تستأنف عملياتها بعد أكبر عطل تقني في التاريخ

يعود الوضع تدريجياً إلى طبيعته، السبت، عقب عطل تقني هو الأكبر في التاريخ، أدى إلى اضطرابات لدى شركات طيران عالمية ومصارف ومؤسسات مالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني (الخطوط التركية)

الخطوط الجوية التركية تلغي 84 رحلة وتعوّض الركاب

ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني في نظام «كراود سترايك» للأمن السيبراني نتيجة أعمال التحديث الفني.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص تراجع التضخم إلى 2.4 في المائة مع انخفاض الزيادات بتكلفة البقالة والزيادات الإجمالية بالأسعار لأكبر اقتصادين ألمانيا وفرنسا (رويترز) play-circle 00:49

خاص كيف أنهكت حربان اقتصاد العالم وغذاءه؟

أضافت الحرب الروسية الأوكرانية مزيداً من الأعباء على الاقتصاد العالمي المنهك منذ وباء كورونا، فيما أثرت حرب غزة سلباً على ميزانيات الدول والتجارة العالمية.

مالك القعقور (لندن)

هل تنجح خطة ترمب لخفض قيمة الدولار؟

ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
TT

هل تنجح خطة ترمب لخفض قيمة الدولار؟

ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)

يرى المستثمرون أن خطة دونالد ترمب لخفض قيمة الدولار إذا فاز في الانتخابات الأميركية «من غير المرجح للغاية» أن تنجح حيث سيجري تقويضها من خلال سياسات مثل التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب.

في الأسابيع الأخيرة، تحدث الرئيس السابق وزميله في الترشح، جيه دي فانس، عن فوائد إضعاف العملة لتعزيز التصنيع في البلاد وخفض العجز التجاري.

لكنَّ الاستراتيجيين يُحذرون من أن خطط خفض قيمة الدولار ستكون مكلِّفة وقصيرة الأجل، في حين أن السياسات الشعبوية مثل الرسوم الجمركية على السلع الخارجية من شأنها أن تعاكس تأثيرها، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

أوراق نقدية بالدولار الأميركي (د.ب.أ)

وقال مدير صندوق في «إدموند دي روتشيلد» مايكل نيزارد: «هناك تناقض كبير في السوق اليوم - كان ترمب صريحاً بشأن خفض قيمة الدولار ولكن سياساته يجب أن تدعم العملة، على الأقل في الأمد القريب».

كان ترمب قد قال في مقابلة مع «بلومبرغ» الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة لديها «مشكلة عملة كبيرة» فرضت «عبئاً هائلاً» على الشركات المصنعة التي تبيع السلع في الخارج.

وتتركز رؤية فانس لأميركا، التي وضعها في خطابه في المؤتمر الوطني الجمهوري الأسبوع الماضي، أيضاً على ضعف الدولار -إعادة بناء التصنيع الأميركي على البر والتراجع عن بعض العولمة في العقود الماضية.

وتأتي دعوات ترمب لإضعاف العملة في الوقت الذي ارتفع فيه الدولار، على الرغم من الانخفاض الأخير، بنسبة 15 في المائة مقابل سلة من العملات منذ تولى الرئيس جو بايدن، منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021، والعجز التجاري الأميركي أكبر بمقدار الثلث مقارنةً بعام 2019 وبلغ 773 مليار دولار العام الماضي. ويرجع ذلك أيضاً إلى قوة الاقتصاد الأميركي ووصول أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها في 23 عاماً.

وقال رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في «يو بي إس» شهاب غالينوس، إنه لا توجد طريق واضحة للرئيس لاتخاذها لخفض قيمة العملة. وقال: «المشكلة الأساسية هي أنه لا يوجد شعور بأن الدولار الأميركي مُبالَغ في قيمته».

إن العقبة الكبيرة التي يواجهها ترمب وفانس في محاولتهما لإضعاف العملة هي أن سياساتهما الأخرى قد تدعم الدولار، وفق «فاينانشيال تايمز». وقال ترمب إنه يريد فرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية ورسوم بنسبة 10 في المائة على الواردات من بقية العالم إذا عاد إلى البيت الأبيض.

مبنى بورصة نيويورك (أ.ب)

ويقول الاستراتيجيون إن هذا يفرض عبئاً أكبر على العملات خارج الولايات المتحدة، حيث التجارة عبر الحدود أكبر نسبياً لحجم الاقتصاد.

وهذا يشير إلى أن التعريفات الجمركية المرتفعة من شأنها أن تُلحق مزيداً من الضرر بالاقتصادات غير الأميركية، وتحدّ من نموها وتُضعف عملاتها. في الأسبوع الماضي، أوضحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، أن التعريفات الجمركية من المرجح أن تدفع البنك المركزي الأوروبي نحو خفض أسعار الفائدة وإضعاف اليورو.

وقد تؤدي التعريفات الجمركية أيضاً إلى زيادة التكاليف المحلية، مما يدفع التضخم إلى الارتفاع ويُبقي أسعار الفائدة مرتفعة. وفي حين يصعب التنبؤ بالتأثير، قدّر رئيس أبحاث العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في «ستاندرد تشارترد» ستيف إنغلاندر، أن اقتراح ترمب للتعريفات الجمركية قد يرفع الأسعار بنسبة 1.8 في المائة على مدى عامين، في غياب تأثيرات الجولة الثانية.

وقال رئيس النقد الأجنبي العالمي في «مورغان ستانلي» جيمس لورد: «ستؤدي التعريفات الجمركية، إذا كان كل شيء آخر متساوياً، إلى زيادة قوة الدولار، خصوصاً إذا أدى الانتقام من الشركاء التجاريين في شكل تعريفات جمركية إلى زيادة مخاطر النمو الإضافية للاقتصاد العالمي».

كما قال ترمب إنه سيمدد التخفيضات الضريبية التي من المقرر أن تنتهي العام المقبل، ولمّح إلى مزيد من التخفيضات الضريبية التي قد تضيف ضغوطاً إلى العجز المالي الهائل في الولايات المتحدة وتبطئ وتيرة دورة خفض أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي.

لكنَّ الاستراتيجيين يُحذّرون أيضاً من أن خيارات ترمب الأخرى لخفض قيمة الدولار محدودة بسبب الاضطرابات التي قد تشعر بها الأسواق العالمية.

لم تتم محاولة خفض قيمة الدولار منذ اتفاق بلازا في عام 1985، الذي حقق بعض النجاح ولكنه كان مدعوماً بانخفاض أسعار الفائدة الأميركية.

يمكن لترمب أن يضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، حتى لو لم يكن تآكل استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسةً رسميةً لحملته... ومع ذلك، من المرجح أن يثير هذا قلق الأسواق.

وحسب رئيس أبحاث النقد الأجنبي في «دويتشه بنك» جورج سارافيلوس، فإن الدولار يجب أن ينخفض ​​بنسبة تصل إلى 40 في المائة لإغلاق العجز التجاري الأميركي.

وقال استراتيجي أسعار الفائدة العالمية في «كولومبيا ثريدنيدل» إدوارد الحسيني: «إن تكلفة الاضطراب هائلة للغاية... السوق هنا ستكون قوة موازنة قوية»، مضيفاً أن أي تدخل لإضعاف الدولار «غير مرجح للغاية».

كان أحد المقترحات لإضعاف العملة هو أن تستخدم الولايات المتحدة صندوق تثبيت سعر الصرف التابع لوزارة الخزانة. ومع ذلك، فإن الصندوق لديه نحو 200 مليار دولار من الأصول لشراء العملات الأجنبية، التي يخشى المحللون أن تنفد قريباً.

وقد يواجه ترمب وفانس مشكلات مع ناخبيهما. وقال غالينوس: «الطريقة الأكثر وضوحاً لحدوث هذا التخفيض في القيمة هي أن تفقد الولايات المتحدة استثنائيتها الاقتصادية. لكنَّ الدولار يظل عملة الاحتياطي العالمي وملاذاً في أوقات الاضطرابات الاقتصادية. ومن بين تعهدات الحزب الجمهوري لعام 2024 الحفاظ على الدولار الأميركي عملةً احتياطية عالمية».