تقرير: الاقتصاد الروسي يتعرض لضربات موجعة بشكل متزايد

انخفاض الصادرات أثَّر على قيمة الروبل الروسي (رويترز)
انخفاض الصادرات أثَّر على قيمة الروبل الروسي (رويترز)
TT

تقرير: الاقتصاد الروسي يتعرض لضربات موجعة بشكل متزايد

انخفاض الصادرات أثَّر على قيمة الروبل الروسي (رويترز)
انخفاض الصادرات أثَّر على قيمة الروبل الروسي (رويترز)

منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا، واجهت موسكو عقوبات غربية واسعة، طالت أيضاً تضييق الخناق مالياً على الدائرة الواسعة من أصحاب المليارات المقربين من الكرملين، من تجميد حسابات مصرفية، ووضع اليد على دارات فخمة ويخوت تعود إلى الأوليغارش الروس.

لكن على الرغم من ذلك، فقد بدا في البداية أن الاقتصاد الروسي يتحدى تأثير العقوبات الغربية. وأنشأ الرئيس فلاديمير بوتين ما أطلق عليه «الميزانية العمومية الحصينة» باحتياطات نقدية ضخمة ساعدت الكرملين على تحمل خسارة الاستثمار الأجنبي.

وفي الوقت نفسه، تسببت أزمة الطاقة العالمية التي تلت ذلك في قفزة بنسبة 144 في المائة في عائدات النفط والغاز الروسية إلى 349 مليار دولار في عام 2022. وتم استبدال بالعلامات التجارية الغربية التي غادرت روسيا أخرى تابعة للبلاد وللدول الحليفة لها. وظلت الحياة في موسكو مستقرة إلى حد كبير.

لكن، هذا كان في البداية فقط، حيث تغيرت الأمور كثيراً في الوقت الحالي، وفقاً لما نقلته صحيفة «التلغراف» البريطانية.

فقد تضاءلت الاحتياطات النقدية مؤخراً بشكل كبير، واختفى الاستثمار الأجنبي وانخفض الروبل الروسي، وتزايد التضخم بوتيرة سريعة، وانخفضت عائدات النفط إلى النصف تقريباً، وذلك وسط خسارة روسيا قوتها العاملة مع فرار الآلاف من التجنيد، وإرسال الآلاف للقتال أو الموت في الخطوط الأمامية للحرب.

الروبل خسر 39 % من قيمته مقابل الدولار حتى الآن هذا العام (رويترز)

وفي هذا السياق، قالت مستشارة المخاطر الجيوسياسية أوكسانا أنتونينكو: «الوضع في روسيا يتغير بسرعة كبيرة وفي الاتجاه السلبي».

وأضافت: «في نهاية هذا العام، من الواضح جداً أن روسيا ستكون في وضع اقتصادي كلي أسوأ بكثير مما كانت عليه في العام الماضي، وسيكون هذا اتجاهًا مستداماً».

وفي حين كان بوتين مستعداً بشكل واضح للتأثير الاقتصادي الأولي للحرب في أوكرانيا، فقد استمر الصراع لفترة أطول بكثير مما كان يتوقع. نتيجة لذلك، يتعرض الاقتصاد الروسي بشكل متزايد للضربات الموجعة التي لم يخطط لها الرئيس الروسي بشكل جيد.

وقال تيموثي آش، الزميل المساعد ضمن برنامج روسيا وأوراسيا في معهد «تشاتام هاوس» بلندن: «لقد بنى بوتين دفاعاته بشكل جيد للغاية. وكان لديه الكثير من الاحتياطيات وكانت نسب ديون روسيا منخفضة للغاية. ولكن كل ذلك تلاشى الآن».

وخلال الصيف الماضي، في الأشهر الأولى من الحرب، كان الكرملين يحقق فائضاً في الميزانية قدره 28 مليار دولار، وفقاً لكلية كييف للاقتصاد. لكن، بحلول الشهر الماضي، كان الحساب الوطني يعاني من عجز قدره 1.4 مليار دولار.

ويقول آش: «إنه حرق بطيء للاقتصاد. مع مرور الوقت، تزداد صعوبة الأمر بالنسبة للروس. وسيتعين عليهم بعد ذلك اتخاذ بعض الخيارات الحرجة، سيتعين عليهم الاختيار ما بين شراء البنادق أم الزبدة».

وبعد ارتفاعه إلى 120 دولاراً في الصيف الماضي، يتم تداول النفط الآن عند حوالي 80 دولاراً للبرميل، وقد وضع الحد الأقصى للسعر الذي أدخله الغرب حداً لمقدار ما يمكن أن يجنيه الكرملين من المبيعات. وفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على النفط الخام الروسي في ديسمبر (كانون الأول) وعلى المنتجات النفطية في فبراير (شباط) 2023.

ومن المتوقع أن تنخفض عائدات روسيا من النفط والغاز بنسبة 43 في المائة هذا العام، وفقاً لكلية كييف للاقتصاد.

وشهدت العقوبات ونزوح الشركات الغربية انخفاضاً في أرباح الصادرات الروسية بمقدار الثلث في الأشهر الستة الأولى من العام وانخفض الميزان التجاري بنسبة 70 في المائة.

وأثر انخفاض الصادرات على قيمة الروبل. وخسر 39 في المائة من قيمته مقابل الدولار و47 في المائة مقابل اليورو حتى الآن هذا العام.

وفي المرحلة الأولى من الحرب، تدخلت الحكومة الروسية لدعم الروبل.

ويقول آش: «كانوا متحمسين لامتلاك عملة قوية للإشارة إلى أن العقوبات لم تكن مجدية. لكن الآن هم بحاجة إلى المساعدة. إنهم يحاولون تعزيز احتياطاتهم من العملات الأجنبية. يشير ذلك إلى أنهم ليس لديهم القدر نفسه من السيولة التي يعتقد الناس أنهم يمكنهم الحصول عليها. من الواضح أنها علامة على أن الأمور ليست على ما يرام».

البنك المركزي الروسي (رويترز)

ويتسبب تراجع الروبل في تزايد وتيرة التضخم. ورفع بنك روسيا يوم الجمعة أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة إلى 8.5 في المائة حيث حذر صناع السياسة من أن التضخم الأساسي «تجاوز 4 في المائة بالقيمة السنوية وأنه لا يزال في ارتفاع».

وقال البنك المركزي إن التضخم كان مدفوعاً جزئياً «بمحدودية موارد العمالة».

ومثلما تخسر روسيا الأموال، فإنها تفقد قوتها العاملة. يحدث هذا على عدة جبهات، مع فرار الكثير من الرجال من التجنيد، وإرسال الآلاف للقتال أو الموت في الخطوط الأمامية للحرب.

وتقول إلينا ريباكوفا، الباحثة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «أقل تقدير رأيته من قبل الخبراء هو أن هناك 500 ألف شخص غادروا البلاد. ولكن تقديرنا الخاص هو مليون».

ولا يرغب بوتين بالطبع في الاعتراف بأي من هذا، بل وينشر بيانات رسمية غير صحيحة عن الاقتصاد الروسي لرسم صورة وردية غير صحيحة له.

على سبيل المثال، بينما قالت أرقام وكالة الإحصاءات الروسية «روستات» إن الاقتصاد تقلص بنسبة 0.4 في المائة، أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أن نسبة التراجع كانت 3.2 في المائة.

وبالمثل، بينما تُظهر البيانات الرسمية أن البطالة في روسيا منخفضة بشكل ملحوظ، يعتقد المجلس الألماني للعلاقات الخارجية أن البطالة المخفية، التي تشمل الأشخاص الذين يعملون بدوام جزئي فقط وأولئك الذين حصلوا على إجازة غير مدفوعة الأجر والأشخاص الذين تقاعدوا مبكراً، بلغ في الواقع مستوى قياسياً بلغ 4.66 مليون في الصيف الماضي.


مقالات ذات صلة

روسيا توقف شحنات الغاز إلى النمسا

الاقتصاد محطة للتزود بالوقود في المجر عليها شعار مجموعة «أو إم في» النمساوية للنفط والغاز (د.ب.أ)

روسيا توقف شحنات الغاز إلى النمسا

أعلنت مجموعة «أو إم في» النمساوية للنفط والغاز أن روسيا ستُوقف تزويد النمسا بالغاز، ابتداء من السبت، بسبب خلاف مع مجموعة «غازبروم» الروسية العملاقة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
العالم أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)

روسيا تفرض قيوداً على صادرات اليورانيوم المخصب لأميركا

قالت روسيا، الجمعة، إنها فرضت قيوداً مؤقتة على صادرات اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة في خطوة رمزية؛ رداً على حظر أميركي لواردات اليورانيوم الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري متنزهون روس في حديقة عامة بموسكو (إ.ب.أ)

تحليل إخباري اقتصاد روسيا في الحرب... نموّ يخفي اتجاهات مقلقة؟

يسجّل مراقبون تطورات اقتصادية مقلقة في روسيا تكاد تفوق في أهميتها المكاسب الميدانية التي تحققها موسكو منذ أشهر في الشرق الأوكراني.

أنطوان الحاج
الاقتصاد مقر المصرف المركزي الروسي في موسكو (رويترز)

روسيا تسجل فائضاً في الموازنة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام

سجلت روسيا فائضاً في الموازنة قدره 169 مليار روبل (1.74 مليار دولار)، أي ما يعادل 0.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)
ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)
TT

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)
ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس (الثلاثاء)، ميزانية عام 2025 بإيرادات متوقعة عند 1.184 تريليون ريال (315.7 مليار دولار)، ونفقات بقيمة 1.285 تريليون ريال (342.6 مليار دولار)، وعجز بـ101 مليار ريال (26.9 مليار دولار).

وتظهر أرقام الميزانية المحافظة على الاستدامة المالية والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات لتعزيز قوة الاقتصاد.

وقال ولي العهد في كلمة عقب إقرار الميزانية، إن المملكة ستواصل العمل على تنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتعزيز متانة مركزها المالي. وأضاف أن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، وهو ينمو بوتيرة متسارعة ويوجِد فرصاً غير مسبوقة.

وأكد الأمير محمد بن سلمان استمرار مساهمة الإنفاق الحكومي في تنويع الاقتصاد من خلال التركيز على تمكين القطاعات الواعدة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات، ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات غير النفطية. كما شدد على الاستمرار في تحقيق كامل برامج «رؤية 2030» والاستراتيجيات الوطنية، وتعزيز دور القطاع الخاص لزيادة مساهمته في المشاريع الاستثمارية، ما يمكّن الحكومة من مواصلة العمل على تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. وشدد على أن «المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي تأتي امتداداً للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل رؤية المملكة 2030»، معتبراً أن الإصلاحات التي قامت بها المملكة «انعكست إيجابياً على تصنيفاتها الائتمانية، نتيجةً لتبني الحكومة سياسات مالية تساهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي».