«هيمنة الدولار» تتراجع وسط «حرب ساخنة» بالاقتصاد العالمي

ترقب لتحركات الصين والبريكس... وانتقادات داخلية في واشنطن

موظفة تفرز الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أميركي في المقر الرئيسي لبنك هانا في سيول، كوريا الجنوبية (إ.ب.أ)
موظفة تفرز الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أميركي في المقر الرئيسي لبنك هانا في سيول، كوريا الجنوبية (إ.ب.أ)
TT

«هيمنة الدولار» تتراجع وسط «حرب ساخنة» بالاقتصاد العالمي

موظفة تفرز الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أميركي في المقر الرئيسي لبنك هانا في سيول، كوريا الجنوبية (إ.ب.أ)
موظفة تفرز الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أميركي في المقر الرئيسي لبنك هانا في سيول، كوريا الجنوبية (إ.ب.أ)

قال أحد أقوى المصرفيين في موسكو لـ«رويترز» إن نهاية هيمنة الدولار الأميركي قريبة مع صعود اليوان الصيني، مضيفاً أن بقية العالم يرى خطر محاولة الغرب الفاشلة لـ«تركيع» روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. وكان الدولار الأميركي هو المسيطر منذ أوائل القرن العشرين عندما تجاوز الجنيه الإسترليني كعملة احتياطية عالمية، على الرغم من أن بنك «جيه بي مورغان» قال، هذا الشهر، إن علامات تراجع الدولار تتكشف في الاقتصاد العالمي. وقال أندري كوستين، الرئيس التنفيذي لبنك «في تي بي»، ثاني أكبر البنوك الروسية، الذي تسيطر عليه الدولة، إن الأزمة الأوكرانية كانت إيذاناً بتغيرات كاسحة في الاقتصاد العالمي، حيث تقوض العولمة، في الوقت الذي تتولى فيه الصين زمام القوة الاقتصادية العالمية الكبرى.

ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن العالم يخوض حرباً باردة جديدة، قال كوستين إنها أصبحت الآن «حربا ساخنة»، وأكثر خطورة من الحرب الباردة. وقال إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيخسران من التحركات لتجميد مئات المليارات من الدولارات من الأصول السيادية الروسية، إذ يتجه كثير من الدول إلى تسوية المدفوعات بعملات أخرى غير الدولار واليورو، بينما تتجه الصين نحو إزالة قيود العملة.

رسم توضيحي يظهر فئات نقدية من اليوان الصيني والدولار الذي كان مسيطراً منذ أوائل القرن العشرين (رويترز)

وقال كوستين (66 عاماً) لـ«رويترز» إن «الحقبة التاريخية الطويلة لهيمنة الدولار الأميركي تقترب من نهايتها». وأضاف: «أعتقد أن الوقت قد حان كي ترفع الصين تدريجياً قيود العملة». وقال: «تدرك الصين أنها لن تصبح القوة الاقتصادية العالمية رقم 1 إذا احتفظت باليوان كعملة غير قابلة للتحويل»، مضيفاً أنه من الخطر على الصين مواصلة الاستثمار باحتياطيات في السندات السيادية الأميركية. وقال كوستين إن بنك «في تي بي» يدرس استخدام اليوان في التسويات مع دول ثالثة.

• انتقادات أميركية داخلية. ولا تقتصر التلميحات إلى تراجع هيمنة الدولار على روسيا والصين، والدول «غير الصديقة»، إذ حذرت مجموعة خبراء اقتصاديين خلال الأسابيع الماضية لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأميركي، من المخاطر التي يتعرض لها الدولار الأميركي، ومكانته كعملة احتياطية عالمية، فضلاً عن الآثار المحتملة على الاقتصاد الأميركي. وقال مساعد وزير الخزانة الأميركي السابق للسياسة الاقتصادية، مايكل فولكندر، في شهادة للمشرعين، إن «استمرار سياساتنا المالية الحالية سيؤدي في النهاية إلى انهيار سوق السندات، بغض النظر عن تصرفات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)... سيتم تداول عدد أقل من المعاملات الدولية بالدولار، وستزيد البنوك المركزية الأجنبية من خفض حيازاتها من الأوراق المالية المقومة بالدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير وفقدان هيمنة الدولار في التجارة الدولية»، مشدداً أنه «يتعين على الولايات المتحدة خفض الإنفاق الفيدرالي، وإلغاء اللوائح التي تحد من النمو الاقتصادي، وتخفيض قيمة الدولار».

• العالم ينتظر خطوة بريكس. وإضافة إلى المشكلات الداخلية، فإن العالم يترقب استعدادات عقد قمة منظمة «بريكس» المقبلة في جنوب أفريقيا في أغسطس (آب) المقبل، حيث من المتوقع أن يكون إنشاء عملة مشتركة أحد الموضوعات الرئيسة على جدول الأعمال. وكان وزراء خارجية دول بريكس قد التقوا في كيب تاون بجنوب أفريقيا نهاية الشهر الماضي لمناقشة الأدوات التي تمتلكها الكتلة للتخلص من هيمنة النظام الاقتصادي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وتضمنت المحادثات مناقشة الاستخدام المحتمل للعملات البديلة لحماية بنك التنمية الجديد التابع للكتلة من العقوبات، وإزالة الدولرة في التجارة على نطاق أوسع، حسبما أشارت وكالة سبوتنيك الروسية. وتم طرح مفهوم عملة بريكس الموحدة، لأول مرة، من قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال رحلته إلى أفريقيا في يناير (كانون الثاني) الماضي، مع أفكار تشمل ربطها بالذهب أو بسلة من السلع أو بعملات دول بريكس. لكن التفاصيل لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوضوح. ويقول كريس ديفونشاير - إليس، رئيس مجلس إدارة شركة «ديزان شيرا آند أسوشيتس»، وهي شركة استثمارية آسيوية تتمتع بخبرة تزيد عن 30 عاماً في الاستثمار في روسيا والصين والأسواق الآسيوية الأخرى: «يبدو أن هناك قبولاً واسعاً للفكرة». وأضاف: «مع ذلك، يجب عند إنشاء العملة الجديدة، تحديد هل يجب أن تكون سلة من عملات بريكس، أم تركيبة أخرى؟ يجب تقييم ذلك جنباً إلى جنب مع اتجاهات التجارة الحالية، وقيم العملات ذات الصلة، وأن يكون لديها نوع من الحماية المضمنة حيث ستحاول الولايات المتحدة بالتأكيد مهاجمة مثل هذه العملة مالياً لخفض قيمتها. كل هذه القضايا تحتاج إلى حل، وسيستغرق هذا وقتاً».

سائح يتبادل فئات نقدية من الدولار الأميركي في مكتب صرافة بإسطنبول، تركيا (إ.ب.أ)

وقال ديفونشاير - إليس إن «الأمر لا يحتاج إلى تفكير حول سبب تحرك دول بريكس لتحدي النظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة في هذه اللحظة، على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها ذلك». وأشار إلى أن السياسات الخارجية والاقتصادية لأميركا وحلفائها دفعت معظم العالم إلى إدراك أن واشنطن ليست «زعيماً عالمياً مسؤولاً»، وأضاف: «بناء على ذلك، فإنهم (دول منظمة بريكس) يشعرون أن إعادة التوازن ضرورية ويحثون على تغيير الهيكل العالمي إلى نموذج أكثر استدامة؛ نموذج يتضمن تطوير وإدخال عملة بديلة يمكن استخدامها عند عدم التداول مع الولايات المتحدة، أو حلفائها المباشرين».

• «بديل» لا «منافس». بدوره، قال الدكتور إقبال سورف، الرئيس السابق لمجلس أعمال بريكس، لوكالة «سبوتنيك»، إنه وزملاءه في المجلس قاموا بعصف ذهني لفكرة العملة المشتركة منذ بعض الوقت، وليس مجرد «منافس» لأي عملات أخرى كأداة «للتجارة السلسة» بين الدول الأعضاء. وأضاف سورف، الذي كان لعمله دور أساسي في إنشاء بنك التنمية الجديد، المعروف باسم «بنك بريكس»: «هناك بالطبع عدد من العقبات تقف في طريق إنشاء مثل هذه العملة، وأعتقد أنه سيتم التغلب عليها في الفترة المقبلة. يجب تسوية اللوجيستيات أو الجوانب الفنية المتعلقة بعملة بريكس». وقال إن ذلك «يتطلب التزاماً جاداً للغاية، ليس فقط من دول بريكس الحالية، ولكن الدول التي تقدمت بطلب للانضمام». وشدد إقبال سورف على أن دول بريكس يجب أن ترى العملة المشتركة، ليس كأداة «رد فعل» للعقوبات، ولكن كعملة لتنمية التجارة داخل الكتلة، مضيفاً: «بمجرد قيام بريكس بذلك، ستجد العملة قاعدتها الطبيعية إلى حد كبير مثل اليورو».


مقالات ذات صلة

«المركزي التركي» يرفع الفائدة إلى 46 % مدفوعاً بأزمة اعتقال إمام أوغلو

الاقتصاد مؤيدون لإمام أوغلو واصلوا الاحتجاجات على اعتقاله في إسطنبول ليل الأربعاء - الخميس (د.ب.أ)

«المركزي التركي» يرفع الفائدة إلى 46 % مدفوعاً بأزمة اعتقال إمام أوغلو

تخلى البنك المركزي التركي عن دورة تيسير نقدي استمرت 3 أشهر وعاد إلى تشديد سياسته، رافعاً سعر الفائدة إلى 46 في المائة بسبب أزمة اعتقال أكرم إمام أوغلو

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج 83 % خلال يناير

أعلن البنك المركزي المصري، أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج، استمرت في تحقيق قفزات متتالية للشهر الحادي عشر على التوالي خلال شهر يناير الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار الأميركي يكافح للحفاظ على مكاسبه

واجه الدولار الأميركي صعوبات في الحفاظ على انتعاشه الطفيف يوم الأربعاء، وسط صعود ملحوظ في كل من الفرنك السويسري واليورو والين الياباني.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (رويترز)

«سكوب» الأوروبية: تصنيف أميركا مهدد إذا تضررت الثقة بالدولار بسبب حرب تجارية

حذّرت وكالة «سكوب» الأوروبية للتصنيف الائتماني من احتمال خفض تصنيف الولايات المتحدة، في حال أدت حرب تجارية طويلة الأمد إلى تقويض الثقة العالمية بالدولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ديفيد سولومون الرئيس التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس» يتحدث خلال مؤتمر «رويترز نيكست» في نيويورك - ديسمبر 2024 (رويترز)

الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»: ضبابية الحرب التجارية ترفع احتمالات الركود في 2025

ازدادت احتمالات الركود الاقتصادي، وفقاً للرئيس التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس» ديفيد سولومون، الذي حذّر من دخول الربع الثاني من عام 2025 في ظل بيئة تشغيلية مختلفة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )

مشروعات جازان تنتظر استثمارات القطاع الخاص بمعايير محددة

منطقة جازان (واس)
منطقة جازان (واس)
TT

مشروعات جازان تنتظر استثمارات القطاع الخاص بمعايير محددة

منطقة جازان (واس)
منطقة جازان (واس)

علمت «الشرق الأوسط» أن المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان، الواقعة جنوب السعودية، يعمل حالياً على إرساء أرضية مشتركة تنطلق منها جميع الأعمال في المشروعات التنموية بإلزام القطاع الخاص بمعايير محددة، بما يعزز الأدوار ويرفع من كفاءة الأداء في تلبية احتياجات المنطقة، وكفاءة الإنفاق، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، ومعالجة أي تحديات قد تؤثر في تحقيق الأهداف التنموية. إضافة إلى تمكينها من التصدي بفاعلية أكبر للقضايا الحرجة، وفق نهج تكاملي يرسخ التنمية الشاملة والمستدامة، ويعزز كفاءة العمل المؤسسي لخدمة المدينة.

والمكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان هو أحد المكاتب الاستراتيجية التي أطلقها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، عام 2021 التي تشمل أيضاً مناطق الباحة، والجوف، بهدف تعظيم الاستفادة من المميزات النسبية والتنافسية لكل منطقة، وتطوير بيئتها الاستثمارية لتكون جاذبة للاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص.

وطبقاً للمعلومات، وجّه المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان القطاع الخاص بضرورة الالتزام باتخاذ ما يلزم لضمان تنفيذ إطار تفعيل ومتابعة التنمية وفق ما أقرته اللجنة الإشرافية، وأيضاً تطبيق حوكمة المشروعات الاستراتيجية والمتميزة.

التطوير الشامل

ويرجع هذا التوجيه إلى قرار مجلس الوزراء القاضي بالموافقة على الترتيبات التنظيمية للمكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان، الذي نصت مادته الثالثة على الآتي: «يهدف المكتب إلى التخطيط والتطوير الشامل في المجالات العمرانية، والسكانية، والاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية، والنقل، والبنية الأساسية، والبنية التحتية الرقمية، وإلى توفير احتياجات المنطقة من الخدمات والمرافق العامة، وانطلاقاً مما تضمنته المادة ذاتها من مهام واختصاصات موكلة إلى المكتب الاستراتيجي».

وحددت المهام الموكلة إليه في رسم السياسات العامة لتطوير المنطقة وتنميتها، وإعداد الخطط والدراسات والمخططات الاستراتيجية الشاملة للمنطقة وبرامجها التنفيذية، والإشراف المباشر على تخطيط البرامج والمشروعات الاستراتيجية وتصميمها وتنفيذها، وما يتصل بها من أعمال التشغيل والصيانة، وأيضاً مراجعة خطط التنمية والبرامج والمشروعات ذات الصلة بعمل المكتب التي تعدها الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة في المنطقة، بما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة في المنطقة.

البنية التحتية

ومن ضمن الاختصاصات كذلك متابعة تخطيط مشروعات البنية الأساسية بالتنسيق مع الأجهزة المعنية، وترتيب أولويات تنفيذ البرامج والمشروعات بما يتفق مع خطط التنمية، ومتابعة تنفيذ البرامج والمشروعات، واتخاذ ما يلزم لضمان تنفيذها، بالتنسيق مع الأجهزة المعنية وتطبيق مؤشرات تحسين وقياس كفاية الأداء الحضري عليها في ضوء أهداف خطط التنمية المعتمدة، إلى جانب تنسيق وتنظيم الجهود بين الأجهزة ذات الصلة بتطوير المنطقة وتنميتها.

وأشار المكتب إلى المادة الرابعة من الترتيبات التنظيمية التي حددت اختصاصات اللجنة الإشرافية ومنها إقرار الخطط والدراسات والمخططات الاستراتيجية الشاملة للمنطقة وبرامجها التنفيذية، والبرامج والمشروعات المتعلقة باختصاصات ومهمات المكتب، وأيضاً خطط التنمية والبرامج والمشروعات ذات الصلة بعمل المكتب التي تعدها الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة.

وأكد المكتب أن التزام القطاع الخاص بتنفيذ هذه القرارات سيسهم في توحيد الجهود بين مختلف الجهات ذات العلاقة وتعزيز التنسيق فيما بينها، وإرساء أرضية مشتركة تنطلق منها جميع أعمالها.