نجح خبراء الاتصالات في كاوست وتارا، من مؤسسة «إكس» باختبار نظام نقل بيانات فائق السرعة، بالاعتماد على تقنية الليزر الضوئي في البحر الأحمر في السعودية. وهي خطوة واعدة نحو ربط شامل لحزم البيانات الرقمية في جميع مناطق المملكة بسرعة عالية وتكلفة منخفضة.
وتعد الألياف البصرية (FO) من الحلول الشائعة لنقل البيانات لسرعتها الفائقة على توصيل البيانات على نحو مستقر في العديد من الأماكن، ولكنها في الوقت ذاته، من التقنيات المكلفة جداً وغير مستدامة لجميع المواقع والظروف. وتأتي تقنية نقل البيانات عن طريق التردد اللاسلكي (RF) كبديل للألياف الضوئية في نقل البيانات، ولكنها غير مستقرة حيث تتأثر جودتها على نحو كبير بالتداخل الموجي، فضلاً عن محدودية سرعتها.
وأجرى فريق من الباحثين بقيادة البروفسور محمد سليم العلويني، المتميز في الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وطالبه لدرجة الدكتوراه فهد القرشي، تجربة لبحث جدوى استخدام تقنية منخفضة التكلفة تعتمد على الليزر تُعرف باسم الاتصالات البصرية في الفضاء الحر (FSO) كبديل للألياف البصرية والتردد اللاسلكي في السعودية. تعتمد التقنية الجديدة على انتشار الضوء في الفضاء الحر (الهواء أو الفضاء الخارجي أو الفراغ) لنقل البيانات لاسلكياً للاتصالات أو لشبكة الإنترنت بسرعات عالية بمقياس الغيغابايت.
ومؤخراً، نجحت «كاوست» في تطبيق هذه التقنية بالتعاون مع شركة «تارا» التابعة لـ«إكس»، وهي مؤسسة أميركية للبحث والتطوير أسستها غوغل، وتعمل الآن كفرع لشركة (Alphabet Inc.) حيث تم إطلاق تقنية الاتصالات البصرية في الفضاء الحر بسرعة 20 غيغابايت في الثانية، بين شاطئ كاوست وجزيرة أم مسك على بعد كيلومترين في البحر الأحمر. وهي المرة الأولى التي يتم فيها نشر هذه التقنية من تارا في المملكة بغرض تحسين الاتصالات البحرية.
وتساهم كاوست بإعداد حزم الأجهزة الأساسية اللازمة للنشر السريع ونقل الإشارات لهذه التقنية في صورة متكاملة للمناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية الفيزيائية للاتصالات، كما توفر الأبحاث اللازمة لتحسين أنظمتها. ومن المتوقع أن يتم توسيع نطاق هذا التقنية لتشمل مواقع بحرية مماثلة في جميع أنحاء المنطقة، مما يوفر إمكانية الوصول إلى إنترنت عالي السرعة بتكلفة معقولة في العديد من المناطق الساحلية والجزر غير المتصلة. يشار إلى أن هذا المشروع تم بموافقة وتأييد هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية.
وقال بهافيش ميستري، المدير الإقليمي لشركة تارا في الشرق الأوسط وأفريقيا: «يسعدنا التعاون مع كاوست التي تعتبر من الجامعات الرائدة في تطوير الأبحاث والتقنيات المبتكرة، وطرحها في الأسواق. تتمثل مهمة تارا في توسيع نطاق الوصول العالمي إلى الإنترنت السريع والموثوق، ونحن فخورون بالعمل مع كاوست لسد فجوة الاتصالات ونشر تقنيتنا في المناطق التي يصعب فيها نشر الألياف البصرية».
وقال البروفسور العلويني: «لأن المياه تغطي 71 في المائة من سطح الأرض، فإن تزايد الأنشطة البشرية في المحيطات والبحار قد سلط الضوء على أهمية تطوير تقنيات اتصال بحرية يعتمد عليها. واستخدام تقنية الاتصالات البصرية في الفضاء الحر يتماشى مع ذلك، لإمكاناتها الكبيرة في نقل البيانات، مما يمهد الطريق لتطوير تطبيقات مبتكرة ومتنوعة تعتمد على الاتصالات البحرية».
ويشكل نشر هذه التقنية إنجازاً مهماً وخطوة أولى نحو فهم كيفية عملها في بيئات السعودية، خصوصاً في مجال الاتصالات البحرية في ظل مجموعة من الظروف البيئية الشديدة وغير المتوقعة. في ضوء ذلك، تقدم تقنية الاتصالات البصرية في الفضاء الحر مقايضة فريدة؛ إذ توفر أشعة الليزر السرعات العالية المطلوبة لنقل البيانات بتكلفة منخفضة، لكنها في الوقت ذاته عرضة لتأثيرات المناخ والغلاف الجوي، عكس الألياف البصرية، التي تحميها الكابلات. ولمواجهة هذا التحدي، قام فريق البحث بتركيب محطات أرصاد جوية في الموقع لمراقبة واختبار التقنية على مدار العام المقبل من أجل تقييم مدى تأثير الظروف البيئية المختلفة مثل تغيرات درجة الحرارة وسرعة الرياح والرطوبة على أداء النظام، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات مثل المدة والمسافة وانقطاع التيار. سيتم استخدام البيانات لتحسين النظام، بهدف نهائي وهو نشر هذه التقنية على نطاق واسع في مناطق أخرى من السعودية.
سيكون الاتصال العالمي بالإنترنت من بين الموضوعات المطروحة للنقاش في ورشة عمل البروفسور محمد سليم العلويني في 29 مايو (أيار) 2023، بعنوان «الرقمنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، وهي جزء من المؤتمر العالمي للتنمية المستدامة الذي ستستضيفه كاوست.