سقف الدين العام... قضية حزبية أم مصلحة وطنية؟

تجاذبات سياسية تزعزع الثقة بالولايات المتحدة

جانب من محادثات سقف الدين بين الجمهوريين وإدارة بايدن في البيت الأبيض (رويترز)
جانب من محادثات سقف الدين بين الجمهوريين وإدارة بايدن في البيت الأبيض (رويترز)
TT

سقف الدين العام... قضية حزبية أم مصلحة وطنية؟

جانب من محادثات سقف الدين بين الجمهوريين وإدارة بايدن في البيت الأبيض (رويترز)
جانب من محادثات سقف الدين بين الجمهوريين وإدارة بايدن في البيت الأبيض (رويترز)

تستمر مفاوضات رفع سقف الدين العام بين البيت الأبيض والجمهوريين في الكونغرس. وعلى الرغم من أن الطرفين أعربا عن تفاؤلهما بسير هذه المفاوضات، إلا أن أطر التوصل إلى اتفاق لا تزال بعيدة عن المنال، خصوصاً في ظل غياب الرئيس الأميركي جو بايدن، عن واشنطن لحضور قمة السبع في اليابان، ورفع مجلس الشيوخ جلساته إلى 30 مايو (أيار)، أي قبل أيام قليلة من احتمال تخلف أميركا عن السداد، بحسب تقديرات وزارة الخزانة.

يستعرض برنامج ”تقرير واشنطن“، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، التجاذبات السياسية بين الحزبين في ملف رفع سقف الدين العام، ويقيّم الحلول، والمخاطر في حال تخلف أميركا عن السداد.

يستبعد مارك كالابريا، وهو كبير المستشارين في معهد «CATO» والمدير السابق للوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وصول أميركا إلى حد التخلف عن السداد، مشيراً إلى أن وزارة الخزانة لديها آلية للاستمرار في تسديد الديون. ويقول كالابريا: «أعتقد أن هناك فرصة ضئيلة جداً للتخلف عن السداد إذ لدينا الآلية لتجنّب الأمر».

وأشار كالابريا إلى عمله السابق في البيت الأبيض، فقال: «أنا متأكد 100 في المائة بأن الخزانة لها القدرة على رفع سقف الدين العام غيابياً حتى لتسديد الدين. الخزانة يمكنها إعطاء الأولوية للتسديد، ومن شبه المؤكد أنها ستعطي الأولوية لسداد الديون تليها الدفعات إلى الصناديق الائتمانية مثل الضمان الاجتماعي؛ هناك عدد من البرامج التقديرية التي يمكن أن تشهد تأخيراً في المدفوعات والالتزامات، ولكن أن يكون هناك تقصير تام في سداد الديون، أعتقد أنه أمر غير محتمل».

اتهامات حزبية وتحذيرات

بايدن لدى إعلانه اختصار جولته الآسيوية بسبب أزمة الدين في 16 مايو (رويترز)

يعارض كايدن شروف، وهو كبير مستشاري معهد التعليم الأميركي والخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي هذه المقاربة، موجهاً انتقادات حادة للجمهوريين الذين «حولوا قضية الدين العام إلى قضية حزبية». واعتبر شروف أن الولايات المتحدة «رفعت من سقف الديون أو عدلته نحو 80 مرة منذ عام 1960، 49 منها كانت في عهد رئيس جمهوري». واتهم الجمهوريين بـ«تعريض اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي بأكمله للخطر» من خلال «مناوراتهم».

لكن مراسل صحيفة «بوليتيكو» في البيت الأبيض اعتبر أنه من الطبيعي أن يسعى الجمهوريون إلى الحصول على تنازلات، خصوصاً وأنهم يسيطرون على الأغلبية في مجلس النواب «ولديهم النفوذ الكافي لانتزاع تنازلات». وأشار دانييل ليبمان إلى أن بايدن سعى إلى تأجيل البدء في المفاوضات كجزء من استراتيجية تفاوضية. وأوضح: «فهو رفض التفاوض قبل أشهر لأنه أراد تقليل التنازلات التي يمنحها للجمهوريين لرفع سقف الديون».

وفي ظل التوتر الداخلي والدولي من احتمالات تخلف أميركا عن السداد، حاول كالابريا طمأنة هذه المخاوف، مؤكداً أنه سيتم التوصل إلى اتفاق. وقال: «في نهاية المطاف، سيتم التوصل إلى اتفاق، وستقوم جميع الأطراف بتقديم تنازلات، وسنواصل بالمضي قدماً. فنظامنا ليس نظاماً برلمانياً، لدينا ضوابط وتوازنات، وهناك سلطات مختلفة داخل نظامنا. مجلس النواب مثلاً يتمتع بدور فريد في عملية تحديد الموازنة. هذا كله أمر طبيعي، حيث يحاول الجميع استخدام النفوذ الذي يملكه».

وكرر كالابريا تأكيده بأن الخزانة الأميركية «تملك كامل القدرة على تجنّب التخلّف عن السداد، حتى في غياب ارتفاع لسقف الدين العام». لكن هذا التطمين لا يلقى آذاناً صاغية من الكثيرين في الولايات المتحدة الذين يذكرون بأزمة عام 2011 حين أدت التجاذبات السياسية على ملف الدين العام بين رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر، والرئيس الديمقراطي باراك أوباما، إلى خسارة الولايات المتحدة نقطة في تصنيفها الائتماني.

وهذا ما تحدث عنه ليبمان قائلاً: «لا يرغب البيت الأبيض بأن تتخلّف الولايات المتحدة عن تسديد ديونها، إذ إن ذلك قد يؤذينا بشكل كبير، ويؤدي إلى خسارة الملايين لوظائفهم، ما سيؤدي إلى أزمة مالية. كما أنه لا يرغب في أن تتراجع الولايات المتحدة في تصنيفها الائتماني، إذ إن ذلك يرفع من تكلفة الاقتراض».

وهذا ما وافق عليه شروف، الذي حذر قائلاً: «بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق أم لا في اللحظة الأخيرة، فكلما اقتربنا من الموعد النهائي، ستزداد الأسواق خوفاً. وهذا بحد ذاته يؤدي إلى أضرار اقتصادية للشعب الأميركي».

سمعة الولايات المتحدة

رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ يخاطبان الصحافيين في 16 مايو (رويترز)

وفي ظل النقاش العلني الحامي بين الديمقراطيين والجمهوريين، يدقّ المسؤولون في الإدارة الأميركية ناقوس الخطر، محذرين من تداعيات الصراع الداخلي على سمعة الولايات المتحدة في الخارج، وعلاقتها مع حلفائها وخصومها. ففيما حذّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من أن الحلفاء «يتساءلون ما إذا سيكون باستطاعتنا تنفيذ البرامج التي يعملون عليها معنا»، اعتبر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، أن ما يجري «يعزّز من قوة الصين ويزيد من المخاطر المحدقة بالولايات المتحدة».

ورداً على هذه التحذيرات، أعرب كالابريا عن خيبة أمله من «انخراط وزراء الحكومة مثل الدفاع والخزانة في المبالغة لأهداف سياسية بحتة»، مشيراً إلى أن وزارة الخزانة سوف تعطي الأولوية إلى وزارة الدفاع. وقال: «لا شك أن أعضاء وزارة الدفاع سينالون أجورهم. أعتقد أننا ننخرط في أساليب تخويف غير ضرورية - فهناك مبالغ هائلة مخصصة للإنفاق حتى بعد الجائحة لم يتم إنفاقها بعد، ما يعني أن هناك قدرة ومرونة عاليتين للاستمرار».

من ناحيته، اعتبر ليبمان أن إلغاء بايدن زيارته إلى أستراليا ترسل الرسالة الخطأ إلى الصين، فقال: «بينما تحاول الولايات المتحدة زيادة تأثيرها العالمي في آسيا، وتحاول الحد من هيمنة الصين في تلك المنطقة، فهذه ليست إشارة أو رسالة جيدة يرسلها الرئيس الأميركي في حين لم يستطع إكمال جولته الكاملة والتأكيد على أهمية هذه الدول، ودعمه لهم».

الحلول... والتعديل 14

زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بعد جولة مفاوضات في الكونغرس (إ.ب.أ)

في خضم التجاذبات السياسية، طرح بعض الديمقراطيين فكرة توظيف بايدن للتعديل الـ14 من الدستور، معتبرين أنه يعطي الرئيس الأميركي صلاحية إعطاء الأوامر لوزارة الخزانة للاستمرار باستدانة الأموال، وتجاهل سقف الدين العام من دون العودة إلى الكونغرس. شروف هو بين الديمقراطيين الذين اعتبروا أن الجمهوريين «يستعملون سقف الدين العام سلاحاً سياسياً. (لذلك، فإن) تقديم بايدن لبعض الحلول غير العادية، والتي يمكن أن نجربها، هو أمر عادل».

لكن بايدن متحفّظ على استعمال إجراءات من هذا النوع لتخطي الكونغرس، فهي تفتح المجال أمام دعاوى قضائية لتحدي «سوء استعمال السلطات التنفيذية». وتحدث ليبمان عن هذه النقطة، مشيراً إلى أن «المحاكم الأميركية محافظة جداً هذه الأيام، لهذا فإنها ستتحدى ما قام به بايدن باعتبار استخدام التعديل الرابع عشر بهذه الطريقة مخالفاً للدستور». وتابع ليبمان أن «بايدن أراد القيام بما قام به جميع الرؤساء في العقدين الأخيرين، وهو التفاوض على اتفاق مع المعارضة لرفع سقف الدين العام».

أما كالابريا، فرفض رفضاً قاطعاً فكرة التعديل 14، مؤكداً أن «سقف الدين العام غير محدد بالقانون. ولا أعتقد أن التعديل الرابع عشر يسمح بزيادة الدين بكل بساطة». وسعى كالابريا مجدداً إلى طمأنة المخاوف والتخفيف من التحذيرات بتخلف أميركا عن السداد بحلول الأول من يونيو (حزيران)، فقال: «أعتقد أن الطريقة التي ينبغي أن ينظر بها المستثمرون والمراقبون إلى هذا الأمر هو عدم اعتبار الأول من يونيو تاريخاً محفوراً في الحجر، تصوري هو أن على المراقب العالمي أن يتوقع أن يكون شهر يونيو مليئاً بالنقاشات المحتدمة، والتي سيكون معظمها دخاناً من دون أي نار. وفي أواخر يونيو، سنرى توقيعاً على اتفاق تنازل فيه الجميع عن أمر ما. ولن يكونوا سعيدين، لكن سنصل إلى حل وسيتم تسديد الدين والمستحقات، كما ستكون هناك تعديلات صغيرة على الإنفاق».


مقالات ذات صلة

مؤشر مديري المشتريات بأميركا يسجل أعلى مستوى في 33 شهراً نهاية 2024

الاقتصاد مبنى الكابيتول يظهر أثناء سير امرأة عبر عاصفة شتوية في العاصمة الأميركية (أ.ف.ب)

مؤشر مديري المشتريات بأميركا يسجل أعلى مستوى في 33 شهراً نهاية 2024

اختتم الاقتصاد الأميركي عام 2024 على نحو قوي، حيث بلغ مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات 56.8 في ديسمبر (كانون الأول)، مرتفعاً من 56.1 في نوفمبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس المنتخب دونالد ترمب يتحدث في فعالية نهاية العام الماضي (أرشيفية - أب)

ترمب: لا صحة حول حصول تغييرات في خطط التعريفات الجمركية

نفى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يوم الاثنين تقريراً صحافياً ذكر أنّ مساعديه يدرسون خططاً لفرض رسوم جمركية لن تشمل سوى الواردات الأساسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ب)

ارتفاع العقود الآجلة للأسواق الأميركية بقيادة قطاع التكنولوجيا

ارتفعت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية يوم الاثنين، مستفيدة من ارتفاع متأخر الأسبوع الماضي، حيث اشترى المستثمرون أسهم التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مع البيت الأبيض في الخلفية... الرئيس دونالد ترمب يتحدث خلال تجمع بواشنطن الاثنين (أ.ب)

في تحول عن خطط حملته... ترمب يناقش فرض تعريفات جمركية على الواردات الحيوية فقط

يستكشف مساعدو الرئيس المنتخب دونالد ترمب خططاً لفرض تعريفات جمركية على جميع البلدان، ولكنها ستغطي فقط الواردات الحيوية، وفقاً لثلاثة أشخاص مطّلعين على الموضوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد قارب صغير أمام منصة النفط والغاز البحرية «إستير» بالمحيط الهادئ في كاليفورنيا (أ.ف.ب)

قبل ولاية ترمب... بايدن يحظر التنقيب عن النفط والغاز في مناطق شاسعة

سيحظر الرئيس الأميركي جو بايدن تطوير النفط والغاز البحري الجديد على طول معظم السواحل الأميركية، وهو قرار قد يجد الرئيس المنتخب دونالد ترمب صعوبة في التراجع عنه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ارتفاع موافقات التركز الاقتصادي في السعودية إلى أعلى مستوياتها

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

ارتفاع موافقات التركز الاقتصادي في السعودية إلى أعلى مستوياتها

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

حققت الهيئة العامة للمنافسة في السعودية رقماً قياسياً في قرارات عدم الممانعة خلال عام 2024 لعدد 202 طلب تركز اقتصادي، ولم ترفض أو توافق موافقة مشروطة على أي صفقة، وهو ما يمثل ارتفاعاً بمعدل 17.4 في المائة مقارنة بعام 2023.

وبحسب تقرير نشرته الهيئة، الثلاثاء، تم إصدار 105 شهادات عدم وجوب إبلاغ (الصفقات التي لا تنطبق عليها معايير الإبلاغ)، بينما لا تزال هناك 10 طلبات تحت الدراسة.

وتعرّف اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة في السعودية التركز الاقتصادي بأنه كل عمل ينشأ منه نقل كلي أو جزئي لملكية أصول، أو حقوق، أسهم، أو حصص، أو التزامات منشأة إلى منشأة أخرى عن طريق الاندماج، أو الاستحواذ، أو التملك، أو الجمع بين إدارتين أو أكثر في إدارة مشتركة، أو أي صورة أخرى تؤدي إلى التحكم في منشأة أو أكثر، بما في ذلك التأثير في قراراتها أو تشكيل جهازها الإداري أو آلية التصويت فيها.

وعلى مستوى مناطق المملكة، احتلت الرياض أعلى نسبة عمليات تركز اقتصادي بنسبة 67.8 في المائة، تليها مكة المكرمة بـ17.8 في المائة، ثم المنطقة الشرقية بمعدل 10 في المائة.

ووفق التقرير، كانت صفقات الاستحواذ هي الأعلى من إجمالي التركزات الاقتصادية بنسبة بلغت 81 في المائة، يليها المشروع المشترك بـ15 في المائة، ثم صفقات الاندماج بواقع 2 في المائة.

وفيما يتعلق بتصنيف التركزات الاقتصادية بحسب العلاقة بين المنشآت، تصدرت العلاقة الأفقية بنسبة 53 في المائة، تليها التكتلية بـ31 في المائة، كما حصلت العلاقة الرأسية على أقل نسبة بمقدار 16 في المائة.

واحتل قطاع الصناعة التحويلية النصيب الأكبر من التوزيع القطاعي للتركزات الاقتصادية بـ67 من أصل 202 طلب وردت للهيئة، يليه قطاع المعلومات والاتصالات بعدد 39 طلباً، ثم تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية بـ22 طلباً.

من جهتها سعت الهيئة إلى تحديد السوق المعنية لطلبات التركز وفق أضيق نطاق لتقييم السوق لغرض معرفة الآثار المترتبة عليها نتيجة الصفقات، كما ورد خلال عام 2024 تركزات اقتصادية تنشط في أسواق جديدة، من أبرزها سوق إطارات الطرق الوعرة، وتصنيع علاج بدائل النيكوتين، والطلاءات الواقية الصناعية.

وبلغت نسبة طلبات التركز الاقتصادي في عام 2024 التي تكون المنشأة المحلية أحد أطراف الصفقة 44 في المائة من مجموع الطلبات في حين بلغت طلبات الاستحواذ من المنشآت الأجنبية التي لها وجود أو تأثير في السوق المحلية 56 في المائة.

وذكرت الهيئة أن نسبة طلبات المشروع المشترك للصفقات التي يكون أحد الأطراف فيها محلياً والآخر أجنبياً زادت بنسبة 25 في المائة، كما ارتفعت طلبات الاستحواذ بـ4.8 في المائة.

وكان قطاع الصناعة التحويلية الأكثر استهدافاً من قبل الشركات الأجنبية بنسبة 28 في المائة، يليه قطاع المعلومات والاتصالات بـ17 في المائة، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية وإمدادات المياه وأنشطة الصرف الصحي وإدارة النفايات ومعالجتها بنسبة 15 و7 في المائة على التوالي.