تداعيات مأزق سقف الدين الوطني الأميركي

حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من العجز عن سداد الفوائد على السندات الحكومية مما يضع ذلك الدين في نقطة تخلف عن السداد تقنياً (أ.ف.ب)
حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من العجز عن سداد الفوائد على السندات الحكومية مما يضع ذلك الدين في نقطة تخلف عن السداد تقنياً (أ.ف.ب)
TT

تداعيات مأزق سقف الدين الوطني الأميركي

حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من العجز عن سداد الفوائد على السندات الحكومية مما يضع ذلك الدين في نقطة تخلف عن السداد تقنياً (أ.ف.ب)
حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من العجز عن سداد الفوائد على السندات الحكومية مما يضع ذلك الدين في نقطة تخلف عن السداد تقنياً (أ.ف.ب)

لطالما كانت تتقيد قدرة الحكومة الأميركية على إصدار دين جديد لتمويل عملياتها بسقف الدين الوطني، الذي أقرّه الكونغرس عام 1917 ليحلّ محل الممارسة السابقة المتمثلة في الموافقة على إصدارات سندات مفردة تتم من جانب الحكومة. وقد تم رفع سقف الدين كثيراً، 78 مرة تحديداً، دون حدوث أي جلبة حتى وقت قريب. ومع تفاقم الاستقطاب السياسي، ومع بداية أزمة الموازنة وسقف الدين عام 1995 خلال فترة إدارة الرئيس بيل كلينتون للبلاد، بات يتم استخدام رفع سقف الدين كأداة سياسية لفرض التغييرات، والحد من الإنفاق الحكومي، الذي وافق عليه الكونغرس سابقاً. عادة ما يتم اعتبار تلك التغييرات أجزاء من السياسة المالية الاعتيادية، والعمليات المتعلقة بالموازنة في واشنطن.

هذه المرة تم الوصول إلى الحد الحالي للدين البالغ 31.4 تريليون دولار في 19 يناير (كانون الثاني) 2023. حتى هذه اللحظة مكّنت إجراءات مالية استثنائية وزارة الخزانة الأميركية من سداد فواتيرها دون تجاوز سقف الدين. مع ذلك حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين مراراً وتكراراً من حقيقة أنه سيتم استنزاف تلك المناورات في بداية يونيو (حزيران)، وربما يكون في الأول من يونيو، وأطلقت على ذلك الموعد اسم التاريخ «إكس»، وهو التاريخ الذي ستعجز بعده الحكومة عن تلبية التزاماتها كافة، وقد يؤدي ذلك إلى عجزها عن سداد الفوائد على السندات الحكومية؛ مما يضع ذلك الدين في نقطة تخلف عن السداد تقنياً.

يتم اعتبار سندات الخزانة الأميركية الأكثر سيولة بين الأصول المالية الآمنة عالية الجودة، حيث تمثل العمود الفقري للنظام المالي الدولي. كذلك هناك طلب كبير عليها في شكل أصول احتياطية، وضمان للمعاملات المالية، وأدوات لتلبية المتطلبات المالية التنظيمية. وبناءً على ذلك، إذا تخلفت الولايات المتحدة الأميركية عن سداد التزاماتها من الديون، حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت، سيمثل ذلك صدمة كبرى تؤدي إلى أزمات على نطاق واسع في الأسواق المالية العالمية، وسيترتب على ذلك آثار اقتصادية حادة وخطيرة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة الأميركية، بل في أنحاء العالم أيضاً، خاصة في الكثير من الأسواق الناشئة والدول النامية. حتى إذا منحت وزارة الخزانة الأميركية الأولوية لسداد خدمات الدين تفادياً للتخلف عن السداد، لن يكون ذلك التصرف متسقاً ومتوافقاً مع التصنيف الائتماني السيادي «AAA» (وهو التصنيف الأعلى). وقد خفّضت وكالة «إس آند بي غلوبال»، وهي من وكالات التصنيف الائتماني الكبرى، التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية بالفعل إلى «AA» خلال أزمة سقف الدين السابقة التي حدثت عام 2011.

ومع توقع المشاركين في السوق لذلك؛ نظراً لإدراكهم الكارثة التي يمكن أن تحدث نتيجة تخلف الولايات المتحدة الأميركية عن سداد ديونها، يتفاوض الرئيس بادين وقادة الكونغرس، تحديداً كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب، بشكل قوي وصارم، لكن من المحتمل أن يصل إلى حل وسط ربما في اللحظة الأخيرة. لقد أصرّ الجمهوريون على خفض الإنفاق بشكل كبير كشرط لرفع سقف الدين، وتريد الإدارة أن يتم رفع سقف الدين فحسب، لكنها ستكون عازمة على مناقشة الإنفاق بشكل منفصل. وأجرى الجانبان لقاءات واجتماعات عديدة للتفاوض على حل وسط يتمثل في زيادة طفيفة في حد الدين للسماح للحكومة بالاستمرار في العمل حتى سبتمبر (أيلول) حين تصل المناقشات الخاصة بموازنة العام المالي المقبل إلى الذروة. من الأمور المهمة وصول التصريحات من الجانبين إلى وضع إيجابي حذر خلال الأيام القليلة الماضية، وأجّل الرئيس بايدن رحلاته إلى أستراليا وبابوا غينيا الجديدة، التي كانت مقررة بعد قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، التي ستنعقد خلال الأسبوع الحالي في اليابان، للمشاركة في الجولة النهائية من الاجتماعات مع قادة الكونغرس.

في الوقت الذي تمت فيه السيطرة على خطر التخلف عن سداد الدين حالياً بشكل ما، زاد التعارض والتباعد بين الجانبين والمفاوضات التي تزداد صعوبة مع مرور الوقت، القلق في الأسواق المالية. على سبيل المثال، تزايدت فروق العائد على مبادلات مخاطر الائتمان السيادي، التي تشبه أقساط التأمين التي يدفعها مستثمرون لحماية ما يملكونه من السندات الحكومية الأميركية، حيث وصلت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وأصبحت أكبر من فروق العائد على مبادلات مخاطر الائتمان السيادي في دول ذات أسواق ناشئة مثل المكسيك والبرازيل. كذلك ارتفعت أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأميركية المستحقة بعد الـ«تاريخ إكس» بفترة قصيرة بشكل ملحوظ؛ مما أدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية.

بوجه عام، لقد عزز تفاقم الشعور بعدم اليقين الشعور بالقلق والاضطراب في الأسواق المالية بعد حدوث موجة مفاجئة من حالات التخلف عن السداد من جانب مصارف إقليمية أميركية في خضم أسعار فائدة مرتفعة، ومأزق الوضع الائتماني الذي بدأ في الظهور على الساحة؛ مما يؤدي إلى حالة ركود محتملة أكثر حدّة من الدرجة المتوقعة.

إضافة إلى الآثار المالية والاقتصادية لذلك الوضع، أدت الأزمات المتكررة، التي تحدث بسبب المناورات السياسية الأميركية المتعلقة بسقف الدين الوطني، أكثر من مرة إلى زيادة خطر تخلف الحكومة عن السداد في أعوام 1995 و2011 و2013 والآن. إذا لم يتم تغيير هذا الوضع، قد تؤدي هذه الممارسة في النهاية إلى خسارة الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني «AAA»؛ وهو ما سوف يزيد تكاليف التمويل في وقت ترزح فيه موازنتها تحت قيود متطلبات متنافسة عديدة، خاصة فيما يتعلق بشبكات الأمان الاجتماعي الضرورية، والاستثمار في البنية التحتية، وخدمة دين ذي حجم قياسي، إلى جانب إنفاق زائد على الدفاع.

كذلك سوف يخسر النظام المالي الدولي دعامة مهمة للفاعلية المالية والاستقرار المالي. بوجه عام، يعدّ استخدام سقف الدين الوطني كأداة سياسية لفرض التغييرات في الإنفاق الفيدرالي والبرامج الفيدرالية تجلياً لطريقة حكم سيئة في الولايات المتحدة الأميركية. تزيد هذه الممارسة الشكوك في استمرار السياسات الأميركية وإمكانية توقعها، إضافة إلى الثقة في التزاماتها، خاصة عزمها وقدرتها على خدمة ديونها. وقد يقوّض ذلك بمرور الوقت فاعلية ومصداقية الحكومة الأميركية، وإضعاف موقفها في العالم بشكل يؤذي مواطنيها.

* زميل بارز غير مقيم في مركز «جيو إيكونوميكس» التابع لـ«مجلس الأطلسي»



ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)

ارتفع مؤشر نشاط الأعمال في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى خلال 31 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، مدعوماً بالتوقعات بانخفاض أسعار الفائدة وتطبيق سياسات أكثر ملاءمة للأعمال من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب في العام المقبل.

وقالت «ستاندرد آند بورز غلوبال»، يوم الجمعة، إن القراءة الأولية لمؤشر مديري المشتريات المركب في الولايات المتحدة، الذي يتتبع قطاعي التصنيع والخدمات، ارتفعت إلى 55.3 هذا الشهر. وكان هذا أعلى مستوى منذ أبريل (نيسان) 2022، مقارنة بـ54.1 نقطة في أكتوبر (تشرين الأول)، وفق «رويترز».

ويشير الرقم الذي يتجاوز 50 إلى التوسع في القطاع الخاص. ويعني هذا الرقم أن النمو الاقتصادي ربما تسارع في الربع الرابع. ومع ذلك، تشير البيانات الاقتصادية «الصعبة» مثل مبيعات التجزئة إلى أن الاقتصاد حافظ على وتيرة نمو قوية هذا الربع، مع استمرار ضعف في قطاع الإسكان وتصنيع ضعيف.

ونما الاقتصاد بمعدل نمو سنوي قدره 2.8 في المائة في الربع من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول). ويقدّر الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا حالياً أن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع سيرتفع بمعدل 2.6 في المائة.

وقال كبير خبراء الاقتصاد في شركة «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس»، كريس ويليامسون: «يشير مؤشر مديري المشتريات الأولي إلى تسارع النمو الاقتصادي في الربع الرابع. وقد أدت التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة والإدارة الأكثر ملاءمة للأعمال إلى تعزيز التفاؤل، مما ساعد على دفع الإنتاج وتدفقات الطلبات إلى الارتفاع في نوفمبر».

وكان قطاع الخدمات مسؤولاً عن معظم الارتفاع في مؤشر مديري المشتريات، على الرغم من توقف التراجع في قطاع التصنيع.

وارتفع مقياس المسح للطلبات الجديدة التي تلقتها الشركات الخاصة إلى 54.9 نقطة من 52.8 نقطة في أكتوبر. كما تباطأت زيادات الأسعار بشكل أكبر، إذ انخفض مقياس متوسط ​​الأسعار التي تدفعها الشركات مقابل مستلزمات الإنتاج إلى 56.7 من 58.2 في الشهر الماضي.

كما أن الشركات لم تدفع لزيادة الأسعار بشكل كبير في ظل ازدياد مقاومة المستهلكين.

وانخفض مقياس الأسعار التي فرضتها الشركات على سلعها وخدماتها إلى 50.8، وهو أدنى مستوى منذ مايو (أيار) 2020، من 52.1 في أكتوبر.

ويعطي هذا الأمل في أن يستأنف التضخم اتجاهه التنازلي بعد تعثر التقدم في الأشهر الأخيرة، وهو ما قد يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة خفض أسعار الفائدة. وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي دورة تخفيف السياسة النقدية في سبتمبر (أيلول) بخفض غير عادي بلغ نصف نقطة مئوية في أسعار الفائدة.

وأجرى بنك الاحتياطي الفيدرالي خفضاً آخر بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، وخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق يتراوح بين 4.50 و4.75 في المائة.

ومع ذلك، أظهرت الشركات تردداً في زيادة قوى العمل رغم أنها الأكثر تفاؤلاً في سنتين ونصف السنة.

وظل مقياس التوظيف في المسح دون تغيير تقريباً عند 49. وواصل التوظيف في قطاع الخدمات التراجع، لكن قطاع التصنيع تعافى.

وارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي السريع إلى 48.8 من 48.5 في الشهر السابق. وجاءت النتائج متوافقة مع توقعات الاقتصاديين. وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات إلى 57 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ مارس (آذار) 2022، مقارنة بـ55 نقطة في أكتوبر، وهذا يفوق بكثير توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى قراءة تبلغ 55.2.