التمويل المبتكر لمعالجة أزمة التعليم في الدول الإسلامية

17 تريليون دولار فاقد اقتصادي لنقص المهارات الأساسية للموارد البشرية

 الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية
الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية
TT

التمويل المبتكر لمعالجة أزمة التعليم في الدول الإسلامية

 الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية
الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية

تسعى الدول الـ57 الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، المنتشرة في أربع قارات، إلى الحفاظ على التراث الإسلامي الغني والاعتماد على التقنيات الحديثة لبناء المستقبل المشرق، ما يسهم في ترسيخ مكانتها في مجالي التعليم والثقافة.

وتعزز هذه الدول الاستثمارات في مجال التعليم انطلاقاً من إدراكها لأهمية القوى العاملة المزودة بمستويات جيدة من المهارات والتعليم في تحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز السلام والازدهار ضمن مجتمعاتها.

فعلى سبيل المثال، تتضمن «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» برنامجاً مخصصاً لتطوير رأس المال البشري، ويركز على بناء المهارات الأساسية والمتقدمة لإعداد جيل الشباب وتحضيرهم بشكل أفضل لوظائف المستقبل.

وقال الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية «تدرك دول الخليج العربي الدور المحوري للتعليم، وتستفيد من قوتها المالية للمشاركة مع الدول منخفضة الدخل والأعضاء في البنك لزيادة الاستثمار في التعليم، ما يساعد تلك الدول على تسريع معدلات التنمية والتعامل بشكل أفضل مع الأزمات العالمية المستقبلية».

وأضاف الدكتور الجاسر «تبرز الحاجة إلى هذه الشراكة في وقت تواجه فيه الدول الأعضاء منخفضة الدخل أزمة تعليمية شديدة تفاقمت بسبب أزمة كوفيد - 19؛ حيث افتقر نحو 50 في المائة من أطفال العالم في سن العاشرة إلى مهارات القراءة الأساسية قبل تلك الأزمة، فيما تشير التقديرات لوصول النسبة إلى 70 في المائة اليوم. ويمكن أن تتسع الفجوة بين المهارات التي يحتاج إليها الأطفال لتحقيق النجاح والمهارات التي يطورونها فعلياً، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على النمو الاقتصادي العالمي وتنمية رأس المال البشري والاستقرار السياسي والاجتماعي».

وأوضح رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك الإسلامي: «من المتوقع أن تخسر الأجيال الحالية 17 تريليون دولار من مكتسباتها المالية التي ستحققها مدى الحياة بسبب توقف العملية التعليمية خلال أزمة كوفيد - 19 والأزمات المتفاقمة، ما يشكل خسارة فادحة في ضوء السعي لتأمين المستقبل الآمن والمستقر والمزدهر».

ولفت «نظراً لارتفاع معدلات الفائدة وأعباء الدين العام، تحتاج الدول منخفضة الدخل إلى خيارات جديدة لتمويل قطاع التعليم، وإلا فإنها ستضطر إلى المخاطرة بتقليص ميزانيات التعليم في وقت ينبغي فيه لجميع الدول أن تعززها بدلاً من ذلك».

وأشار الدكتور الجاسر «يمكن لدول الخليج العربي التعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والشراكة العالمية للتعليم، والاعتماد على إمكاناتها المبتكرة ومواردها المالية لتعزيز الاستثمار في قطاع التعليم لدى الدول منخفضة الدخل، بالإضافة إلى إمكانية دمج تمويل القطاعين العام والخاص للتعليم عند الضرورة».

الدكتورة لورا فريجنتي، الرئيس التنفيذي الأول للشراكة العالمية للتعليم

ويوفر البنك الإسلامي للتنمية دعمه لتطوير نتائج التعلم والمهارات والتدريب التعليمي، ولا سيما للنساء والشباب في المناطق الريفية. ويسعى البنك إلى الجمع بين مختلف المانحين والمؤسسات والشركات والوكالات الدولية، لتركيز خبراتهم وقوتهم المالية على تلبية الاحتياجات التعليمية للدول منخفضة الدخل. واستفاد 107 ملايين طالب من المنح التي قدمها البنك خلال عام 2022، والتي ساهمت في تدريب 675 ألف معلم.

من جهتها، قالت الدكتورة لورا فريجنتي، الرئيس التنفيذي الأول للشراكة العالمية للتعليم «أسهمت المنهجيات المبتكرة، مثل أداة مالتيبلاير التمويلية والخاصة بالشراكة العالمية للتعليم، في الحصول على تمويل إضافي بقيمة مليار دولار من وكالات التنمية والمؤسسات الخيرية في عام 2022، ما عزز تمويل القطاع التعليمي على مستوى العالم. ويمكن للدول والمؤسسات المانحة في منطقة الخليج العربي الانضمام إلى البنك الإسلامي للتنمية والشراكة العالمية للتعليم لتعزيز مستويات التمويل المختلط، ما يسمح للدول منخفضة الدخل بتطوير أنظمة التعليم لديها بشكل كامل».

وأضافت الرئيس التنفيذي الأول للشراكة العالمية للتعليم «قد أبدت السعودية والكويت استعدادهما للمشاركة بفاعلية أكبر بصفتهما دولتين مانحتين جديدتين للشراكة العالمية للتعليم، ما يؤدي إلى إرساء أساس راسخ للتعاون والاستثمار في المستقبل. وستشهد الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية، التي تُعقد في جدة هذا الأسبوع، الاحتفاء بمخصصات التمويل الأولى، التي قدمتها مبادرة تمويل التعليم الذكي بالتعاون مع مجموعة التنسيق العربي».

ويُعد البنك الإسلامي للتنمية عضواً في مجموعة التنسيق العربي، التي تقدم مبلغ 400 مليون دولار من الاستثمارات المالية، إلى جانب 100 مليون دولار من أداة مالتيبلاير التمويلية الخاصة بالشراكة العالمية للتعليم التي تستفيد من المنح لاستقطاب التمويل من مانحين آخرين. وتتوفر مبادرة تمويل التعليم الذكي في 37 دولة من الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، التي تضم مجتمعة نحو 28 مليون طفل خارج المدرسة.

وتشكل الكاميرون وقيرغيزستان وأوزبكستان أولى الدول التي تستفيد من هذه المبادرة، لتحصل على 280 مليون دولار موزعة فيما بينها.

وبالعودة إلى الدكتور الجاسر الذي قال «نأمل في أن نشهد مزيداً من الشراكات المميزة كتلك القائمة بين مجموعة التنسيق العربي والشراكة العالمية للتعليم، بما يضمن حصول أي دولة تسعى لزيادة الاستثمار في قطاع التعليم على المبلغ ونوع التمويل الذي تحتاج إليه، بالإضافة إلى توفير الفرص التعليمية وتطويرها أمام مزيد من الأطفال. وأسهم التعليم في تطوير المجتمعات وإرساء الازدهار وقيم العطاء في دول الخليج العربي، ما جعلها في موقع مميز يتيح لها دعم العملية التعليمية في الأوقات الصعبة».

وتابع: «نأمل في أن يسير الأعضاء الآخرون في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية على نهج دول الخليج العربي في زيادة الاستثمار في قطاع التعليم بشكل أكبر، ما يوفر للأطفال في جميع الدول المهارات اللازمة لتلبية المتطلبات المتغيرة في المستقبل».


مقالات ذات صلة

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

الاقتصاد المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

سيذهب الغانيون إلى صناديق الاقتراع في السابع من ديسمبر لاختيار رئيس جديد وبرلمان، في انتخابات تراقبها الأوساط الاستثمارية من كثب.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
الاقتصاد رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)

ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

قالت منظمة التجارة العالمية إن رئيسة المنظمة نغوزي أوكونجو - إيويالا أُعيد تعيينها لفترة ثانية في اجتماع خاص يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

«إتش إس بي سي» ينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين

قالت مصادر مطلعة لـ«رويترز» إن بنك «إتش إس بي سي» سينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين بعد 8 سنوات من إطلاقها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد موظفان يرفعان علم الصين أمام مقر البورصة في جزيرة هونغ كونغ (رويترز)

الصين تمدد الإعفاءات الجمركية على بعض المنتجات الأميركية حتى 2025

قالت الصين إنها ستمدد إعفاءات التعريفات الجمركية على واردات بعض المنتجات الأميركية حتى 28 فبراير 2025.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا يلقي كلمته أمام البرلمان في طوكيو الجمعة (أ.ف.ب)

اليابان تستكمل ميزانية إضافية بقيمة 92 مليار دولار لحزمة إنفاق جديدة

استكملت الحكومة اليابانية ميزانية تكميلية بقيمة 92 مليار دولار، الجمعة، لحماية الأسر من ارتفاع تكاليف المعيشة

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)
المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)
TT

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)
المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)

سيذهب الغانيون إلى صناديق الاقتراع في السابع من ديسمبر (كانون الأول) لاختيار رئيس جديد وبرلمان، في انتخابات تراقبها الأوساط الاستثمارية من كثب لتحديد كيفية توجيه الفائز للاقتصاد الذي يخرج من مرحلة تعثر في سداد الديون.

المتنافسون الرئيسيون لاستبدال الرئيس نانا أكوفو - أدو، البالغ من العمر 80 عاماً، الذي يتنحى بعد ولايتين على رأس دولة تنتج الذهب والكاكاو، هما الرئيس السابق جون دراماني ماهاما ونائب الرئيس الحالي محامودو باوميا. كما أن هناك 11 مرشحاً آخرين يتنافسون على المنصب، وفق «رويترز».

ما الذي يركز عليه المستثمرون؟

وصلت غانا إلى نهاية عملية إعادة هيكلة الديون الطويلة والمعقدة؛ حيث أعادت الحكومة هيكلة 13 مليار دولار من السندات الدولية بوصف ذلك جزءاً من خطة أوسع لخفض الديون بنحو 4.7 مليار دولار وتوفير نحو 4.4 مليار دولار من تخفيف السيولة خلال برنامج صندوق النقد الدولي الحالي الذي يستمر حتى عام 2026.

ومع بقاء الخطوة الأخيرة المتمثلة في التوصل إلى اتفاق مع الدائنين التجاريين غير الأوروبيين، فإن المستثمرين يقومون بالفعل بتقييم فترة ما بعد الانتخابات لمعرفة ما إذا كان الفائز سوف يستمر في الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لضمان استدامة الديون. وتعهد ماهاما (65 عاماً)، الذي يتصدر العديد من استطلاعات الرأي، بمحاولة إعادة التفاوض على شروط اتفاق صندوق النقد الدولي لتأمين المزيد من التمويل. ووعد أيضاً بتعديل القانون لوضع سقف للدين العام يتراوح بين 60 و70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمنع الاقتراض المفرط.

ومع ذلك، فإن فترة رئاسته السابقة (2012 - 2017) شهدت زيادة ملحوظة في الاقتراض للاستثمار في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق، ما أوقعه في انتقادات بسبب نقص الكهرباء وارتفاع التضخم.

من جانبه، يتبنى بوميا (61 عاماً) شعاراً يتمثل في تحديث الاقتصاد من خلال الرقمنة، وخفض الضرائب، وتعزيز الانضباط المالي بهدف رفع النمو السنوي إلى متوسط ​​6 في المائة. وتعهد أيضاً بتحديد الإنفاق العام بنسبة 105 في المائة من عائدات الضرائب في العام السابق، وتقديم خطة ضريبية ثابتة، ونقل 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من الإنفاق العام إلى القطاع الخاص لتوفير البنية الأساسية العامة.

هل يمكن للفائز إعادة التفاوض على برنامج صندوق النقد الدولي؟

من الشائع أن يلجأ القادة الجدد إلى صندوق النقد الدولي لمراجعة البرامج القائمة، كما حدث مؤخراً في سريلانكا. ويقول صندوق النقد الدولي، الذي يعد مقرض الملاذ الأخير لغانا في إعادة هيكلة ديونها بموجب الإطار المشترك لمجموعة العشرين، إن تركيزه الأساسي هو دعم الحكومة في استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي مع تمكين استدامة الدين والنمو الشامل. وقد وافق الصندوق حتى الآن على الأداء الاقتصادي لغانا في إطار برنامج قروضه الحالي البالغة قيمته 3 مليارات دولار.

ويؤكد الصندوق أنه يمكن تعديل برنامج غانا الحالي؛ حيث يتم تطوير برامج الإصلاح المدعومة من الصندوق بالتعاون مع الحكومات وتتم مراجعتها بشكل دوري. ومع ذلك، يجب أن تؤخذ أي مناقشات في الاعتبار مع ضرورة الحفاظ على قدرة البلاد على تحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة.

ما القضايا الاقتصادية الأخرى التي تؤثر في الانتخابات؟

سيتعين على الفائز في الانتخابات أن يعالج عدداً من القضايا الملحة، بما في ذلك أزمة تكاليف المعيشة، والبطالة المتفشية، وارتفاع الأسعار، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر. ويخطط حزب ماهاما (المؤتمر الوطني الديمقراطي) لزيادة الإنفاق الحكومي في القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، فضلاً عن تعزيز البنية الأساسية لدعم النمو وخلق فرص العمل، إذا فاز في الانتخابات.

أما حزب باوميا (الحزب الوطني الجديد) فيرغب في تحسين استقرار الاقتصاد من خلال خفض التضخم وجذب الاستثمارات الخاصة. وستواجه أي من الحكومات المقبلة خيارات محدودة في ظل العبء الثقيل للديون، وفقاً لتقرير «أكسفورد إيكونوميكس». وأظهرت تحليلات أن وعود ماهاما خلال الحملة الانتخابية بتحسين الظروف الاقتصادية للأفراد والأسر قد تجد نفسها في اختبار حقيقي نتيجة الحاجة إلى موازنة هذه الوعود مع مطالب صندوق النقد الدولي بالتحلي بضبط الإنفاق المالي.

السلع الأساسية على المحك

سيتعين على الحكومة الجديدة التعامل مع عملية الترخيص لمشاريع النفط والغاز الجديدة؛ حيث انخفض الإنتاج، الذي بدأ في عام 2010، في السنوات الخمس التي سبقت عام 2024. ويخطط ماهاما لمنح السكان المحليين المزيد من الملكية في مشاريع النفط والتعدين المستقبلية إذا فاز.

ويحتاج قطاع الكاكاو أيضاً إلى اهتمام عاجل. وانخفض الإنتاج في ثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم إلى أدنى مستوى له منذ 20 عاماً، بسبب تدني أجور المزارعين، وأمراض النبات، وتهريب الحبوب، والتعدين غير القانوني الذي يدمر المزارع. وسوف تكون سوق الكاكاو العالمية مهتمة بشدة بمعرفة ما إذا كان الرئيس الجديد سينفذ مقترحات صندوق النقد الدولي لإجراء إصلاحات شاملة في القطاع، وما إذا كان نموذج التسويق الجديد الذي حل محل قروض الكاكاو المجمعة التي سادت لأكثر من ثلاثة عقود سوف يستمر.