في حين دخلت القطيعة التجارية، المغلفة بخلفية سياسية، بين الجزائر وإسبانيا عامها الأول، احتجت مؤسسات إسبانية بشدة لدى حكومة البلاد بذريعة أنها «لم تفعّل ما يلزم من الضغط عن طريق المفوضية الأوروبية»، قصد إيجاد حل للمشكلة مع الشريك المتوسطي، خاصة بعد أن فشل ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في إقناع المسؤولين الجزائريين بتليين موقفهم من مديد، عندما زارهم في مارس (آذار) الماضي.
ووفق صحيفة «إلكنفدنثيال» الإسبانية (عدد أمس)، أطلق رؤساء مؤسسات تشتغل بالتجارة مع الجزائر تنظيماً، بغرض الضغط على حكومة بيدرو سانشيز، لحمله على حل مشكلة توقف بيع منتجاتهم إلى السوق الجزائرية، منذ أن قررت حكومة الرئيس عبد المجيد تبون وقف العمليات التجارية معه العام الماضي، إثر إعلان مدريد دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية الخاصة بالصحراء. علماً بأن الجزائر ترفض هذه الخطة في إطار نزاعها الشديد مع الرباط حول الصحراء.ونقلت الصحيفة نفسها عن مسؤولي شركات متضررة مالياً من تعطيل التجارة مع الجزائر بأن سانشيز، وأعضاء طاقمه، لم يتحركوا بجدية لدى مفوضية الاتحاد الأوروبي لتسوية الخلاف التجاري. كما نقلت عن «مصدر دبلوماسي إسباني» أن «أي شيء من هذا لم يحدث»، في إشارة إلى أنه كان ينبغي السعي لدى بروكسل منذ بداية الأزمة لحل الأزمة، قبل أن تتفاقم خسائر المؤسسات، التي بلغت 800 مليون دولار، حسب ما ذكرته تقارير «الغرفة الجزائرية - الإسبانية للصناعة والتجارة».
وصرح خوليو ليبريرو، وهو مالك شركة، للصحيفة ذاتها، بأن بعض المؤسسات اضطرت لنقل نشاطها إلى خارج إسبانيا حتى تعود إلى السوق الجزائرية. وضرب مثالاً بشركة تشتغل في مجال السكة الحديد هاجرت إلى هولندا. مؤكداً أنهم «يدفعونني إلى نقل نشاطي في إنتاج عتاد الأشغال العامة إلى الخارج، حتى يمكنني استئناف العمل مع الجزائر. كما يدفعونني أيضاً إلى فصل العمال في إسبانيا».
وكان جوزيب بوريل، الممثل السامي للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد أكد خلال لقاءاته بالمسؤولين الجزائريين في مارس (آذار) الماضي، أن «العقوبات ضد مدريد تشكل ضرباً لتعهدات الجزائر ضمن (اتفاق الشراكة) الذي يربطها مع الاتحاد منذ 2005. لكن لم يجد صدى إيجابياً لديهم، لأنهم يعتزمون مراجعة الاتفاق، بحجة أنه (حقق منافع مادية لأوروبا وليس للجزائر)».
وأعلنت جمعية المؤسسات المتضررة من الخسائر عن عقد لقاء الجمعة المقبل، لبحث القضية من جديد، حسب «إلكنفدنثيال»، التي أبرزت تصريحاً للمتحدثة باسمها، بابارا بريفا، جاء فيه أن خسائر هذه المؤسسات فاقت 100 مليون يورو. وربطت الصحيفة بين هذه الاحتجاجات وقرب موعد الانتخابات العامة، المقررة نهاية العام الحالي.وفي هذا السياق، أكدت مصادر سياسية جزائرية رفيعة لـ«الشرق الأوسط» أن حكومة البلاد «تترقب تغيراً في الخارطة السياسية في ضوء هذه الانتخابات»، يفضي إلى رحيل حكومة سانشيز، التي حملها الرئيس تبون مسؤولية خروج مدريد عن حيادها، والانحياز للمقترح المغربي بخصوص الصحراء. وقد سبق أن أشار في تصريحات لوسائل إعلام أجنبية إلى أن «للجزائر خصومة مع سانشيز وحكومته، وليس مع شعب إسبانيا الصديق». وبناء على هذا المفهوم للأزمة، يقول جزائريون إن عدم وقف إمداد إسبانيا بالغاز الطبيعي دليل على أنه ليس لديهم مشكلة مع البلد.
ومطلع أبريل (نيسان) الماضي، ذكرت صحيفة «إلبريودكو» الإسبانية، أن انخفاض الصادرات بـ45.9 في المائة بالنسبة لحوالي 20 شركة تصدر إنتاجها للسوق الجزائرية، دفعها إلى حث الاتحاد الأوروبي على القيام بوساطة لحل الأزمة، كما طالبت هذه الشركات بتعويض مالي عن خسائرها، حسب الصحيفة.من جهتها، كتبت الصحيفة الإلكترونية «كل شيء عن الجزائر»، أن «احتمال صدور قرار إلزامي من المفوضية الأوروبية، تجاه الجزائر بشأن العدول عن الحصار التجاري ضد إسبانيا، يظل مستبعداً قياساً إلى حاجة أعضاء الاتحاد الأوروبي، وبالخصوص إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، للغاز الجزائري في ظل أزمة الطاقة التي نتجت عن الحرب في أوكرانيا». وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً، ليس وارداً أن تتحمس الدول الثلاث لمسعى أوروبي محتمل لممارسة ضغوط على الجزائر قصد حملها على إنهاء القطيعة مع جارتها المتوسطية.