الليرة السورية تهوي بين انفراجات سياسية واختناقات اقتصادية

العودة إلى الجامعة العربية واجتماعات موسكو لا تكفيان لإنهاء الأزمات المتراكمة

وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران قبيل اجتماعهم في موسكو (أ.ف.ب)
وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران قبيل اجتماعهم في موسكو (أ.ف.ب)
TT

الليرة السورية تهوي بين انفراجات سياسية واختناقات اقتصادية

وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران قبيل اجتماعهم في موسكو (أ.ف.ب)
وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران قبيل اجتماعهم في موسكو (أ.ف.ب)

أدى الانحدار السريع وغير المسبوق في سعر صرف الليرة السورية خلال اليومين الماضيين، إلى تبخر ما تبقى من آمال لدى السوريين باحتمال تحسن الوضع الاقتصادي ولو بشكل طفيف، مع عودة دمشق إلى الجامعة العربية وانعقاد اجتماع موسكو الرباعي الهادف لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.

وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران لدى اجتماعهم لمناقشة الملف السوري في موسكو (إ.ب.أ)

ففي الوقت الذي تلقى الرئيس بشار الأسد دعوة لحضور مؤتمر القمة العربية القادم، وبينما كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في موسكو يصافح نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أمام الكاميرا، كانت الليرة السورية تهوي إلى مستويات غير مسبوقة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد، ليصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، اليوم (الخميس)، في السوق الموازية إلى 9150 للشراء و9250 للمبيع، في حين سجل سعر صرف الليرة مقابل اليورو 9995 للشراء و10109 للبيع، في دمشق، بفارق نحو 300 ليرة عن يوم الأربعاء، وفارق نحو 2350 منذ بداية العام الجاري.

وحدد مصرف سوريا المركزي، (الخميس)، السعر الرسمي لصرف دولار الحوالات والصرافة مقابل الليرة السورية بـ7800 ليرة.

وتَواكب هبوط الليرة خلال اليومين الماضيين مع قرار المصرف المركزي، يوم الأربعاء، رفع سعر الدولار الجمركي، من 4000 ليرة إلى 6500 ليرة للدولار الواحد، بنسبة 62.5 في المائة تقريباً، وسط ارتفاعات قياسية جديدة في أسعار السلع تجاوزت 30 في المائة لا سيما المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر والشاي.

وقالت مصادر اقتصادية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن رفع سعر دولار الجمارك فرض نفسه على الحكومة لتخفيف الهوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، وكانت بنسبة 110 في المائة بعد توقف المصرف المركزي عن تمويل أغلب الواردات... فالقرار يهدف إلى زيادة واردات الخزينة، لكنه لا يلحظ انعكاساته الخطيرة على أسعار السلع مقابل القدرة الشرائية ومستويات الدخل. وهناك الكثير من الورش الصغيرة توقفت عن الإنتاج. كما أغلقت محلات تجارية في مناطق متعددة أبوابها بانتظار استقرار سعر الصرف. لأن منطق السوق في هذه الظروف يَعد البيع خسارة، وعدم البيع والاحتفاظ برأس المال على هيئة بضاعة أفضل من البيع بأسعار يلتهم التضخم نسبة كبيرة من الربح فيها.

ولفتت المصادر إلى أن ما تشهده الأسواق والواقع المعيشي يعمّق الإحباط من أن يؤدي الانفتاح العربي أو مسار التطبيع مع تركيا إلى وقف التدهور.

وقالت مصادر إعلامية سورية إن الاجتماع الرباعي الذي عُقد في موسكو يوم الأربعاء حقق مكسباً دبلوماسياً لموسكو في علاقتها مع تركيا، إذ منح الرئيس رجب طيب إردوغان ورقة قوية في الانتخابات التركية، بمجرد عقد لقاء بين وزيري الخارجية التركي والسوري، بغضّ النظر عن نتائج الاجتماع الرباعي الذي «لم يحرز أي تقدم يذكَر على مسار التطبيع».

وفي حين ركزت وسائل الإعلام الخارجية على صورة مصافحة الوزيرين السوري والتركي في موسكو، تجاهل الإعلام السوري الأمر، مكتفياً بالتركيز على تأكيد أن «الهدف الأساسي لسوريا هو إنهاء الوجود العسكري غير الشرعي على أراضيها بكل أشكاله، بما فيه القوات التركية»، وقول وزير الخارجية السوري فيصل المقداد: «إنه من دون التقدّم في هذا الموضوع لن نصل إلى أي نتائج حقيقية»، وإعرابه عن تقدير «جهود الأصدقاء في روسيا وإيران لتيسير عقد هذا الاجتماع»، حسبما نقلت وكالة «سانا».

وكان لافتاً نشر صحيفة «تشرين» الرسمية، ملفاً موسعاً عن استحقاقات العودة إلى الجامعة العربية، وقالت في افتتاحيتها إن التحولات في العلاقات الاستراتيجية بين الدول «لا تحتمل الإمعان في مظاهر الحفاوة أساساً» لأن التحولات هي «بوابة تُفضي إلى استتباعات مديدة»، وإن «الوقائع الصعبة تفرض بعض الاستحقاقات المستعجلة بطبيعتها، ولا يمكن تجاهلها»، وإن سوريا باقتصادها وبناها التي أربكها الحرب والحصار، يُفترض أن «تكون الاستحقاق المتقدم والملحّ على جدول أعمال القمة العربية الوشيكة».

وتساءلت «تشرين»: «كيف سيتعاطى الأشقاء مع العقوبات الأميركية والمفوضية الأوروبية لا سيما أن اتفاقية منطقة تجارة حرة عربية كبرى تم وضعها موضع التنفيذ في عام 2005، تُفضي إلى سوق عربية مشتركة بكل معنى الكلمة؟»، وأكدت أن سوريا تنتظر «تطورات اقتصادية مواكبة للتحول السياسي».

ولم يبدِ خبير اقتصادي شارك في ملف صحيفة «تشرين»، حول استحقاقات العودة إلى الجامعة العربية، تفاؤلاً بتحقيق نتائج سريعة تنقذ الاقتصاد السوري. وقال: «حتى نستفيد يجب أن نبدأ بأنفسنا». وتابع موضحاً: «هناك تغير كبير طرأ على قوانين العلاقات التجارية خلال فترة الحرب، ونحن (سوريا) لم نواكبها، سواء على المستوى العربي والدولي، وأمام التضخم الحاصل لن نستطيع الدخول باتفاقية التجارة العربية كدولة منافسة، فأي منتج في أي دولة عربية تكلفته أرخص من المنتج المحلي، لأن قوائم التكلفة للمنتجات السورية مرتفعة جداً، ولا أعتقد أن المواطن العربي سيفضل شراء سلعة بسعر أعلى، لذلك علينا العمل داخلياً، فاتفاقية التجارة العربية والعودة لجامعة الدول العربية ليستا انتشالاً للاقتصاد السوري».

وأضاف متسائلاً: «هل يوجد بنى تحتية للسوق العربية المشتركة تمكّن سوريا من النهوض باقتصادها؟ حيث لا يوجد تبادل تجاري ولا حتى أمن غذائي».



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».