موسكو تدين «الاستفزاز المتعمد» من الطيران الإسرائيلي وتتوعد بالرد

بوتين يتحدث عن «صدف مأساوية»

بوتن خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
بوتن خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

موسكو تدين «الاستفزاز المتعمد» من الطيران الإسرائيلي وتتوعد بالرد

بوتن خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)
بوتن خلال مؤتمر صحافي في موسكو أمس (إ.ب.أ)

تلقت العلاقات الروسية - الإسرائيلية ضربة قوية بعدما أسفرت ثغرة قاتلة في تنسيق التحركات العسكرية للجانبين في سوريا عن إسقاط طائرة استطلاع عسكرية روسية ليل أول من أمس، بنيران المضادات الجوية السورية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل طاقم الطائرة المكون من 15 شخصا، وحملت إسرائيل المسؤولية عن الحادثة واتهمتها بالقيام بـ«استفزاز متعمد» أثناء شن هجوم على منشآت سورية في اللاذقية. وتباينت الترجيحات حول ردود الفعل الروسية المحتملة بين فريق تحدث عن «إجراءات قاسية»، وآخر أشار إلى «تدابير لمنع تكرار الحادث»، بينما خفض الرئيس فلاديمير بوتين سقف التوقعات، مشيرا إلى أن «صدفاً مأساوية» أدت إلى الحادث، ودعا إلى إجراء تحقيق شامل.
وفي أول اختبار جدي لقدرة موسكو وتل أبيب على مواجهة صدام مباشر بينهما، بدت لهجة وزارة الدفاع حادة جدا وهي تحمل الجانب الإسرائيلي «المسؤولية كاملة» كما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف، مشيرا إلى أن 4 مقاتلات إسرائيلية من طراز «إف16» تعمدت «التستر بالطائرة الروسية أثناء شن الغارات على المواقع السورية، ما جعلها عرضة لنيران الدفاعات الجوية السورية». مشددا على أن الإسرائيليين «نفذوا هذا الاستفزاز عمدا»، موضحا أنه «لم يكن ممكنا لوسائل مراقبة الطيران الإسرائيلي وطياري (إف16) إلا يكونوا قد رصدوا الطائرة الروسية، لأنها كانت في طريقها للهبوط في قاعدة حميميم وحلقت في المنطقة على ارتفاع 5 كيلومترات».
وزاد أن «إسرائيل لم تحذر قيادة القوات الروسية في سوريا مسبقا، ولم تبلغنا بعمليتها عبر الخط الساخن، إلا قبل أقل من دقيقة من الضربة، الأمر الذي لم يسمح لنا بإبعاد الطائرة الروسية إلى منطقة آمنة».
وشدد الناطق العسكري على أن موسكو «ترى أن الاستفزاز الإسرائيلي تصرف عدائي، وممارسات غير مسؤولة من جانب العسكريين الإسرائيليين أسفرت عن مقتل 15 عسكريا روسيا، بما لا ينسجم مع روح الشراكة الروسية - الإسرائيلية، ونحتفظ بحق الرد بالإجراءات الجوابية المناسبة».
وكانت موسكو أعلنت عن فقدان الاتصال بالطائرة، وهي من طراز «إيليوشين20» قبل منتصف الليل بقليل، أثناء الانشغال بمتابعة سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مواقع في اللاذقية، وأعلنت لاحقا أن الطائرة أصيبت بصاروخ روسي الصنع من طراز «إس200» أطلقته عليها الدفاعات الجوية السورية عن طريق الخطأ. وقال متحدث عسكري روسي إن الطائرات الإسرائيلية قامت بـ«الاقتراب من أهدافها على علو منخفض من جهة البحر المتوسط، معرضة السفن والطائرات الموجودة في تلك المنطقة للخطر بشكل متعمد».
وفور اتضاح تفاصيل الحادث، استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي في موسكو غاري كورين وسلمته مذكرة احتجاج، فيما أجرى وزير الدفاع سيرغي شويغو مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خصصت لتحميل إسرائيل المسؤولية عن الحادثة. وقال الوزير الروسي بعد المكالمة إن «وزارة الدفاع الروسية دعت الجانب الإسرائيلي مرارا إلى الامتناع عن شن هجمات على الأراضي السورية في مناطق يمكن أن تهدد أمن الجنود الروس»، مجددا التأكيد على أن «ممارسات الجيش الإسرائيلي لا تعكس روح الشراكة الروسية – الإسرائيلية، ونحتفظ بحقنا في الرد بخطوات مناسبة». وأفادت وزارة الدفاع بأن شويغو أبلغ نظيره الإسرائيلي أنه «على الرغم من الاتفاق بين إسرائيل وروسيا حول منع وقوع حوادث خطرة، فإنه تم إبلاغ الجانب الروسي قبل دقيقة فقط من توجيه المقاتلات الإسرائيلية (إف16) ضربات على سوريا».
وأشار شويغو إلى أن وزارة الدفاع الروسية دعت مرارا الجانب الإسرائيلي إلى ضبط النفس بشأن الهجمات على الأراضي السورية.
وأعرب الرئيس فلاديمير بوتين عن أسفه لوقوع الحادث، ووصفه بأنه «مصيبة كبيرة لنا جميعا»، لكنه قلص من سقف التوقعات حول الرد الروسي المحتمل، بعدما ارتفعت أصوات في موسكو تطالب بإجراءات قاسية ضد إسرائيل. وقال بوتين إنه «لا يمكن وضع مقارنات بين هذا الحادث، وعملية إسقاط الطائرة الروسية في تركيا عام 2015»، مشيرا إلى أنه «في تلك الظروف تعمدت المقاتلات التركية إسقاط طائرتنا، لكن في هذه الحادثة الطائرات الإسرائيلية لم تتعمد توجيه نيرانها نحو طائراتنا، ولعبت سلسلة من الصدف المأساوية دورا في الكارثة».
ودعا بوتين إلى إجراء تحقيق كامل في الموضوع، مشيرا إلى أن الموقف الروسي تم التعبير عنه بوضوح في بيان وزارة الدفاع الذي «تم تنسيقه معي قبل نشره». ولمح بوتين إلى خطوات جوابية، لافتا إلى أن موسكو «ستقوم بتعزيز أمن مواقعها ورجالها في سوريا، ونحن نقوم بخطوات في هذا الاتجاه يلاحظها الجميع». في إشارة كما يبدو إلى الدفع بتعزيزات دفاعية إضافية في سوريا حول المنشآت العسكرية الروسية.
وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف استبق حديث بوتين بالإعراب عن «قلق بالغ»، مقدماً تعازي الرئيس الروسي لأهالي الضحايا. لكن الناطق الرئاسي شدد في الوقت ذاته على أن التطور «لن يؤثر على الاتفاق الروسي - التركي في منطقة إدلب» مؤكدا التزام موسكو بتنفيذ بنود الاتفاق وفقا للخطة المشتركة.
إلى ذلك، تباينت بقوة التوقعات حول الإجراءات الجوابية التي يمكن أن تقوم بها روسيا ضد إسرائيل، وتحدث بعض المسؤولين العسكريين السابقين عن «تدابير قاسية»، ونقلت وكالة «إنترفاكس» عن الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف المحسوب على «الصقور» في وزارة الدفاع أن روسيا يمكن أن تذهب نحو وقف كل أشكال التعاون العسكري مع إسرائيل، بما في ذلك الاتفاقية المتعلقة بتبادل المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى «إجراءات دبلوماسية قد يكون بينها استدعاء سفيرها من إسرائيل، وخفض مستوى أو تجميد اتفاقية العبور دون تأشيرات بين الدولتين».

وأشار الخبير إلى أن رد روسيا قد يتمثل أيضا في إسقاط أي طائرة إسرائيلية تنتهك المجال الجوي لسوريا. ولفت إلى احتمال أن «تقوم موسكو بتزويد (حزب الله) بأسلحة دفاعية متطورة، إما مباشرة أو عبر تقديمها إلى لبنان مع الإدراك أنها ستصل إلى أيدي مقاتلي (حزب الله)، إضافة إلى احتمال البدء بتحديث منظومات الدفاع الجوي لدى السلطات السورية لأن منظومات (إس200) قديمة ويجب تسليم السوريين منظومات حديثة بما في ذلك منظومات تشمل تقنيات التعرف على العدو والصديق».
لكن في مقابل هذه التوقعات باتخاذ إجراءات «نارية» ضد إسرائيل، قلل كبير الباحثين في «معهد دراسات إسرائيل» في أكاديمية العلوم الروسية ديمتري مارياسيس من احتمال أن يكون الرد الروسي قويا، مذكرا بحديث بوتين عن «عدم جواز المقارنة مع حادثة إسقاط الطائرة على يد العسكريين الأتراك». ورجح الخبير أن يتم التوصل إلى تفاهمات بين موسكو وتل أبيب لفتح تحقيق واسع يفضي إلى وضع آلية واضحة وكاملة للتنسيق خلال تنفيذ العمليات العسكرية في سوريا.
ورجحت أوساط دبلوماسية أن تذهب موسكو نحو الإفادة من حادثة سقوط الطائرة الروسية لممارسة ضغوط على إسرائيل بهدف حملها على عدم توسيع عملياتها العسكرية في سوريا، والاستجابة لطلب روسي سابق بعدم استهداف مواقع تابعة للحكومة السورية. وقال دبلوماسي روسي إن طبيعة رد موسكو «سوف تتوقف إلى حد بعيد على طبيعة التحرك الإسرائيلي، وفي حال أطلقت تل أبيب تحقيقا شفافا وكاملا، فإنه يمكن للطرفين الجلوس إلى طاولة مفاوضات ومعالجة تداعيات الحادثة».
اللافت أن وسائل إعلام روسية نقلت أن «إيليوشين20»، وهي طائرة استطلاع ورصد سوفياتية الصنع وتعد من أفضل طائرات المراقبة لدى روسيا حاليا، كانت تقوم برصد العمليات العسكرية ونقل مجريات الضربات الجوية ضد مواقع أرضية بنظام البث المباشر، مما يعني أنها في الغالب كانت تنقل معطيات وصورا تتعلق بالضربات الإسرائيلية على مواقع في اللاذقية و«وقعت في الفخ أثناء عودتها» وفقا لتعليق شبكة «نيوز رو» واسعة الانتشار. لكن وزير الدفاع الروسي قال في وقت لاحق إن الطائرة كانت تقوم بمهمة استطلاع فوق إدلب وأصيبت أثناء عودتها.
وفتح الحادث شهية وسائل إعلام روسية معارضة لعقد مقارنات بين حادثتي إسقاط «إيليوشين20» وكارثة الطائرة الماليزية فوق شرق أوكرانيا في عام 2014 لجهة أنه في الحادثتين تم استخدام صواريخ روسية الصنع، من جانب حلفاء لروسيا وجهوا ضربات قاتلة بطريق الخطأ.
واللافت أن بعض التعليقات الروسية أشارت إلى أن الدفاعات الجوية السورية تتحمل جزءا من المسؤولية، رغم أن هذا الأمر لم يبرز في التعليقات الرسمية لوزارة الدفاع؛ إذ لفت خبراء عسكريون إلى أن الدفاعات الجوية السورية «أطلقت بشكل عشوائي، ولم يفكر الأشخاص الذين يتحكمون بها في بذل جهد لتحري الأهداف التي تظهر أمامهم على شاشات الرادار قبل إطلاق النار».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».