غريفيث لـ {الشرق الأوسط}: أعلم بشكوك حول التزام الحوثيين

أكد مشروعية حماية السعودية حدودها ومدنها... وشدد على وجوب تفكيك «المجموعات المسلحة» ... وجنيف مشاورات «غير رسمية»

مارتن غريفيث (الأمم المتحدة)
مارتن غريفيث (الأمم المتحدة)
TT

غريفيث لـ {الشرق الأوسط}: أعلم بشكوك حول التزام الحوثيين

مارتن غريفيث (الأمم المتحدة)
مارتن غريفيث (الأمم المتحدة)

يدرك المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أن هناك شكوكاً واسعة حول التزامات الحوثيين السياسية. ويكاد يتفق أي مناهض يمني للحوثيين على تلك الشكوك، بل هناك طيف واسع يؤمن إيماناً مدقعاً بأن الجماعة لا تعرف ما هو تعريف السلام، مستدلين على الحروب التي كانت تخوضها منذ ما يربو على 15 عاماً.
لكن غريفيث في المقابل يقول إنه تلقى التزامات من الحوثيين، وترك للمشاورات المزمع عقدها في جنيف في 6 سبتمبر (أيلول) المقبل كشف ماذا يعنيه الالتزام الحوثي.
وكشف المبعوث الأممي الثالث خلال 7 سنوات لليمن لـ«الشرق الأوسط» عن مسعاه للحصول على اتفاق موقع يقضي بموجبه تشكيل حكومة وحدة وطنية وترتيبات أمنية، وذلك لدى شرحه تفاصيل هدفه الرئيسي من المشاورات، وتوغل في وصف الفرق بينها وبين المحادثات.
ولم يخفِ أثناء الحديث الذي تم عبر البريد الإلكتروني ثم بلقاء في لندن أعقبته أسئلة تكميلية، أنه ينبغي إشراك حزب المؤتمر الشعبي العام، والجنوبيين، في العملية السياسية.
المبعوث الذي بدأت منذ توليه المهمة في مارس (آذار) الماضي يأمل في الوصول إلى تسوية سريعة للنزاع على أساس كل المفاوضات السابقة، ويقول إن التسوية لن تبني السلام ولكن ستوقف الحرب.

خيبة أمل
يشعر مارتن غريفيث بخيبة أمل مما قال إن أحد أسبابها «استخدام بعض الأشخاص لوسائل الإعلام، لإطلاق تصريحات استقطابية (polarizing)». ويشدد بالقول: «مهمتي هي إيجاد مَواطِن للاتفاق بين الأطراف، وهذا ما يفعله الوسيط. أنا لست مفاوضاً. الحل يأتي من اليمنيين وليس مني وليس من أي شخص آخر. الأمم المتحدة هنا، كما أنا، لخدمة الأطراف للتوصل إلى اتفاق. وكما قلت في المجلس علينا أن نعيش مع أشخاص لا نحبهم. هذا يعني أننا بحاجة إلى التوقف عن إدانتهم. إن بناء السلام في اليمن، يتطلّب احترام بعضنا لبعض واحترام وجهات النظر المختلفة بدلاً من إدانة ومعارضة بعضنا لبعض»، متابعاً: «من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على استخدام وسائل الإعلام طريقة لبناء التحالفات بدلاً من إدانة الأعداء، هذا أمر سيئ للغاية. لقد قلت في كثير من المناسبات إن الأمل هو عملية الوسيط، وكذلك حسن النية. أحاول ألا أتكلّم بالسوء عن أي من الأطراف لسبب وجيه: نحتاجهم كلهم ليكونوا جزءاًَ من الحل. يطلب مني البعض أن أدين هذا الطرف أو ذاك، ولكني أرفض دائماً. من أهم مهاراتي أنني أجيد الإصغاء، وبالإصغاء يمكنني إيجاد مَواطِن للاتفاق بدلاً من مجالات للاختلاف».

عملية السلام
وافق مجلس الأمن بعد نقاش في 18 يونيو (حزيران) الماضي على إطار عمل لعملية السلام. يقول غريفيث: «سنبدأ المشاورات بجنيف في 6 سبتمبر. إننا ننطلق من كثير من الدروس الجيدة والسيئة المستقاة من التجارب السابقة في بييل وجنيف والكويت. بالإضافة إلى ذلك، استقيت كثيراً من خلال لقائي وإصغائي إلى عدد من اليمنيين والدبلوماسيين وقادة الرأي في الأشهر الأخيرة. وبشكل أساسي، نحن نحاول أن نتوصّل إلى أن تتفق حكومة اليمن وأنصار الله على القضايا الضرورية لوقف الحرب والاتفاق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع. سيتطلب ذلك اتفاقاً موقعاً من قبل الجميع يتضمن أولاً خلق عملية انتقالية سياسية مع حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف وفقاً للقرار 2216، وثانياً سيتطلّب وضع ترتيبات أمنية لانسحاب جميع المجموعات المسلحة من اليمن ونزع سلاحها، بطريقة تضمن امتثالها للوعود التي قطعتها. إن تسلسل الترتيبات الأمنية له أهمية كبيرة للنجاح، وكان هناك كثير من النقاش في الكويت حول كيفية القيام بذلك».

المرأة والجنوب والمؤتمر
يستعرض غريفيث أحد البنود المهمة في قرار مجلس الأمن رقم 2216، وهو «إجراء حوار سياسي شامل». ثم يقول: «لذلك، كجزء من مشاوراتنا، سنقوم بإشراك المرأة اليمنية، لأننا نعرف مدى أهمية مشاركتها في إيجاد حلول وسطية وإعطاء الأولوية للسلام. نحن نعلم أنّ الواقع قد تغيّر في الجنوب. يحتاج أبناء الجنوب أن يكونوا جزءاً من هذه العملية بطريقة أو بأخرى نعمل على تحديدها معهم، لأنه يجب أن يكونوا جزءاً من مستقبل اليمن ولا يمكن تجاهلهم. وﺛﺎﻟﺜﺎً، هناك الأﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وأبرزها اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺎم، اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن أيضاً ﺟﺰءاً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ. معظم هؤلاء ممثلون في حكومة اليمن أو أنصار الله ولكن ليس كلهم، لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لإشراكهم».
ويأمل المبعوث الأممي أن يصل «إلى تسوية سريعة لهذا النزاع على أساس كل المفاوضات السابقة. وقف الحرب يعني شيئين: أولاً وقبل كل شيء ولأول مرة، سيكون بإمكان العائلات اليمنية وأولادها الاستغناء عن المساعدات الإنسانية، والثانية أنها ستضمن أن العملية الانتقالية المقبلة ستبني السلام، لأن التسوية لن تبني السلام ولكن ستوقف الحرب. إنّ بناء السلام سيستغرق بعض الوقت، وسيشمل أحزاباً أخرى غير الأطراف المعنية بوقف الحرب».

ما الفرق بين المشاورات والمحادثات؟
يقول: «في هذه المرحلة، نتحدث عن مشاورات تؤدي إلى مفاوضات. المشاورات هي عملية غير رسمية، ويمكنني أن أتشاور مع أي شخص أريد وعلى أوسع نطاق ممكن في سياق اليمن، كما أنا فاعل في الواقع منذ 11 مارس. المشاورات لا تكون بالضرورة وجهاً لوجه بين الفرقاء ولكن مع إمكانية ذلك طبعاً. المحادثات هي عملية رسمية بين الفرقاء وجهاً لوجه تهدف إلى التوصل إلى تسوية. عندما ننهي المشاورات، سنكون مستعدين للانتقال إلى المحادثات. إننا نبدأ في جنيف لأنه مكان محايد، لديه متطلبات التنظيم الجيد لعمليات الوساطة والتفاوض».

شكوك التزامات الحوثيين
يجزم غريفيث أن قيادة الحوثيين - بما في ذلك عبد الملك الحوثي - أكدوا له الرغبة في العودة إلى طاولة المفاوضات. ويكمل بالقول: «بل إنهم ينتقدونني فيقولون إنني بطيء في دعوة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، ويسرني جداً أن أسمع أنهم ملتزمون بالتفاوض على حل. وقد أشاروا أيضاً إلى أنهم يعرفون ما هو مطلوب للتسوية». ويستدرك قائلاً: «أعلم أن هناك كثيراً من الشكوك، ولكننا سنكتشف من خلال هذه المشاورات ما يعنيه هذا الالتزام بالفعل».
أما بالنسبة للحكومة اليمنية، فيؤكد المبعوث أنها «الحكومة الشرعية في اليمن وهذا متفق عليه في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنا لست محرجاً من ذلك. لقد كان الرئيس هادي محاوراً جيداً. لقد أجريت أيضاً مناقشات مفيدة مع رئيس الوزراء ووزير خارجيته، وقد أكدوا لي فهمهم التام لما هو مطلوب في هذه العملية».
ثم يعلق: «إنّ التسوية تحتاج إلى العودة إلى حالة الحق الحصري في استخدام القوة، وهذا يعني أن الحكومة اليمنية الجديدة التي ستنبثق عن هذه العملية سيكون لها الحق الحصري في استخدام القوة العسكرية. يجب تفكيك جميع المجموعات المسلحة. هذا يستغرق وقتاً ولكن ليس سراً أن هذا هو المطلوب. أعتقد أنّ كلا الطرفين على يقين بذلك».

السعودية والخليج والبحر الأحمر
«أودّ أن أشير إلى أن المملكة العربية السعودية لديها مصلحة مشروعة في أن تكون حدودها الجنوبية مستقرة، وألا تتعرّض أراضيها للهجمات. ونحن جميعاً نعلم أنّ الأمم المتحدة تقوم على أساس هذه المبادئ. ما نودّ أن نراه هو أن تلبي هذه العملية هذه التطلعات، ولكن بطريقة تعطي الأولوية للمفاوضات والتطلعات اليمنية - اليمنية». يقول المبعوث: «يجب ألا يلعب أي بلد آخر دوراً في تحديد مستقبل اليمن. وهذا أمر يقرره اليمنيون ولا بد من القول إن جميع الذين قابلتهم بمن فيهم في المملكة العربية السعودية، أكدوا ثباتهم على هذا المبدأ. علاوة على ذلك، ليست المملكة العربية السعودية هي الوحيدة التي لديها مصلحة في يمن مستقر أمنياً. إن أوروبا لديها اهتمام كبير بالعبور الآمن للتجارة عبر البحر الأحمر وهذا أمر بالغ الأهمية. الاستقرار في اليمن ليس مسألة مهمة لليمنيين فقط ولذلك، يعتبر حل النزاع اليمني أمراً استراتيجياً للغاية».
وإن زاد تدهور الوضع في اليمن، يحذر غريفيث بالقول: «سوف نشهد خطراً متزايداً من الإرهاب والتطرف في اليمن مع وجود القاعدة و(داعش)، وسيكون هناك خطر متزايد على التجارة. في الواقع، ما هو مثير للاهتمام في الوقت الحالي، هو فرصة ضخمة لجعل البحر الأحمر ممراً مائياً أكثر أهمية من حيث التجارة والقضايا البيئية بسبب التقارب بين إثيوبيا وإريتريا. يجب أن يلعب اليمن دوراً رئيسياً في ذلك».
ويكمل: «علاوة على ذلك، لن يكون هناك استقرار في اليمن مهما كانت نتائج المفاوضات، من دون علاقة اقتصادية مع الخليج. وسيعتمد اقتصاد اليمن ودخله واستقراره وحسن العيش فيه على إعادة الإعمار، وأيضاً على التجارة مع جيرانه. وهكذا يتحقق السلام الحقيقي من خلال التأكد من أن الجيران يحتاج بعضهم إلى بعض لا أنهم يخشون أو يقاتلون بعضهم بعضاً».

لا ضمانات من دون إرادة
يتساءل المراقب للشأن اليمني دوماً حول المستقبل، ماذا لو تم الاتفاق على كل شيء. ماذا يضمن للجميع عدم التفاف ميليشيات الحوثيين والغدر بالشركاء، مثلما فعلوا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وغدروا بعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق الذي انتفض ضدهم بعدما شاركهم. يقول المبعوث حول ذلك: «يجب أن يعرف الناس أن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأي اتفاق هي إرادة الأطراف، ولا بد من التأكيد أنّ المجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية. يمكن لمجلس الأمن تقديم ضمانات، بل يمكن أن يضع عقوبات، ولكن إذا لم ترغب الأطراف في أن تنجح العملية، فلن تنجح. قد يقول كثير من الناس إن عليك فرض الحلول، لكن ما نحاول فعله هو التوصل إلى اتفاق. الاتفاق يعني اتفاقاً طوعياً، غير مفروض فرضاً».

القضية الجنوبية
يؤكد المبعوث الأممي أنه «من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك». علاوة على ذلك، يضيف: «بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.