فوبيا تصعيد الخلاف الأميركي ـ الكوري توتر الاقتصاد العالمي

سيول أول المتضررين... وواحد في المائة من الناتج العالمي مهدد

TT

فوبيا تصعيد الخلاف الأميركي ـ الكوري توتر الاقتصاد العالمي

مع تصاعد احتمالات «الاشتباك الفعلي» بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ترتفع تهديدات الازدهار الاقتصادي في العالم، حيث تتحسب الأسواق والمستثمرون والاقتصادات كافة من أن أي صدام حقيقي بين البلدين - سواء النووي أو التقليدي - سيؤدي إلى خسارة كارثية في الأرواح ومعاناة إنسانية هائلة، من شأنها أن تقوض أركان الاقتصاد العالمي.
وشهدت البلدان المشاركة في الصراع «الشفهي» حتى الآن انخفاضا كبيرا في الناتج الاقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، غير أن تجارب الصراعات العسكرية السابقة تظهر مدى تأثير الحروب على الاقتصاد.
وستتحمل شبه الجزيرة الكورية (الجارتان الشمالية والجنوبية) وطأة أي صدمة اقتصادية بشكل مباشر، ومن شأن هذا التأثير أن ينتشر حتما إلى الاقتصاد العالمي الأوسع، الذي يمكن أن يتضرر بدوره متأثرا بصدمة مساهم كبير في الناتج المحلي الإجمالي مثل كوريا الجنوبية.
ويرى بعض المحللين أن الخوف مبالغ فيه، كونها «موجة توتر» ربما خفت بنهاية المطاف، خصوصا مع تعدد الجهات الدولية الفاعلة والمعنية التي قد تتدخل لمنع وقوع أي نزاع عسكري.
ومع ذلك، حتى في غياب العمل العسكري، فإن التوترات المتصاعدة بالفعل أخبار سيئة لنمو شمال آسيا وبالنسبة للكوريتين، مع إثارة وإشاعة روح شعور «عدم اليقين» مما يهدد الاستثمار والتوظيف، في حين أنه بالنسبة لليابان، فإن ارتفاع الين يضر بالشركات وبخطط انكماش البنك الياباني.
وأنفقت الولايات المتحدة ما يعادل من 4.2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي خلال الحرب الكورية عام 1952. وقدرت التكلفة الإجمالية لحرب غزو العراق عام 2003 وعواقبها بنحو تريليون دولار، أي ما يوازي 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. ما يعني أن حربا طويلة الأمد من شأنها أن تدفع بشكل كبير الدين الاتحادي في الولايات المتحدة المرتفع بشكل «غير مريح»، والذي وصل إلى 75 في المائة من الناتج المحلي، إلى مستويات قياسية جديدة.
وسيحقق اندلاع نزاع مسلح بين دولتين من الشرق والغرب ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي، وكوريا الجنوبية هي المرشحة الأولى للتأثر سلبيا من خلال تراجع سلاسل الإمداد في جميع أنحاء العالم، فضلا عن اضطراب صناعة التكنولوجيا.
وأدت الحرب في سوريا إلى تراجع الناتج المحلي السوري بنحو 60 في المائة، وتراجع الناتج المحلي العراقي بنحو 65 في المائة منذ حرب الخليج الثانية، لتكون الصراعات الأكثر تدميرا منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية... وتراجعت قيم الناتج المحلي لكوريا الجنوبية آنذاك بأكثر من 80 في المائة، مع وفاة ما يقرب من 1.2 مليون شخص في هذا البلد.
ويمثل اقتصاد كوريا الجنوبية نحو اثنين في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، فإذا انخفض الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية بنحو 50 في المائة فسيؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو واحد في المائة، وهو رقم غاية في التأثير.
وتصدر كوريا الجنوبية ثلاثة أضعاف ما تقوم به أي دولة أخرى من المنتجات الوسيطة، وهي أكبر منتج لشاشات الكريستال السائل في العالم بنحو 40 في المائة من المجموع العالمي، وثاني أكبر مصدر لأشباه الموصلات بنحو 17 في المائة من إجمالي الحصة السوقية، وموطن لأكبر ثلاث شركات لبناء السفن في العالم.
وأمس، واصلت الأسواق «انزلاقها» مع هروب المستثمرين إلى مناطق أكثر «أمنا» - ولو بشكل نسبي، لينخفض مؤشر «داو جونز» الأميركي بأكثر من نصف في المائة مع بدء تداولات أمس الخميس بما يوازي 130 نقطة، وليهبط بذلك إلى مستوى 21900 نقطة، وهو أسوأ أداء له منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي.
وأثار ذلك الهبوط الكبير تساؤلات في الأسواق أمس، حول ما إذا كان ذلك إيذانا بإعلان نهاية سجل نجاحات «داو» الأخيرة، أم هو مجرد تحول قصير حتى يبرد الوضع بين طرفي المشكلة الأميركية الكورية.
وأعرب متعاملون في الأسواق الأوروبية لـ«الشرق الأوسط» عن قلقهم إزاء التهديد الذي يشكله ما أطلقوا عليه «لعب الأطفال المدللين»، في إشارة إلى رأسي النظام في أميركا وكوريا الشمالية.
أيضا، انخفض مؤشر فاينانشيال تايمز البريطاني بنحو 1.6 في المائة قبيل الإغلاق، إلا أن ثلث هذه الخسائر تعود إلى خيبة الأمل في العجز التجاري في المملكة المتحدة في 9 أشهر بنهاية يونيو (حزيران) الماضي، لكن تبقى هناك نسبة كبيرة متأثرة بـ«الحرب الكلامية» بين دونالد ترمب وكيم جونغ أون.
وتأثرت منطقة اليورو الموحدة بدورها، وخسر «داكس» الألماني 130 نقطة ليتراجع المؤشر إلى مستوياته ما قبل 12 أسبوعا، وانخفض «كاك» الفرنسي بنحو 0.7 في المائة ليصبح بالكاد فوق مستوى 5100 نقطة بقليل.
وتراجع الدولار أمس إلى أدنى مستوياته في ثمانية أسابيع مقابل الين الياباني، مع توجه المستثمرين صوب الأصول منخفضة المخاطر في ظل التوترات القائمة بين واشنطن وبيونغيانغ. وانخفض الدولار 0.53 في المائة أمام الين، إلى 109.48 ين، بعد أن نزل لفترة وجيزة إلى 109.53. وصعدت العملة اليابانية على نطاق واسع أمام معظم العملات الرئيسية بما فيها اليورو والدولار النيوزيلندي والجنيه الإسترليني.
وقال شون أوزبورن كبير محللي سوق الصرف لدى بنك سكوشيا في تورونتو لـ«رويترز» إن «الين هو القصة الكبيرة حقا. تحاشي المخاطر ما زال هو ما يشغل الأسواق». وكان الفرنك السويسري والين حققا مكاسب مثيرة للإعجاب مقابل الدولار يوم الأربعاء، بعد تحذير ترمب لكوريا الشمالية بأنها ستواجه «النار والغضب» إذا هددت بلاده.
ورغم هبوط اليورو أمس صوب أدنى مستوياته في أسبوعين مقابل الدولار حيث قلصت التوترات الطلب بشكل عام ودفعت المستثمرين إلى جني الأرباح بعد المكاسب القوية التي تحققت مؤخرا فإن العملة الأوروبية الموحدة ما زالت الأفضل أداء بين عملات مجموعة العشر منذ بداية العام بمكاسب تتجاوز 11 في المائة أمام الدولار.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».