أهالي القصير يُهجرون إلى إدلب... بدل العودة إلى مدينتهم

يفضلون الانتقال إلى مناطق «درع الفرات» في ريف حلب

TT

أهالي القصير يُهجرون إلى إدلب... بدل العودة إلى مدينتهم

يختتم أبو الهدى (27 عاماً) اليوم، رحلة 4 سنوات من النزوح، انطلقت من مدينة القصير في ريف حمص في ربيع 2013، وحطت في بلدتين في القلمون السوري، قبل أن يستقر قبل 3 سنوات في بلدة عرسال اللبنانية. فالرجل الذي «لم يحمل بندقية طوال حياته»، كما يقول، أنهى استعداداته للمغادرة مع زوجته وطفليه ووالديه إلى إدلب السورية، في رحلة مؤقتة «لا نعلم إن كانت ستنتهي في المحافظة الشمالية».
وأبو الهدى، واحد من 8 آلاف لاجئ سوري، سيغادرون إلى إدلب شمال غربي سوريا ضمن صفقة توصل إليها «حزب الله» اللبناني، و«جبهة النصرة» في جرود عرسال، أفضت إلى ترحيل عناصر التنظيم المتشدد وعائلاتهم، ومئات المدنيين الآخرين إلى الشمال السوري، فضلاً عن ترحيل 3 آلاف آخرين إلى بلدة الرحيبة الخاضعة لسيطرة المعارضة في القلمون الشرقي بريف دمشق.
لا ينفي أبو الهدى أن رحلته الآن هي «تهجير للمرة الثانية»، لكنه لا يتردد بالقول إن ما يجري «لا بدّ منه». ويضيف: «لن أبقى مهجراً طول العمر. بالنهاية نحن غرباء هنا، ونازحون، يجب أن نعود إلى بلدنا بأي حال».
حين بدأ أبو الهدى رحلة نزوحه، كان فرداً وحيداً، بعدما نقل والديه مباشرة إلى عرسال من القصير. جرب الإقامة في منطقتين، هي قارة وفليطة في ريف دمشق، قبل الوصول إلى عرسال في عام 2015، حيث تزوج وأنجبت زوجته ولدين. اليوم، يبحث أبو الهدى عن الاستقرار. يقول: «بما أن العودة إلى القصير غير ممكنة في الوقت الحاضر، فيجب البحث عن مكان آمن آخر، نشعر فيه بالاستقرار. يتعذر الاستقرار في القلمون الآن، لأن الرحيبة منطقة محاصرة، وربما تسفر أي اتفاقات مستقبلية عن تهجير جديد. لذلك، سيكون الشمال أكثر ضماناً بالنسبة لنا».
ويشكل النازحون من القصير القسم الأكبر من الراغبين في الرحيل إلى إدلب، خلافاً للنازحين من القلمون الذين يستعدون للمغادرة إلى الرحيبة، أو ينتظرون في عرسال ريثما تفعّل المفاوضات لعودتهم إلى قراهم في القلمون الغربي.
لكن إدلب، حيث ستتوقف الحافلات التي ستنقل الخارجين من عرسال وجرودها، لن تكون سوى محطة بالنسبة للمدنيين، بينما ستكون مستقراً لعناصر تنظيم «النصرة» وعائلاتهم. يقول نازح من عرسال سيتوجه إلى إدلب، إنه سينتقل بعدها إلى ريف حلب الجنوبي، أو مناطق سيطرة «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي. يضيف: «تلك المناطق ستكون أكثر أماناً من إدلب، حيث تسيطر الجبهة المتشددة، وتشهد اشتباكات مع فصائل الجيش السوري الحر وتقويضاً لحركة المدنيين غير المتطرفين».
ويقول النازح الذي رفض الكشف عن اسمه إن القسم الأكبر من المدنيين «سيتجهون في رحلة ثانية إلى شمال حلب»، كون المنطقة الخاضعة لسيطرة «درع الفرات»، تتسم بـ«الأمان نسبياً»، خلافاً لإدلب «التي قد تقبل على حرب لإطاحة (جبهة النصرة) منها، مما سيدفعنا إلى النزوح مرة أخرى». وقال النازح: «تتصدر جرابلس قائمة الوجهات المنتظرة للنازحين من عرسال»، في وقت يقول فيه آخرون إنهم «قد ينزحون باتجاه تركيا إذا كانت هناك فرصة لذلك».
وكان وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان معين المرعبي، أبلغ «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي أن نازحين إلى عرسال «سلمونا مذكرة بأنهم يريدون العودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها، وإذا فشل الأمر فإنهم يرغبون بالمغادرة باتجاه جرابلس في ريف حلب الشمالي، مشترطين المغادرة إلى مكان آمن».
في غضون ذلك، نقلت «رويترز» عن ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي لا تشارك في الاتفاق، قولها إن المفوضية تحاول الوصول إلى اللاجئين في منطقة عرسال لمعرفة ما إذا كانوا يعودون طواعية. وأضافت: «ترى المفوضية أن شروط عودة اللاجئين بأمان وكرامة غير متوفرة بعد في سوريا» في ظل الحرب المستعرة في معظم أنحاء البلاد.
وأسفر الصراع السوري متعدد الجوانب عن مقتل مئات الآلاف ونزوح ما لا يقل عن 13 مليون شخص من منازلهم. وتوافد نحو 1.5 مليون شخص على لبنان، وهو ما يعادل نحو ربع عدد سكانه، ويعيش معظمهم في فقر مدقع. ويعيش عدة آلاف في مخيمات مؤقتة شرق عرسال.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.