زحف عشرات آلاف المصلين إلى المسجد الأقصى أمس، مكبرين ومهللين فرحين «بالنصر»، بعد 13 يوما على بقاء المسجد مغلقا، بسبب الإجراءات الأمنية الإسرائيلية التي تراجعت عنها تل أبيب بالكامل، بما في ذلك فتح باب حطة، الذي ظل مغلقا إلى ما قبل صلاة العصر بوقت قصير، وكاد يفجر أزمة جديدة.
وتحولت ساحات الأقصى مع دخول الفلسطينيين بالآلاف إلى ساحات للاحتفال، ورشت النساء الأرز على الداخلين، وهتف الفلسطينيون: «بالروح بالدم نفديك يا أقصى»، و«لبيك يا أقصى» وسط تدافع كبير وغير مسبوق، قبل أن يرفع شبان ملثمون العلم الفلسطيني فوق المسجد، ويواصلون الهتافات مع آخرين بصوت عال «الله أكبر».
وتأخرت صلاة العصر بسبب التزاحم الشديد وعدم تمكن كثيرين من الوصول إلى الساحات في وقت قصير. ولكن بعد ساعات قليلة، تحولت ساحات الاحتفال إلى ساحات مواجهة واسعة.
وتفجرت اشتباكات بين المصلين والشرطة الإسرائيلية أمام باب حطة، بسبب الهتافات التي استفزت قوات الشرطة الإسرائيلية التي أرادت إعادة إغلاق الباب والسيطرة عليه. لكن الأعداد الهائلة حالت دون ذلك، فأطلقت الشرطة قنابل غازية وصوتية، قبل أن تنسحب من المكان، ثم تعود وتنتشر بقوات أكبر على جميع الأبواب، وداخل المسجد وفوق الأسطح وتغلق الباب من جديد.
وهاجمت القوات الإسرائيلية المصلين خارج المسجد وداخله بالرصاص والقنابل الصوتية والغازية. ورد المصلون بإلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة، ما خلف أكثر من 50 إصابة بين المصلين وإصابتين في صفوف الشرطة.
وشوهدت قوات الشرطة تقتحم المسجد وتعتلي أسطحه وسط حالة من التوتر، وسقط شبان مصابين بالرصاص على الهواء مباشرة.
ويبدو أن إسرائيل أرادت الانتقام من لحظة بدا فيها الفلسطينيون مسيطرين على المسجد وبواباته والطرق المؤدية إليه، في مشهد أثار غضب اليمين الإسرائيلي، وكشفه زيف الاعتقاد السائد في إسرائيل، حول المدينة «عاصمة موحدة».
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية، يوسف المحمود: «إن لحظة دخول المسجد الأقصى المبارك، هي لحظة تاريخية عظيمة تمهد للتحرير، وتبشر بقرب زوال الاحتلال القادم لا محالة، وتذكر بانتصارات أمتنا المجيدة التي كان لأهلنا في القدس وأبناء شعبنا الفلسطيني، دائما، الدور الرئيسي فيها على مر التاريخ».
وأضاف المتحدث الرسمي، أن «معركة المسجد الأقصى المبارك هي معركة السيادة على مدينة القدس، التي انتصر فيها شعبنا العربي الفلسطيني وقيادته، وأسقطت ادعاءات الاحتلال الواهية ومزاعمه».
ودعا المحمود، إلى مزيد من رص الصفوف والتكاتف من أجل «إكمال طريق الكفاح حتى إنهاء الاحتلال، وتحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس العربية».
وتقرر الدخول إلى المسجد الأقصى في وقت مبكر من صباح أمس، بعدما تراجعت إسرائيل عن كل إجراءاتها الأمنية في محيط المسجد، بما في ذلك إزالة أجهزة الفحص والمسارات الحديدية والجسور، وفتح الأبواب المغلقة، في خطوة إسرائيلية لاقت غضبا داخليا ووصفت بتراجع كبير أمام الفلسطينيين.
وقال وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يشارك تياره اليميني في الائتلاف الحاكم: «إسرائيل خرجت ضعيفة من هذه الأزمة». وأضاف: «يتعين قول الحقيقة. بدلا من ترسيخ سيادتنا في القدس، جرى توجيه رسالة تفيد بأن سيادتنا يمكن أن تهتز».
كما هاجم ديفيد بيتان، رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وهو مقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، جهاز الشاباك بقوة، قائلا: «إنهم جبناء... يريدون أن يلقوا بتوصياتهم ثم يعودون إلى بيوتهم».
وكانت الحكومة الإسرائيلية اتخذت قرارها قبل «جمعة الغضب»، التي أعلن عنها الفلسطينيون في مسعى لتجنب تصعيد كبير حذر منه جهاز الأمن العام (الشاباك). وشهدت الجمعة الماضي مواجهات عنيفة بسبب إغلاق الأقصى، وخلفت قتلى وجرحى ومعتقلين.
وقتلت القوات الإسرائيلية 3 شبان في مواجهات مختلفة، ورد فلسطيني بقتل 3 مستوطنين داخل بيتهم، في أعنف تصعيد منذ وقت طويل.
وبدأت الأزمة عندما وضعت إسرائيل بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة أمام الأقصى، في أعقاب هجوم نفذه فلسطينيون من الداخل (فلسطينيو 48)، يوم 14 يوليو (تموز)، وقتلوا خلاله شرطيين. فرفض الفلسطينيون الإجراءات الإسرائيلية وعدوها محاولة لفرض سيادة إسرائيلية على المكان، وامتنعوا عن الدخول إلى المسجد الأقصى قبل تراجع إسرائيل عن إجراءاتها.
وبعد أيام طويلة من المواجهات الشعبية، وقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع الاتصالات مع إسرائيل، وضغط أردني كبير، وتدخل مباشر من الولايات المتحدة ودول عربية وإقليمية، انتهت الأزمة بتراجع إسرائيلي.
وقال عبد العظيم سلهب، رئيس مجلس الأوقاف: «تقرير اللجنة الفنية أظهر أن كل المعوقات التي وضعتها سلطات الاحتلال قد أزيلت». وأضاف: «نحن نحيي هذه الوقفة طوال الأسبوعين الماضيين خارج المسجد الأقصى، ونريد أن تستمر هذه الوقفة خارج الأقصى وداخل المسجد الأقصى... يجب العودة إلى المسجد الأقصى».
وأيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس موقف المرجعيات الدينية. وأعلن عباس عودة الصلاة في الأقصى، مشيدا بصمود المقدسيين في وجه إجراءات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى. وقال عباس: «الجميع كانوا على موقف رجل واحد، لم يرجف لهم جفن ولم تتراجع لهم عزيمة، لقد كانت كلمتهم من أجل أن يحق الحق ويزهق الباطل».
وأضاف عباس في اجتماع مع مسؤولين فلسطينيين وقادة أجهزة أمنية: «على ضوء ما يجري في القدس نواصل نقاشنا، نواصل بحثنا، وما هي رؤيتنا للمستقبل، بمعنى لم ينته كل شيء، ونحن قلنا، عندما قررنا تجميد التنسيق الأمني، قلنا إن من جملة الأمور التي نشأت هي قضية الأقصى، وهناك قضايا أخرى لا بد أن نبحثها، أن ندرسها، وعلى ضوء ذلك يتم القرار». في إشارة إلى إمكانية استمرار وقف التنسيق الأمني.
وأردف: «القصة لم تنته هناك أشياء كثيرة، وكل شيء يبقى على ما هو عليه إلى أن نقرر ما يمكن أن يحصل».
وقال عباس، إن كل خطواته كانت منسقة «مع جلالة الملك عبد الله الثاني، ومع جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وجلالة الملك محمد السادس، ومع تركيا، والجامعة العربية وفي القمة الإسلامية والأمم المتحدة».
وبقي المصلون في الأقصى لوقت طويل أمس، فيما يتوقع أن بيدأ فلسطينيو الداخل وحملة التصاريح من الضفة الغربية بالتدفق للمسجد الأقصى اليوم منذ وقت مبكر لأداء صلاة الجمعة. ودعت المرجعيات إلى النفير للمسجد اليوم والصلاة فيه بعد إغلاقه لجمعتين.
وقال الشيخ يوسف أدعيس، وزير الأوقاف والشؤون الدينية، إن المواطنين الفلسطينيين مدعوون لتكثيف التوافد على المسجد الأقصى المبارك (اليوم) الجمعة، وشد الرحال إليه رغم إجراءات الاحتلال وقيوده التي تحول بينهم وبين أدائهم لعبادتهم.
وأضاف، في بيان له، أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تثبيت ما أنجزه المقدسيون بثباتهم، ومقاومتهم الشعبية للإجراءات الاحتلالية الظالمة والجائرة.
وعززت إسرائيل من وجودها في مدينة القدس وعلى الحواجز العسكرية الفاصلة بين القدس وباقي الضفة الغربية، للحد من تدفق الفلسطينيين إلى الأقصى، واستعدادا لأي تطورات محتملة.
وفي إسرائيل، أثار تراجع الاحتلال هوسا حتى داخل أحزاب الائتلاف اليميني، الذين لم يستوعبوا كيف كان نتنياهو يعلن قبل يومين فقط، أنه لن يتراجع عن الفحص الأمني للمصلين، وتخلى الآن عن أي فحص أمني. وحتى رئيس حزب المستوطنين (البيت اليهودي) ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، الذي دعم قرار نتنياهو عاد وانتقده، وقال إن «إسرائيل خرجت مستضعفة من هذه الأزمة، وبدلا من تعزيز سيادتنا في القدس تم تمرير رسالة بأنه بالإمكان تقويض السيادة». وأضاف بينيت، في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن «هذا الخطأ يشبه الهروب من لبنان»، ويقصد انسحاب إسرائيل المفاجئ من جنوب لبنان في عام 2000.
من جهة ثانية، هدد قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس، يورام هليفي، بملاحقة من يحاول تجديد الاحتجاجات أو القيام بأي نشاط سياسي. وقال: «في حال كان هناك من سيحاولون خرق النظام غدا (اليوم)، فعليهم ألا يكونوا متفاجئين من أنهم سيتعرضون للأذى». وقال ضابط كبير آخر في الشرطة الإسرائيلية، إنه «ستجري غدا احتفالات ودعوات للوصول بأعداد كبيرة إلى الحرم، وسنرد مثلما فعلنا بالضبط في الأسبوع الماضي. وسنعمل من أجل منعها ونحبط إلحاق أذى بأفراد الشرطة. وإذا أرادوا تضخيم الاحتفالات ومواصلة النظر إلى الموضوع على نوع من (التراجع)، فهكذا سنتصرف بالضبط».
ووفقا للضابط نفسه، فإن الوضع في الحرم القدسي عاد «بشكل كامل تقريبا» إلى الوضع الذي كان عليه قبل 14 يوليو (تموز) الجاري، عندما جرى الاشتباك المسلح في الحرم. فقد فككت شرطة الاحتلال الجسور الحديدية والكاميرات عند بوابات الحرم.
احتفالات واشتباكات وإصابات مع دخول آلاف الفلسطينيين المسجد الأقصى
عباس يقول إن القصة لم تنته... والسلطة تصف المشهد بتمهيد للتحرير... وغضب كبير في إسرائيل
احتفالات واشتباكات وإصابات مع دخول آلاف الفلسطينيين المسجد الأقصى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة