لا تزال أسماك القرش تغذي أحلام الباحثين الطبيين بإمكانية الاستفادة منها في معالجة الأمراض التي تُصيب البشر. ويُغذي هذه الأحلام عدد من الحقائق العلمية حول أسماك القرش في قدراتها على التعامل مع الأمراض أو الإصابات. ورغم عدم وجود تعريف علمي دقيق لنوع أسماك القرش من بين أنواع الحيوانات البحرية، خصوصا الأسماك؛ فإن ثمة اتفاقا على أن أسماك القرش تتميز بعدد من الخصائص في بنيتها ونموها وسلوكياتها، ولعل من أهمها أن أسماك القرش، بخلاف بقية الأسماك، ليس فيها هيكل عظمي؛ بل هيكل غضروفي، وهو ما يُحفز كثيرا من الباحثين الطبيين على إجراء الدراسات حول إمكانات الاستفادة الطبية العلاجية من هذه الميزة التي في بناء جسم أسماك القرش.
وكذلك تمتلك أسماك القرش عددا من الخصائص في أسنانها، ذلك أن جميع أسماك القرش تنمو لها أسنان بشكل مستمر لتعويض ما يتساقط منها، وأن بعض أنواع القرش تنمو لديه آلاف الأسنان في السنة الواحدة، وبعضها قد يفقد ويستبدل أكثر من 30 ألف سن طوال حياته، وبعضها يستبدل أسنانه كل 10 أيام. وهذا الأمر أيضاً كان محل بحث علمي لمعرفة آلية التحفيز لدى أسنان القرش لنمو الأسنان البديلة طوال العمر. وإضافة إلى ذلك، ثمة أسنان صغيرة تنمو على جلد بعض أنواع أسماك القرش.
وثمة مميزات أخرى لأسماك القرش في طريقة عمل الجهاز التنفسي للخياشيم، تختلف في جوانب كثيرة منه عن بقية أنواع الأسماك. ولدى أسماك القرش نظام مختلف في آليات حفظ توازن الجسم خلال الغطس أو الطفو أو العوم، وذلك خلال فترات الاستيقاظ وحتى فترات النوم التي يكون فيها سمك القرش سابحاً ومتحركاً، وهو في واقع الأمر نائم. وهذه الآلية تعتمد على جانب مختلف عن بقية الأسماك التي لديها أكياس هوائية، وهي الاعتماد على زيادة الدهون والزيوت في أجسامها، خصوصا في الكبد، وتحديداً مركبات «سكوالامين» Squalamine التي تبدو مع الوقت لها استخدامات طبية.
وما يُشير إليه عدد من الباحثين الطبيين أن قدرات الالتئام السريع للجروح لدى أسماك القرش تبدو أمراً مُحيراً، وما يُحير الباحثين كذلك عدم إصابة أنواع أسماك القرش بالسرطان، وأيضاً ما يدفع الباحثين لمزيد من البحث العلمي هو قدرات أسماك القرش على مقاومة الميكروبات. وموروثات الطب الشعبي في مناطق عدة ومتباعدة في العالم لا تزال ترى في غضاريف أسماك القرش علاجاً لأنواع شتى من الأمراض، بدءا من التهابات المفاصل، ومروراً بمرض السكري والصدفية والالتهابات الميكروبية، وتنشيط القدرات الجنسية وحالات العقم والصداع والسرطان... وقائمة طويلة من الأمراض.
وحول هذا الأمر يُعلق الدكتور شيفيجي، المتخصص في الجينات ومدير «مركز أبحاث الحفاظ على أسماك القرش في البحار (SOSRC)»، التابع لجامعة نوفا ساوث إيسترن في فلوريدا، بالقول: «هناك عدد من الاكتشافات حول أنظمة ومركبات عمل جهاز مناعة الجسم لدى أسماك القرش، وهي ما تبدو واعدة لتطبيقات مختلفة في الطب البشري، ولا يزال ثمة كثير مما يُمكن أن نتعرف عليه من دراسة هذه الحيوانات الفقارية القديمة جداً». وتُوافقه الدكتورة جنيفر شميدت، المتخصصة في علم الأحياء الجزيئي والجينات ومديرة «مؤسسة بحوث أسماك القرش (SRI)» في برينستون بولاية نيوجيرسي الأميركية، بقولها: «قدرات الالتئام السريع للجروح لدى أسماك القرش، وقدراتها على مقاومة الميكروبات، أمور رائعة. وبدراسة الجينات لديها، نتعرف على المسؤولة منها عن التئام الجروح، والأمل أن نطور أدوية تستثير الجينات التي تُسّرع في التئام الجروح أو إبطائها حين الحاجة». ويُضيف الدكتور شيفيجي: «نحن نبحث في الجينات لدى أسماك القرش، ونحاول أن نفهم ما الذي يُعطيها تلك القدرات على التسريع بالتئام الجروح بسرعة».
وحالياً يتوفر أحد منتجات التسريع بالتئام الجروح المستخلصة من أسماك القرش، ويُدعى «أومنيغرافت (Omnigraft)»، ويحتوى على غضاريف أسماك القرش والسليكون وكولاجين ألياف البقر، وهو مستحضر حصل على الموافقة من قبل «إدارة الدواء والغذاء الأميركية (FDA)» للاستخدام الطبي لدى مرضى الحروق وقروح القدمين لدى مرضى السكري.
ويحتوي كبد سمك القرش على مركبات سكوالامين ذات المنشأ الدهني التي لديها قدرات عالية على مقاومة البكتيريا والفيروسات، وهناك دراسات علمية حول هذا الجانب، وحول جانب آخر هو تأثيرها في إعاقة نشوء الأوعية الدموية في الأورام السرطانية. ورغم وجود مستحضرات علاجية تحتوي هذه المركبات، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تُعط موافقتها على استخدامها في معالجة الالتهابات الميكروبية أو السرطان أو التخفيف من الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي للسرطان حتى اليوم.
وعنصر آخر يُثير الباحثين، وهو استخدام أحد أنواع الأجسام المضادة (Antibody) لدى أسماك القرش من نوع «آي جي إن إيه آر (IgNAR)»، خصوصا في مقاومة نمو الأورام السرطانية، وما يُميز هذا المركب قدرته على دخول الخلايا السرطانية والقضاء عليها، وهو مجال واسع للبحث الطبي.
وتذكر «المؤسسة القومية للسرطان (NCI)» بالولايات المتحدة أن البحوث حول غضاريف أسماك القرش في معالجة الأورام السرطانية تستند إلى 3 أمور مُحتملة، وهي: القضاء المباشر على الخلايا السرطانية، وتحفيز نشاط جهاز مناعة الجسم، ومنع نمو الشعيرات الدموية التي تغذي نمو حجم الأورام السرطانية (Angiogenesis Inhibitors)، وأنه حتى اليوم تم اكتشاف نوعين من المركبات الكيميائية الموجودة في غضاريف أسماك القرش التي تمنع نمو الشعيرات الدموية في الأورام السرطانية، وأن الدراسات الطبية حولها تحتاج إلى مزيد من البحث. وهناك عدد من الدراسات الطبية الإكلينيكية التي تجرى حالياً حولها. ولدى الباحثين من أستراليا اهتمام بأحد أنواع المركبات البروتينية الموجودة في أجسام أسماك القرش، خصوصا في مقاومة تليف الرئة، وهي بحوث تدعمها إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
وما تحاول جهود البحث العلمي لدى الأوساط الطبية الوصول إليه هو الاستفادة من التطبيقات التي تقوم بها أجسام أسماك القرش في الحفاظ على صحتها، وما تقدم هو أمثلة على البحوث العلمية الجادة التي تُحاول بكل عمق البحث عن وسائل علاجية لتخليص البشرية من آلامها، وأسماك القرش أحد تلك المجالات البحثية.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]
أسماك القرش... تغذي أحلام البحوث الطبية العلاجية
أسماك القرش... تغذي أحلام البحوث الطبية العلاجية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة