نهب المقابر... جريمة خطيرة ومثيرة في الصين

عادت مع ارتفاع الطلب الدولي على الآثار القديمة

TT

نهب المقابر... جريمة خطيرة ومثيرة في الصين

في يوم من أيام نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تلقى يانغ مينغزين معلومة تفيد بأن عمال البناء الذين كانوا يحفرون في أرض تابعة لأسرته، قد عثروا على مقبرة قديمة في الموقع.
وفي مساء اليوم ذاته، تسلل السيد يانغ برفقة والده وعمه إلى المقبرة الواقعة في حقل ترابيّ قاحل خارج مدخل قرية باولينغ المستقرة على تل ترابي في مقاطعة شانشي الشمالية الغربية في الصين، حيث يسكنون. وفي صبيحة اليوم التالي، عثر أحد العمال على جثث السيد يانغ ورجلين آخرين في المقبرة. وكانت المقبرة القديمة قد انهارت منذ قرون على رؤوس الرجال الثلاثة فدُفِنوا أحياء فيها.
وكان النبأ بمثابة صدمة كبيرة لسكان القرية، إذ يقول يانغ يوان شينغ المحاسب البالغ من العمر 62 سنة، مشيراً إلى السيد يانغ المتوفى حديثاً: «لم يكن ليجرؤ على سرقة جزرة من أحد جيرانه. فمن كان يظن أنه يخاطر بحياته وسمعته لسرقة مقبرة عتيقة؟!».
تمثل هذه القصة حالة الغموض الشديد والمخاطر المروعة التي تتعلق بجريمة سرقة المقابر، تلك الممارسة القديمة التي بدأت في العودة بصورة لافتة للنظر مع ارتفاع الطلب الدولي على الآثار الصينية القديمة. مع أسعار بعض القطع الأثرية الصينية التي تقارب عشرات الملايين من الدولارات، مما أثار فضول جماعات من لصوص المقابر المحترفين والهواة الباحثين عن الثراء السريع في مختلف مناحي القرى الصينية مترامية الأطراف.
وفي حين يصعب الوقوف على الأرقام الدقيقة المصورة لحقيقة الأمر، فإن عمليات النهب المستمرة قد أسفر بعضها عن تدمير مؤسف لكثير من مواقع التراث الثقافي الصيني القديم. وفي عام 2016، ذكرت هيئة التراث الثقافي الوطني الصيني عن 103 عمليات نهب للمقابر ومواقع التراث الثقافي القديمة في البلاد.
وحسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يعتقد الخبراء أن هناك كثيراً من الحالات التي لم يكشف التقرير الحكومي عنها. ومن بين لصوص التراث القديم والحديث، كما يقولون، تعرضت ثمانٍ من كل عشر مقابر في الصين لمحاولة السرقة.
كما تعرضت المقاطعات الغنية بالتراث الثقافي الإمبراطوري الصيني القديم لأضرار بالغة ومنها مقاطعة هينان، وشانشي. ويقول ني فانغليو، الذي وضع كثيراً من المؤلفات في نهب المقابر الصينية: «لقد أفرغوا مقاطعة هَينان من محتوياتها إلى حد كبير حتى لم يبقَ هناك ما يستحق السرقة».
ولقد أعربت الصين، تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، عن رغبتها المتزايدة في تبني الثقافة التقليدية. وسعت الحكومة، التي تشدد على ملكية الدولة لكل المقابر القديمة والآثار الثقافية القابعة تحت الأرض، إلى مكافحة مشكلة نهب المقابر من خلال سن القوانين والتشريعات، وزيادة الرقابة، والمكافآت المالية لمن يرشدون عن الآثار المنهوبة.
غير أن المسؤولين يقولون إن المشكلة أكبر وأوسع بدرجة يصبح من المستحيل القضاء عليها تماما.
من جهته، يقول تشو كوي يينغ، نائب مدير مكتب التراث الثقافي في مقاطعة شانشي: «يبدو الأمر تماما مثل المخدرات في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن الحكومة تجرم سرقة المقابر، فلا يزال هناك الكثير من الناس يمتهنون هذه الممارسات».
لأكثر من 3000 سنة، التزم الحكام ورجال النخبة الأرستقراطية الصينية بطقوس جنائزية خاصة، بما في ذلك دفن الأموات برفقة الأشياء التي سوف يستخدمونها في حياتهم الأخرى. وبناء على الفترة الزمنية ورتبة أو طبقة وثراء المتوفى، فإن الأشياء المدفونة بصحبته قد تتضمن كل شيء من أقراص الأحجار الكريمة وأوعية البرونز حتى صناديق الطلاء والفخار المزجج المصقول.
وتاريخ نهب المقابر في الصين طويل وممتد. ففي القرن الثاني قبل الميلاد، كان نهب المقابر القديمة من الممارسات واسعة الانتشار حتى إن أحد النصوص الصينية الكلاسيكية القديمة (لوشي تشون كيو)، وهو من مصنفات عام 239 قبل الميلاد، قد دعا إلى الاقتصاد الكبير في دفن الأموات لتفويت الفرصة على اللصوص في نهب المقابر. حتى إن ضريح الإمبراطور الصيني الأول، كين شيهوانغدي، الذي يحرسه جيش الطين الصيني الشهير، تقول الشائعات إنه يضم سلسلة من الفخاخ الخطيرة المقصود منها تفادي لصوص المقابر المحتملين.
وتحولت هذه الممارسات إلى ما يشبه الوباء المتفشي بعد قرون من ذلك التاريخ، وتحديدا فيما بعد عهد ماو الانفتاحي في الصين خلال عقد الثمانينات. حيث بدأ المزارعون الذين تحملت أسرهم مسؤولية حماية المقابر المحلية لأجيال تلو الأجيال في الهجرات الداخلية من القرى نحو المدن. ثم تحولت مناطق واسعة من الأراضي إلى ملكية الدولة لتمهيد الطرق وشق أنفاق المترو وإنشاء المباني السكنية وشبكات الطرق السريعة. وتضاعفت مواقع التشييد والبناء على حفر أثرية، وكُشف عن أعداد لا تحصى من المقابر القديمة والآثار التاريخية خلال تلك العمليات.
وعلى طول الطريق، كان الصينيون، وبفضل الارتفاع في الدخل، قد نما لديهم التقدير الكبير للآثار القديمة، مما أدى إلى ظهور فئة جديدة من جامعي التحف الصينية الذين ينافسون حتى جامعي التحف والآثار الصينية من الغربيين في المعرفة والحماس والقوة الشرائية.
ومع الانتشار الكبير الذي شهدته سوق الفنون والآثار الصينية القديمة، ارتفعت كذلك عمليات التزوير. وأصبحت المشكلة متفشية بصورة كبيرة لدرجة أن بعض جامعي الأعمال الفنية بدأوا يبحثون بهدوء عن الأشياء التي نهبت حديثا لتجنب مخاطرة شراء الآثار المزيفة.
وبالنسبة لسارقي المقابر، فإن الإغراء شديد الوضوح. كما يقول السيد ني: «قطعة برونزية جميلة من أسرة كين أو هان يمكن أن تشتري لك منزلا كبيرا وجميلا في الصين».
في الصين، أغلب لصوص المقابر هم من العمال والمزارعين المهاجرين. وبعضهم يشبه السيد يانغ مينغزين - أي اللصوص الهواة المجهزين بالأدوات الأساسية فحسب. وهناك آخرون، على الرغم من ذلك، يشكلون جزءاً من شبكات التهريب المحترفة التي تستخدم كل شيء ممكن من الأجهزة التقنية الفائقة وحتى العرافين الصينيين التقليديين. وتعتبر هذه المهنة وضيعة وخطيرة، إذ تتطلب من العمال الزحف داخل أنفاق صغيرة، والتعامل مع المتفجرات، واستنشاق الهواء الفاسد - وكل ذلك مع المحاولات المستمرة لتفادي الرقابة وإلقاء القبض عليهم. وعندما تنجح محاولات النهب، تمر القطع الأثرية المسروقة عبر شبكة عابرة للحدود وغامضة ومعقدة من الوسطاء والمهربين والوكلاء قبل أن تبلغ صالات العرض الفاخرة لجامعي العاديات ومتاحف الأثرياء في الصين وفي الخارج.
وحتى مع ذلك، أصبح نهب المقابر من الظواهر المنتشرة والمعروفة عالميا. وحققت سلسلة روايات «سجلات سارقي القبور» الخيالية من تأليف ناباي سانشو، حول مغامرات سارق المقابر الشاب، ضجة كبيرة بعد ظهورها للمرة الأولى في عام 2006. ومنذ ذلك الحين، أنتجت كثير من البرامج التلفزيونية والأفلام حول الموضوع ذاته، بما في ذلك فيلم «موجين: الأسطورة المفقودة» من إخراج ويرشان، و«أقاصيص قبيلة الأشباح» من إخراج لو شوان.
يقول السيد لو مخرج الفيلم: «هناك فضول طبيعي لدى الناس حول العوالم الخارقة للطبيعة، أو العوالم الرائعة، أو غير المعروفة»، مشيراً إلى السحر الذي تشعر به الجماهير نحو سرقة المقابر القديمة.
وفي جزء من البحث وإعداد الفيلم، التقى السيد لو مع سارقي مقابر حقيقيين، أخبروه عن أساليب نهب المقابر التي يستخدمونها. وكانت التفاصيل سيئة للغاية لدرجة أنه تجنب عامداً تصويرها أثناء إخراج فيلم «أقاصيص قبيلة الأشباح».
وأردف السيد لو يقول: «قلت لنفسي، إنها سرقة حقيقية وفجة. وليست رومانسية على الإطلاق ولا علاقة لها بالبطولة والإقدام».
ويخشى بعض المسؤولين ونشطاء المحافظة على الثقافة أن انتشار نهب المقابر قد يشجع الهواة على الاندفاع في تلك التجارة. وفي قضية مسجلة لعام 2015، على سبيل المثال، أخبر أحد السارقين ويدعى لوان، أجهزة الشرطة أنه خطط ورفاقه لسرقة إحدى المقابر في مقاطعة تشيغيانغ بعد مناقشة الفكرة أول الأمر عبر منتدى لرواية «سجلات سارقي القبور» على الإنترنت، وفقا لإحدى الصحف المحلية.
ولقد أدى ارتفاع عدد هواة سارقي المقابر إلى إزعاج كبير للمسؤولين الذين يحاولون القضاء على هذه الممارسات. وبعد بلوغ الأمر ذروته في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قال المسؤولون إن حالات نهب المقابر في المواقع الأثرية الرئيسية، قد انخفضت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة.
ولكن الجانب السلبي لوجود حضارة تبلغ أكثر من 5000 عام، هو الانتشار الكبير للمواقع الأثرية في كل مكان، مما يجعل من الصعب توفير الحماية الشاملة لكل موقع منها. وفي عام 2015، اخترقت السلطات الصينية ما عُرِف بأنه أكبر شبكة لتهريب الآثار منذ عام 1949، وألقت القبض على 175 متهما موزعين على ست مقاطعات صينية بتهم سرقة وتهريب المضبوطات الأثرية التي تقدر قيمتها بنحو 80 مليون دولار.
في ذلك، يقول وانغ جين تشينغ رئيس قسم حماية الآثار الثقافية في مكتب الحماية الثقافية بمقاطعة شانشي: «إنها معركة مستمرة بيننا وبين المجرمين. هناك كثير من المقابر الصغيرة التي لا نعرف عنها أي شيء، ومن المحال حمايتها كلها».
وعلى الرغم من السرقة والتدمير، يقول البعض إن هناك بارقة أمل صغيرة في الأفق. عندما يتعلق الأمر بالمقابر غير المفتوحة، يتخذ المسؤولون الصينيون أكثر التدابير تحفظاً من حيث الاهتمام بالحماية بأكثر من الرغبة في الحفر والتنقيب. ونتيجة لذلك، فإن المقابر التي تعرضت للفتح على أيدي اللصوص تتحول إلى مواقع مهمة للغاية لعلماء الآثار. فيما يقول وانغ جينفو، أستاذ علم الآثار في جامعة نانغينغ نورمال: «سجلنا كثيراً من الاكتشافات الأثرية الرئيسية في الصين من المقابر المنهوبة. ولكن حالة المقبرة المنهوبة تكون سيئة للغاية لدرجة أن علماء الآثار يفتقدون كثيراً من المعلومات التاريخية المهمة».
ومع تحول اهتمام لصوص المقابر في الوقت الحالي نحو عدد كبير من المقابر غير المفتوحة في المقاطعات الشمالية والغربية من البلاد، يفيد الخبراء بأن الحاجة تزداد إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية هذه المواقع. ولكن الحل التام للمشكلة، كما يقولون، يقع على عاتق الناس على الطرف الآخر من سلسلة النهب: ألا وهم جامعو الآثار.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.