تستمر باريس في لعب دور «من وراء الستار» في الأزمة القطرية، التي تواجه فيها الدوحة اتهامات من 4 دول عربية «المملكة السعودية والإمارات والبحرين ومصر» بتمويل وإيواء الجماعات الإرهابية، وذلك حرصا من الحكومة الفرنسية على اعتبار أن «أهل الخليج يحلون مشاكلهم بأنفسهم».
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس إن الدبلوماسية الفرنسية «نشطة على مختلف المستويات» من أجل «إيصال الرسائل» والدفع باتجاه «اتخاذ الخطوات التي من شأنها احتواء التصعيد والعودة إلى الحوار». وتعمل الدبلوماسية الفرنسية على مستويين: الأول، مستوى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تفيد أوساطه أنه «على تواصل دائم» مع قادة البلدان الخليجية. وقالت هذه الأوساط إنه اتصل مرتين بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واستقبل الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، في قصر الإليزيه، وتحادث قبل ثلاثة أيام مع أمير قطر. وينوي ماكرون، بحسب الرئاسة، أن يطرح الملف الخليجي اليوم في قمة العشرين في هامبورغ (ألمانيا).
ولم تفصح المصادر الفرنسية عن «الزاوية» التي سيطرح من خلالها. إلا أن الأرجح أن يتم ذلك من زاوية محاربة الإرهاب وخصوصا تمويله باعتبار أن هذا الموضوع سيكون الأول والرئيسي على طاولة القادة العشرين أو من يمثلهم اليوم. وتعول باريس على تعزيز دور «مجموعة العمل المالية» المناطة بها مهمة محاربة غسل الأموال وتجفيف منابع الإرهاب المالية. وقالت مصادر الإليزيه لـ«الشرق الأوسط»، بداية هذا الأسبوع على هامش عرض تحديات قمة هامبورغ وأهداف باريس منها، إن الرئيس ماكرون «يولي الملف الخليجي الكثير من الأهمية لما له من تأثير على ثلاثة أمور: استقرار الخليج والحرب على الإرهاب والعلاقات المميزة التي تربط باريس بكافة البلدان الخليجية وعلى رأسها السعودية».
وأضافت هذه المصادر أن فرنسا «مستعدة لتقديم كافة أنواع الدعم» خصوصا للوساطة الكويتية وهي الوساطة «الرسمية» الوحيدة. وسبق للرئيس ماكرون أن تناول الملف الخليجي مع ملك المغرب محمد السادس في زيارته إلى الرباط وفي اتصالاته مع قادة عرب وغربيين. وينتظر أن تصدر عن قمة هامبورغ «توصيات» في موضوع تمويل الإرهاب.
أما المستوى الثاني فهو مستوى وزير الخارجية جان إيف لو دريان. وقالت مصادر الخارجية إن لو دريان «على تواصل» مع نظرائه الوزراء الخليجيين كما أنه زار القاهرة مؤخرا وتناول النزاع الخليجي مع الوزير سامح شكري. وسبق له أن استقبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد والقطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني فضلا عن التواصل مع المسؤولين الكويتيين. وأثير الملف المذكور مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارته الأخيرة لباريس.
منذ تأزم العلاقة بين البلدان الأربعة وقطر والتدابير التي اتخذت بحق الدوحة ثم لائحة المطالب التي قدمت لها رسميا، قالت باريس على لسان الناطق باسم الحكومة كريستوف كستانير إنه «يتعين على الدوحة أن ترد على المطالب» التي تقدمت بها الدول الأربع. لكن فرنسا، في الوقت عينه، «لا تريد أن تكون طرفا في النزاع لأن لها علاقات طيبة مع الجميع ولها مصالح في كافة البلدان الخليجية». ومن هذا المنطلق وعطفا على الاعتبارات الثلاثة المذكورة سابقا، فإن «ما يهمها بالدرجة الأولى هو احتواء التصعيد من خلال الامتناع عن صب الزيت على النار وخصوصا اتخاذ الخطوات المطلوبة لتراجع التوتر». وعند سؤال المصادر الفرنسية عن «فحوى» الخطوات المشار إليها، فإنها «امتنعت» عن الخوض في التفاصيل «لأن ذلك لن يفيد». وباختصار، فإن باريس تؤكد أن «البلدان المعنية كلها صديقة لفرنسا» وأنها «تعمل على إيصال الرسائل المناسبة إليهم» مع التأكيد على «الحاجة الملحة والأساسية والمتمثلة في ضرورة محاربة الإرهاب».
بالإضافة إلى التواصل المباشر مع الدول المعنية، تنشط باريس في اتصالاتها على المحورين الأوروبي والأميركي وهي ترى أن «لواشنطن دورا تلعبه» من أجل الخروج من هذه الأزمة. وينوي الوزير لو دريان في الأيام القادمة «تكثيف» اتصالاته إما عن بعد أو عن طريق زيارة المنطقة الخليجية. لكن لا يوجد برنامج محدد لذلك حتى الآن. وبانتظار ذلك، تدأب باريس على العمل على «التشاور بشأن آلية لخفض النزاع». لكن لا يبدو أن مثل هذه الآلية قد تم العثور عليها حتى الآن.
باريس تنشط دبلوماسياً في الأزمة الخليجية «من وراء الستار» ولا وساطة
باريس تنشط دبلوماسياً في الأزمة الخليجية «من وراء الستار» ولا وساطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة