أنقرة ترد بحدة على منع إردوغان من لقاء جالية بلاده في ألمانيا

اعتبرته دليلاً على ازدواجية المعايير الأوروبية ودعماً لأعداء تركيا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره المجري خلال منتدى الأعمال التركي - المجري في أنقرة (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره المجري خلال منتدى الأعمال التركي - المجري في أنقرة (رويترز)
TT

أنقرة ترد بحدة على منع إردوغان من لقاء جالية بلاده في ألمانيا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره المجري خلال منتدى الأعمال التركي - المجري في أنقرة (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره المجري خلال منتدى الأعمال التركي - المجري في أنقرة (رويترز)

شهدت الأزمة بين أنقرة وبرلين فصلاً جديداً من التصعيد قبل أسبوع من زيارة سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تستمر يومين للمشاركة في قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في مدينة هامبورغ الألمانية يومي 7 و8 يوليو (تموز) الحالي، بعد أن رفضت السلطات الألمانية طلباً لإردوغان لعقد لقاء مع الجالية التركية في المدينة على هامش أعمال القمة.
وزاد الرفض الألماني من الغضب التركي تجاه ما تعتبره أنقرة تعنتا ألمانيا ودعما لتنظيمات إرهابية تعمل ضد تركيا على حساب العلاقات بين البلدين، وانتقد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين تصريحات لسياسيين ألمان، حول اللقاء الذي طلب إردوغان عقده مع الجالية التركية قائلاً في بيان: «إن محاولة عدد من السياسيين الألمان منع إجراء اللقاء يعد «الدليل الملموس الأكبر على ازدواجية المعايير السائدة في أوروبا».
وأضاف: «الذين يحاولون إعطاء دروس لتركيا في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، بينما يحتضنون تنظيمات إرهابية وانقلابيين وفارين من القانون، ويعملون على عرقلة لقاء رئيس جمهوريتنا مع مواطنينا، يقدمون أكبر دليل ملموس على ازدواجية المعايير السائدة في أوروبا»، واعتبر تصريحات هؤلاء السياسيين «استفزازية وتنطوي على سوء نية ولا يمكن قبولها».
وكانت السلطات الألمانية منعت مسؤولين أتراكاً من عقد لقاءات مع الجالية التركية، قبل توجه الناخبين الأتراك للتصويت في استفتاء على تعديلات دستورية لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في أبريل (نيسان) الماضي، ما اعتبرته أنقرة اعتداء على الديمقراطية والحرية وانتهاكاً للأعراف الدبلوماسية.
وكانت برلين أعلنت، أول من أمس (الخميس)، رفضها لطلب تقدم به الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر فيه عن رغبته في إلقاء خطاب أمام مواطنيه الأتراك المهاجرين في ألمانيا على هامش قمة مجموعة العشرين.
وقال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في بيان: «تلقينا طلباً رسمياً من تركيا يفيد بأن الرئيس التركي إردوغان يرغب في مخاطبة مواطنيه على هامش قمة العشرين في ألمانيا... قلت قبل أسابيع لنظيري التركي إننا لا نعتبر الأمر فكرة جيدة»، مشيراً إلى اتفاق الائتلاف الحكومي في ألمانيا بزعامة أنجيلا ميركل بشأن هذا الموقف.
وأضاف غابرييل أن ألمانيا لا يمكنها ضمان الأمن خلال مثل هذا التجمع، في حين ستنشر قوات أمنية مكثفة لضمان أمن قمة العشرين في 7 و8 يوليو في هامبورغ، حيث يتوقع تنظيم مظاهرات مناهضة لمجموعة العشرين، يشارك فيها أكثر من مائة ألف شخص.
وتابع: «قلت بصراحة إنه نظراً إلى الوضع المتوتر مع تركيا لن تكون هذه الكلمة (خطاب إردوغان) مناسبة»، لكنه قال إن الرئيس التركي «سيستقبل بكل حفاوة وتقدير»، باعتباره ضيفاً على القمة.
وتمر العلاقات بين الحليفين السابقين بفترة توتر منذ أشهر، لا سيما بعد أن منعت ألمانيا تنظيم تجمعات لأنصار حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، قبل الاستفتاء على تعزيز صلاحيات إردوغان، في أبريل الماضي ثم منحت حق اللجوء لنحو 40 من العسكريين وحاملي جوازات السفر الخاصة وعائلاتهم فروا من تركيا لاتهامهم بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 2016.
ويعيش نحو 3 ملايين مواطن تركي يعيشون في ألمانيا، فيما لا يزالون متمتعين بحق التصويت في انتخابات بلادهم.
وتعد هذه أول زيارة للرئيس التركي لبرلين منذ تصاعد الأزمة بين البلدين في العام الأخير، وتأتي بعد إعلان برلين سحب قواتها من قاعدة إنجرليك الجوية عقب فشل جولات من المفاوضات بين الجانبين في إنهاء الأزمة حيث التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إردوغان في بروكسل على هامش قمة الناتو في 25 مايو (أيار) الماضي.
وأعلن إردوغان وأكثر من مسؤول تركي أنه إذا رغبت ألمانيا في مغادرة إنجرليك فسنقول: «مع السلامة».
وتعد الأزمة في العلاقات بين أنقرة وبرلين هي أبرز مظاهر التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي وصفه إردوغان بأنه من بقايا النازية خلال فترة الاستفتاء على تعديل الدستور لإقرار النظام الرئاسي، الذي أجرى في 16 أبريل الماضي، والذي بعده انطلقت محاولات تركيا لإزالة التوتر واستئناف مسيرة مفاوضات العضوية المجمدة، التي انطلقت منذ عام 2005.
ومن المقرر أن يعقد في 25 يوليو الحالي لقاء رفيع المستوى بين وزراء أتراك ومسؤولين كبار بالاتحاد الأوروبي لبحث تحريك المفاوضات بعد اللقاءات التمهيدية التي جرت على مستوى أدنى في بروكسل خلال يونيو (حزيران) الماضي.
في سياق متصل، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن بلاده هي الوحيدة التي تقوم بمفاوضات من أجل الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، ولم يتم إعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول.
وأضاف خلال منتدى الأعمال التركي - المجري في العاصمة أنقرة، أمس (الجمعة) أن «أوروبا تواصل وضع الصعوبات أمام تركيا... وكل تلك الصعوبات هي عيوب الاتحاد الأوروبي».
وأوضح يلدريم أن «أوروبا تعفي مواطني بلدان لم تبدأ مفاوضاتها لعضوية الاتحاد من تأشيرة الدخول في حين لم يتم إعفاء مواطني تركيا التي تواصل مفاوضاتها منذ أكثر من 40 عاماً».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».