أسفرت القواعد الحكومية الهندية الصارمة الجديدة بشأن حظر بيع وذبح الماشية، بما في ذلك الأبقار والجاموس، في جميع أنحاء البلاد، عن حالة شديدة من الركود في الصناعة الوطنية التي تقدر قيمتها بنحو 24 مليار دولار.
ولقد تأثرت صادرات لحوم البقر، التي تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار، وصناعات الجلود بقيمة 17.85 مليار دولار، بشكل كبير إثر قوانين حظر ذبح الماشية الجديدة التي فرضتها وزارة البيئة الهندية.
ولقد حظرت الكثير من الولايات الهندية بالفعل عمليات ذبح الأبقار، غير أن هذا الحظر التجاري على المستوى الوطني - والذي عللته الحكومة بأنه يهدف إلى حماية الحيوانات - ينطبق أيضا على بيع وشراء الماشية (بما في ذلك الأبقار، والثيران، والجاموس، والعجول، والأبقار الصغيرة، والجمال) في أسواق الماشية والحيوانات، ومطالبة البائعين بالتعهد ببيع الماشية للأغراض الزراعية فقط، وإضافة المزيد من التعقيد على الأعمال المكتبية وعلى عمليات بيع لحوم الماشية.
ولقد أثار القرار الأخير عاصفة سياسية في البلاد، وهناك شكوك عامة في قطاعات تصدير اللحوم والجلود، حيث إن الهند هي واحدة من أكبر اللاعبين الدوليين في هذه الصناعات على مستوى العالم.
* صناعة لحوم البقر
تصدر الهند ما قيمته 5 مليارات دولار من لحوم البقر والجاموس، ما يساوي نحو 20 في المائة من صادرات لحوم الأبقار العالمية. كما أن الهند هي ثاني أكبر مصدر للحوم البقر على مستوى العالم بعد البرازيل. ولقد أثار قرار الحظر الأخير على تجارة الماشية لأغراض الذبح الكثير من المخاوف حول قدرة الهند على المحافظة على صادرات لحوم البقر في عام 2017.
تعتبر الهند أيضا واحدة من أكبر الدول المصدرة للحوم الجاموس. ومن بين الدول المشترية نجد فيتنام، وماليزيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر. ويسيطر المسلمون، الذين يشكلون 14 في المائة من تعداد السكان في الهند البالغ 1.3 مليار نسمة، على صناعة اللحوم الهندية.
ويقول فوزان علوي، مدير شركة «علانا وأبناؤه»، وهي واحدة من كبريات شركات تصدير لحوم البقر في البلاد: «لقد أثر قرار الحظر الأخير على الصادرات بصورة كبيرة».
ووفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن الحظر الحكومي الهندي على ذبح الماشية قد أسفر عن انخفاض إمدادات تلك اللحوم من الهند، مما أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار لحوم البقر عالميا.
ويقول عقيل قريشي، رئيس رابطة رعاية تجار الجاموس في دلهي، والتي تشرف على المسلخ خارج المدينة وعلى مبيعات الجلود إلى مختلف الشركات: «لقد توقفت الأعمال تماما. إن القواعد الجديدة ليست جيدة في أي شيء على الإطلاق. ولا أعتقد أنها تتفق مع رؤية رئيس وزراء البلاد. وكل من صاغ هذه القواعد وفرضها لا يدرك آثارها. فسوف تؤدي إلى توقف تام لصناعة اللحوم والصناعات ذات الصلة. وسوف تتوقف أيضا أعمال المزارعين، والنقل، وصناعة الجلود تماما. وهناك نحو 50 مليون مواطن يعملون في تجارة اللحوم في البلاد، وسوف يفقدون وظائفهم ويصبحون عاطلين عنه العمل».
* التأثير على المزارعين
ومن أصحاب المصالح الآخرين، بطبيعة الحال، هم المزارعون. وبالفعل، شهدت الكثير من الولايات الهندية احتجاجات عنيفة من جانب المزارعين بسبب القرارات الأخيرة، وارتفعت حالات الانتحار بين المزارعين بسبب ارتفاع المديونيات عليهم وعجزهم عن سدادها.
ويؤثر الحظر المفروض على الشركات القابضة لتجارة الماشية في البلاد. فلم يعد المزارعون يرغبون في اقتناء الماشية، ويخشون أنه عندما يزيد عمر الحيوانات لن تكون هناك قيمة سوقية لإعادة بيعها. وأغلب المزارعين لا يحتفظون بالماشية بعد بلوغها 8 إلى 9 سنوات من العمر، وتقل الفئة العمرية بالنسبة للماشية الذكور والتي أصبحت زائدة عن الحاجة بصورة ملحوظة مع زيادة الاعتماد على الآلات الزراعية بدلا من الثيران، والتلقيح الصناعي الذي يحل محل التوليد الطبيعي للثيران.
يقول المزارع رام ناث، الذي يعمل في مجال الألبان، إن عمله يعتمد بالأساس على قدرته على بيع الأبقار التي لم تعد تنتج المزيد من الألبان، وأضاف: «سوف تؤثر القواعد الجديدة سلبيا على أعمالي، وسوف تؤثر تأثيرا سيئا على مزارعي الألبان في كل أنحاء البلاد».
وعلق المحلل الاقتصادي ارفيند سوبرأمانيام قائلا إن القواعد الجديدة سوف تزيد من تهميش الكثير من تجار الماشية من المسلمين في المناطق الريفية، وقال: «إن الاقتصاد الريفي، واقتصاد لحوم البقر، واقتصاد الألبان، واقتصاد الجلود سوف تشهد تدميرا تاما».
ولدى الهند أكبر عدد من الأبقار والجاموس في العالم، وهو ما يمثل 200 مليون رأس أو 14 في المائة من مخزون الأبقار في العالم. وبالنسبة لتعداد الماشية التي ظلت ثابتة إلى حد ما، فإن الرقم يُترجم إلى 22 إلى 23 مليون رأس تخرج من المنظومة في كل عام. وبعض منها يكون بالنفوق الطبيعي، ولكن الغالبية العظمى تكون عن طريق الذبح.
وفي حالة الجاموس، فإن الاستبدال السنوي للقطعان بطريق الذبح يصل إلى 15 في المائة أو 16 مليون رأس من إجمالي عدد رؤوس الجاموس الهندي البالغ 108.70 مليون رأس.
وحذر المستشار الاقتصادي الرئيسي لدى الحكومة الهندية ارفيند سوبرأمانيام من أن القيود المفروضة على ذبح الماشية يمكن أن تؤدي إلى «تأثير خطير» على اقتصاديات تربية الماشية في البلاد.
وكانت مخاوفه الرئيسية تتمثل في أن الحظر يدور حول أنه إذا ما عجز المزارع عن بيع الماشية غير المنتجة من أجل اللحوم، فسوف يجعل هذا الأمر من تربية الماشية تجارة غير مربحة بالمرة.
وأضاف سوبرأمانيام يقول: «يجب الاعتراف بأن اقتصاديات تربية الماشية، وبالتالي مصير ومستقبل مصدر الرزق الكبير هذا، سوف يعتمد بصورة حاسمة على القيمة النهائية للأصول، وفي هذه الحالة سوف تكون الثروة الحيوانية عديمة الإنتاجية. ولكن هناك شيء آخر... فإن الماشية الضالة في الحقول والمزارع، وهناك الكثير منها، لا بد من الاعتناء بها وإلا سوف تنتشر بينها الأمراض (مثل الحمى القلاعية)، مما يؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة وتكاليف اجتماعية باهظة».
وبعد ذلك، هناك تداعيات محتملة على التغذية البشرية. فالمواطنون الهنود، كما يقول، كانوا يستهلكون من البروتينات الحيوانية نسبة أقل مما ينبغي.
وتحد القواعد الجديدة بشكل فعال من الوصول إلى المشترين، وخصوصا بالنسبة إلى أصحاب قطعان الماشية، والذين لم يعودوا قادرين على بيع الحيوانات غير المنتجة لديهم في أسواق الماشية. ومن المتوقع لمزارعي الألبان حاليا أن يعملوا على تغذية الحيوانات التي لن تنتج لهم شيئا، مما يلحق الضرر البالغ بدخله الأساسي. وهناك نسبة كبيرة من دخل مزارع الألبان يأتي من بيع الحيوانات غير المنتجة. ومن شأن القواعد الجديدة أن تعيق هذه الدورة الإنتاجية، حيث يقوم المزارعون ببيع وشراء الماشية بدرجة كبيرة من تجار الماشية المحليين أو من أسواق الماشية. وهي السلسلة أو الدورة الأخرى التي تتأثر بشدة بطبيعة الحال.
* التأثير على صناعة الجلود
بالنسبة لصناعة تصدير الجلود الضخمة في الهند، سوف تشهد مستقبلا شديد القتامة في قابل الأيام.
فمن المرجح للخطوة الحكومية الأخيرة أن تؤدي إلى نقص في المواد الخام وتؤثر على سلسلة التوريد في أعمال تصدير الجلود في الهند، والتي أصبحت سببا للقلق لدى الكثير من بيوت الأزياء العالمية. فلقد بدأ أصحاب العلامات التجارية العالمية مثل زارا، وماركس أند سبنسر، وبرادا، وهوغو بوس، وأرماني، في التواصل مع وكلائهم والموردين في الهند للسؤال عما إذا كانوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم بشأن الأحذية، والحقائب، والسترات، والأحزمة، وغير ذلك من المنتجات.
ولقد صرح عمران أحمد خان، من مجلس صادرات الجلود لوكالة الصحافة الفرنسية الإخبارية يقول: «تعمل عائلتي مع شركات رادلي وأرماني خلال العقود القليلة الماضية، وهم يسألون الآن إن كنا نستطيع الوفاء بالتزاماتنا معهم».
ووفقا إلى مجلس صادرات الجلود الهندي، فإن الهند تنتج نحو 3 مليارات قدم مربعة من الجلود الخام سنويا. وهناك نحو 2000 مدبغة في الهند بدأت تواجه أزمة في الإمدادات.
والجلود المصنعة في الهند لها سمعة طيبة عالميا، حيث إنها تحتوي على نوع معين من الحبوب التي لا تتوفر في الجلود القادمة من جنوب أميركا أو أفريقيا.
وتستخدم صناعة الجلود في الهند الكثير من جلد الجاموس، والمخصص في صناعة الأحذية التي تشكل تقريبا نصف إجمالي صادرات البلاد من الجلود. وتحتل الهند أيضا المركز الثاني عالميا كأكبر مصدر للملابس الجلدية في العالم، وفقا إلى مجلس صادرات الجلود الهندي. ويعمل في هذه الصناعة نحو 2.5 مليون عامل.
ومع ذلك، فإن الجلود المصنعة في بنغلاديش تماثل تلك المصنعة في الهند، ولهذا السبب قد تستفيد بنغلاديش كثيرا من قرار الحظر الهندي الأخير.
* مقاومة قرار الحظر
في بعض الأجزاء من الهند، حيث استهلاك لحوم الأبقار أكثر شيوعا – أي المنطقة الشمالية الشرقية وولايات تاميل نادو وكيرالا – تم الطعن في قرار الحظر على أساس أنه يعد انتهاكا لحق المواطن الهندي في اختيار ما يأكله.
وفي ولاية تشيناي، أبقت المحكمة العليا على سريان قرار الحظر، وهناك أقاويل عن تحدي قرار المحكمة العليا كذلك.
وفي أعقاب الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى الحكومة، نقلت وكالة برس ترست الإخبارية الهندية عن فينكايا نايدو وزير الإسكان والتخفيف من حدة الفقر في المناطق الحضرية قوله إن الحكومة تنظر في المخاوف المتعلقة بقرار الحظر الأخير وتبحث المسألة عن كثب.
ويسبب القرار الأخير المثير للجدل اختناقا فعليا في إمدادات الهند من لحوم البقر والجلود، ولقد تعهدت المجموعات الصناعية وبعض الولايات التي حصلت على التصريح المسبق لأحقية ذبح الأبقار بمواصلة الجهود لمكافحة هذا «القرار المجحف»، بحسب قولها.
حظر ذبح الماشية الهندية يربك أسواق العالم ويرفع الأسعار
صناعة مهددة بقيمة 24 مليار دولار تشمل 20 % من صادرات اللحوم عالمياً
حظر ذبح الماشية الهندية يربك أسواق العالم ويرفع الأسعار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة