اختفى أربعة وعشرون صحافياً في المكسيك منذ 2003، كما تقول منظمة «ارتيكولو 19» غير الحكومية التي تدافع عن حرية الصحافة. وقُتِل نحو 100 آخرين في الفترة نفسها، منهم خمسة على الأقل في 2017. ومن هؤلاء خافيير فالديز، الصحافي المكسيكي المرموق، ومؤلف عدد كبير من الكتب حول كارتيلات العصابات في المكسيك، والذي تعامل مع وكالة الصحافة الفرنسية. مقتله في 15 مايو (أيار) في كولياكان بولاية سينالوا (شمال) وأثار استياء دوليّاً، وتعهد الرئيس انريكي بينا نييتو اتخاذ مزيد من التدابير لحماية الصحافيين. وبعد أقل من 24 ساعة، خطف مسلحون سلفادور آدامي، مدير شبكة «كانال 6» التلفزيونية المحلية، في ولاية ميشواكان. وقال زميل أدلى بشهادته طالباً التكتم على هويته، إن آدامي كان يجري تحقيقاً حول محطة للمحروقات اشتبه في استخدامها في نشاطات للجريمة المنظمة، بالتواطؤ مع السلطات.
منذ سبع سنوات، لم ترَ غوادالوبي انجليس والدها، رامون انجليس. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «يؤلمني أن أرى آخرين يختفون لأنهم يقولون الحقيقة، وأن أرى التحقيقات لم تفضِ إلى نتيجة، على غرار التحقيق في اختفاء أبي». اختفى هذا الصحافي المكسيكي بعدما نشر مقالة حساسة، مع أنه كان طلب عدم كشف هويته فيها. واليوم، تقر غوادالوبي التي بلغت الرابعة والعشرين من العمر بأنها تجد صعوبة في التكيف مع هذا الاختفاء، وتشير إلى عدم توقف عمليات القتل.
والد غوادالوبي كتب عن ولاية ميشاواكان التي كانت مسرحاً لأعمال عنف الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات التي تختلط فيها مجموعات إجرامية وميليشيات للدفاع الذاتي تخترقها أحياناً كارتيلات العصابات وسياسيون فاسدون.
لكن في القسم الأكبر من الحالات، ترفض السلطات القضائية اعتبار العمل الصحافي السبب المحتمل للقتل. وكان انجليس نشر مقالاً لم يوقِّعه باسمه، حول الضغوط التي تمارس على مجموعة من السكان الأصليين لطردهم من أراضيهم، في هذه المنطقة حيث تثير الزراعة المربحة لثمرة الأفوكادو الأطماع، بما فيها أطماع بعض الكارتيلات. وفي تقرير أصدرته العام الماضي، وصفت منظمة «ارتيكولو 19» غير الحكومية معاناة أسر الصحافيين المفقودين. وأكد التقرير أن «الغموض يولد مستوى عالياً من القلق» في نفوس الأهالي، «لذلك فإن عمليات الاختفاء القسرية شكل من أشكال التعذيب».
وكانت زوجة سلفادور آدامي، الذي خُطِف في 18 مايو، ضحية سكتة قلبية هذا الأسبوع. وغالباً ما لا تؤدي إدارة السلطات القضائية للتحقيقات، إلى تسوية الأمور. وفي حالة آدامي، تحدثت في البداية عن قضية عادات أو دين شخصي. وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت بالبينا فلوريس مراسلة «مراسلون بلا حدود» في المكسيك: «من دون تحقيق، يجرؤون على الإدلاء بهذا النوع من التأكيدات العلنية بطريقة غير مسؤولة أبداً».
وهناك عقبة قانونية إضافية. فالقانون المكسيكي يفرض الانتظار لمدة 72 ساعة قبل التقدم بشكوى رسمية حول اختفاء شخص ما. وهذا ما يفسر بحسب بالبينا فلرويس «البطء الرهيب في عمليات البحث عنهم، تضاف إليه البيروقراطية وانعدام تام للإرادة». وأضافت: «إذا كانت التحقيقات حول الصحافيين المقتولين لم تؤد إلى نتيجة في 95 في المائة من الحالات، ففي حالة الصحافيين المخطوفين، تؤدي إلى نتيجة 100 في المائة».
وذكر ليوبولدو مالدونادو من منظمة «ارتيكولو 19» غير الحكومية، أن مستوى الإفلات من العقوبة «أوجد حلقة مفرغة مسيئة للغاية تشجع على عمليات القتل والإخفاء». ووضعت الحكومة المكسيكية آلية لحماية الصحافيين. وفي الوقت الراهن، يستفيد منها 208 صحافيين و348 ناشطاً على صعيد حقوق الإنسان. وتشمل المقترحات زرّاً لحالات الطوارئ، وصولاً إلى عربات مصفحة وحراس شخصيين. لكن عدداً كبيراً من الصحافيين المهددين الذين اتصلت بهم وكالة الصحافة الفرنسية، لا يرغبون في الاستفادة منها. فعدد كبير منهم لا يثقون بالسلطات لحمايتهم، ولا بالشرطة، التي غالباً ما تكون فاسدة وخاضعة لسيطرة العصابات أحياناً. وتقول باتريسيا مونريال، الصحافية والمتحدثة باسم صحافيي ميشواكان الذين يطالبون بالعثور على آدامي حيّاً، إن «هذه الحماية لا تضمن لك شيئاً كثيراً». وقد بدأ هؤلاء الصحافيون تحقيقهم الخاص، لكشف ملابسات اختفائه.
الصحافيون في المكسيك بين كارتيلات العصابات والفساد المؤسساتي
الدولة قدمت عربات مصفحة وحراساً شخصيين لحمايتهم لكن بعضهم لا يثق بها
الصحافيون في المكسيك بين كارتيلات العصابات والفساد المؤسساتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة