أحياناً يكونون ودودين ومثابرين؛ يدخلوا المشهد ليدسوا أنوفهم في عملية جمع الأخبار. وفي أحيان أخرى يحافظون ويبدو عليهم الخجل، ويكون من الصعب ملاحظتهم.
يمكن إغواء بعضهم بسهولة بالهدايا مثل وجبة ساخنة، أو شراب بارد. حين لا يجدي التملق نفعاً، ويطفو العداء على السطح، يصبح تكميم الأفواه مغرياً، لكنه في النهاية نصيحة غير موفقة.
بطبيعة الحال، أنا أشير إلى البيروقراطيين الأجانب؛ عذراً على هذا الخطأ الطباعي، أقصد قطط المكاتب الخارجية. لقد أصبح الأمر تقليداً من تقاليد صحيفة «نيويورك تايمز» رسخه المراسلون الأجانب المنتشرون حول العالم، والذين يملأون أحياناً مواقعهم المنعزلة، من كابل وبغداد إلى القاهرة ودكا، في مكاتب كثيراً ما يكون بها صحافي أو اثنان، وأحياناً أسرهم، برفاق محليين من فصيلة السنوريات.
كان لمايكل سلاكمان، المحرر الدولي بصحيفة «نيويورك تايمز»، قطتان شريدتان مصريتان خلال فترة عمله رئيسا لمكتب الصحيفة في القاهرة والتي استمرت لخمس سنوات. إنهما يوداريلا، وسبانكي، ويقول عن الأخير إنه توأم روحه.
كما أعاد جاك هيلي، مراسل الصحيفة في بغداد منذ عام 2010 حتى 2012، إلى موطنه في دنفر قطة عراقية أصلية أسماها ماليكي.
أما والت بارانغر، الذي تجول حول العالم مرات كثيرة محررا لأخبار التكنولوجيا لدى الصحيفة، فقد عاد بعد إتمام مهمته، التي تمثلت في المساعدة في تأسيس مكتب للصحيفة في كابل عام 2001، مع قط شريد أسماه بوردا.
وتبنت ديون سيرسي، رئيسة مكتب الصحيفة في غرب أفريقيا، حتى هذه اللحظة قطين هما موس، الذي يعني «قط» بلغة الوولف، التي تستخدم لغة وسيطة في السنغال، وسبوتي- دوتي.
إذ كنت تتساءل عن الخط المائل، فهو منطوق ويمثل جزءا من الاسم. يقضي موس أيامه في التجول أعلى الجدران المحيطة بالمكتب، ويتحرك بحذر بين قطع الزجاج المكسور المنثورة لمنع الدخلاء من الدخول. على الجانب الآخر، يُعرف عن سبوتي- دوتي التجول بين أجهزة الكومبيوتر المحمولة والمكاتب.
تقول سيرسي: «إنهم هنا في أغلب الأوقات حتى يشعر الأطفال الثلاثة بالارتياح» مشيرة إلى أن شوارع داكار مليئة بالقطط الضالة. مع ذلك تبني القطط جاء رد فعل للشعور الملحّ بالعجز على حد قولها، حيث تضيف قائلة: «على الأقل أستطيع أن أحدث فرقاً بسيطاً بالنسبة إلى قط شوارع».
يقول هيلي: «كان الأمر يمثل لي سنداً عاطفياً» في إشارة إلى أن مكتب بغداد كان ممتلئاً بمجموعة متنوعة من قطط الشوارع. وأوضح قائلا: «هناك شعور ما بالانجذاب نحو حيوان عطوف أينما كنت. أعتقد أن ذلك الشعور يتنامى حين تكون في بيئة غريبة عنك، وغير مألوفة بالنسبة إليك. كذلك لا يمكنك تدليل زملائك».
كان بارنغر، الذي تقاعد في نهاية عام 2016 بعد 27 عاما من العمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز»، شاهداً على ظاهرة قطط المكاتب الصحافية في دول عدة. يقول: «ما كان يحدث عادة هو وجود قطط شريدة عدة بالقرب منك، فإذا أطعمتهم مرة لن يبتعدوا عنك أبداً».
بدأ هذا العصر للاهتمام بالقطط كما أسماه بارنغر بجين سكوت لونغ، وزوجها، جون بيرنز حين ذهبا إلى الهند في تسعينات القرن الماضي، حيث بدأ الزوجان في تبني القطط والكلاب بأعداد كبيرة، وانتهى بهما الحال إلى إرسال بعض الحيوانات إلى موطنهم إنجلترا، ولاحقاً إلى أسر في الولايات المتحدة لتبنيهم.
يقول بارنغر: «بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أنشأنا مكتبا للصحيفة في مدينة إسلام آباد، وانتقل إليه جون وجين. وكان يوجد في إسلام آباد مجموعة من القطط الشريدة التي تعيش في الغابات؛ لذا كان من الطبيعي أن تعتاد جين إطعامهم».
واصلت جين سكوت لونغ، التي كانت مديرة مكاتب الصحيفة في إسلام آباد، وكابل، وبغداد، ممارسة تقليد القطط في بغداد حين أنشأت الصحيفة مكتباً لها هناك عام 2003، وأصبح المكان مسكناً لنحو 60 قطة، مما دعا بيرنز فيما بعد إلى كتابة مقال في قسم «أخبار الأسبوع» بعنوان «ما تعرفه القطط عن الحرب». وكتب فيه: «بصفتي رئيس مكتب (نيويورك تايمز)، كان جزءا من الروتين اليومي هو السؤال كل ليلة عن عدد القطط التي لدينا على العشاء. في مكان لا يمكننا القيام فيه بالكثير للتخفيف من وطأة مآسي الحرب، أصبح هذا الإحصاء أمرا بسيطا يمكن القيام به لدعم الحياة في مواجهة الموت».
ويتذكر بارنغر أيضاً جيداً أنه في تلك المرحلة في بغداد كانت القذائف تتساقط مرات عدة يومياً، وتسفر أحياناً عن مقتل عشرات الأشخاص، موضحاً أن القطط أصبحت بمثابة شكل من أشكال التطهر والتعويض، حيث يمكنك رعايتهم وأنت تعلم أنك تحدث فرقاً في حياتهم. وأضاف قائلا: «كان ذلك يبعد ذهنك عن التفكير في الحرب لبعض الوقت».
بطبيعة الحال الانجذاب إلى القطط المحلية في التو أمر، ونقلها إلى بلاد تقع على بعد آلاف الأميال أمر مختلف كلياً. مع ذلك كثيراً ما كان يشعر المراسلون الأجانب بأن ليس أمامهم خيار آخر، رغم أن رحلة العودة نادراً ما تكون سهلة سواء بالنسبة إلى القطط أو أصحابها.
كانت عملية النقل، التي قام بها هيلي بوجه خاص، مرعبة. بعد قضاء ساعات من أجل الحصول على «تأشيرة خروج عراقية للقطط»، قامت ماليكي بخربشته وعضّه حين أصرّ المسؤولون على إخراجها من القفص عند نقطة تفتيش أمنية. وأخيراً دخل إلى غرفة الطوارئ في دنفر، وحصل على تأشيرة هجرة. وقال: «تدمرت يداي تماماً من أثر الجراح والعضّات».
مع ذلك استقرت ماليكي منذ ذلك الحين في جبال روكي، وتعيش نمط الحياة هناك بثقة، رغم أنها لا تزال الوحش الشره ذاته الذي كانت عليه في العراق، على حد قول هيلي.
اصطحب آدم نوسيتر، مراسل مقيم في باريس سبق سيرسي في رئاسة مكتب الصحيفة في غرب أفريقيا، معه قط المكتب. يقول نوسيتر: «لقد كان انتقالا صعباً بالنسبة إليه» في إشارة إلى لويس، القط الأفريقي الشريد الذي تبناه أثناء عمله في داكار. وقد أطلق عليه هذا الاسم تيمناً باسم مدينة سانت لويس السنغالية.
يروي قائلا: «لقد اعتاد قضاء أيامه في الخارج في مطاردة السحالي، وتسلق شجرة المانغو، وهو الآن يعيش في شقة في قلب حي الموضة والأزياء. يمكنه الخروج إلى الشرفة، ومراقبة ورشة عمل دار أزياء «شانيل» على الجانب الآخر من الشارع» وأضاف ضاحكاً: «لكن الأمر مختلف قليلا».
كان جلب لويس إلى هنا حين رحل هو وأسرته من السنغال أمراً لا جدال فيه. يقول نوسيتر: «أنا مغرم به للغاية، فهو جزء لا يمكن الاستغناء عنه من الحياة في المنزل. كذلك كان الأطفال سوف يثورون ضدي لو لم أفعل ذلك على أي حال».
*خدمة «نيويورك تايمز»
القطط... عناصر رئيسية في كوادر مكاتب «نيويورك تايمز»
تقليد للصحيفة رسخه مراسلوها المنتشرون حول العالم
القطط... عناصر رئيسية في كوادر مكاتب «نيويورك تايمز»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة