قال خبراء في مجال الأعمال إن ثمة جدلاً كبيراً قائماً حول ما يتوقع أن ينجم عن إقرار الحظر على أجهزة اللابتوب على متن الطائرات، من تراجع العائدات واحتمالات زيادة وتيرة التجسس الصناعي. وينتظر ملايين المسافرين بمختلف أرجاء العالم باهتمام الإجابة عن هذا التساؤلات.
تراجع العائدات
تجدر الإشارة إلى أنه منذ أن تلقت الحكومة الأميركية معلومات موثوقاً بها حول تطوير تنظيم داعش القدرة على إخفاء المتفجرات داخل أجهزة «لابتوب» وكومبيوترات لوحية وأجهزة إلكترونية أخرى، جرى فرض حظر على هذه الأجهزة داخل مقصورات الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة من 10 مطارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما ألمحت إدارة ترمب إلى أنها قد تمد نطاق الحظر إلى مطارات أوروبية.
ودفعت هذه الاحتمالية كثيراً من الصحافيين والخبراء الأمنيين والكتاب المعنيين بالسفر نحو محاولة توقع تداعيات مثل هذا القرار، مثل تراجع في عائدات شركات الطيران، إذ قد يختار المسافرون عبر الدرجة الممتازة المعروفة باسم درجة أصحاب الأعمال تقليص مرات سفرهم، إذا عجزوا عن متابعة أعمالهم أثناء سفرهم جواً، إضافة إلى الاستخدام غير المنتج لوقت المسافرين من أصحاب الأعمال، إلى جانب شعور المسافرين بالاستياء لاضطرارهم لتوفير مساحات إضافية داخل حقائبهم الخاضعة للتفتيش للأجهزة الإلكترونية التي يحملونها.
التجسس الإلكتروني
ويتساءل خبراء في مجلة «هارفارجد بيزنيس ريفيو»: كيف يمكن أن يستفيد الجواسيس من الوضع القائم حال تمديد نطاق الحظر؟
وتبعاً لإحصاءات نشرها مكتب التجارة والسياحة الوطنية، فإن 1.9 مليون شخص، يبلغ متوسط راتبهم 152 ألفاً و868 دولاراً، سافروا إلى أوروبا في درجة أصحاب الأعمال عام 2015. وطبقاً لما خلصت إليه جمعية سفر رجال الأعمال «غلوبال بيزنس ترافيل أسوسيشن»، فإن نصف هؤلاء المسافرين «فضلوا البقاء على اتصال بأجهزتهم الإلكترونية، وإنهاء أعمالهم أثناء رحلة الطيران».
ودفع ذلك بدوره لإجراء دراسة أخرى توصلت إلى أن ساعات عمل بقيمة 500 مليون دولار سيجري فقدانها حال حرمان المسافرين عبر درجة أصحاب الأعمال من استخدام أجهزتهم الإلكترونية. بطبيعة الحال، يبقى في استطاعة هذه الفئة من المسافرين العمل بالاعتماد على هواتفهم الذكية، لكن هذا الخيار ينطوي على قيود واضحة.
من ناحية أخرى، فإن إنتاجية مهدرة بقيمة نصف مليار دولار تبدو رقماً ضخماً - وهي حقيقة بالفعل. ومع هذا، يبدو هذا الرقم قيمة لا تذكر مقارنة بحجم الأموال التي تتكبدها الشركات الأميركية سنوياً بسبب نشاطات التجسس الاقتصادي والصناعي.
وفي خضم البيئة التجارية المتعولمة السائدة حالياً، أصبحت مهام التجسس مدرة للربح أكثر عن أي وقت مضى. بالنسبة لجامعي الاستخبارات، فإن ثمة احتفاءً بالغاً بفكرة إجبار المسافرين على الانفصال عن أجهزتهم الإلكترونية الضخمة، أشبه بالفوز بجائزة اليانصيب الكبرى!
المعروف أن ثمة توثيقاً قائماً، خصوصاً من جانب تحقيق أجراه الكونغرس الأميركي حول سرقة حقوق الملكية الفكرية، يؤكد أن وكالات استخبارات أجنبية من دول مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفرنسا وإسرائيل تشكل تهديداً حقيقياً تجاه المسافرين في درجة أصحاب الأعمال. وتقع كثير من أعمال السرقة تلك في الفترات التي يعمل خلالها المسافرون الأميركيون في درجة أصحاب الأعمال خارج الأراضي الأميركية.
سرقة البيانات
وتجري السرقة عبر اقتحام سري لغرف الفنادق (حيث يمكن استنساخ ذاكرة أجهزة اللابتوب والهواتف الذكية سراً)، والتنصت الإلكتروني ومراقبة حسابات البريد الإلكتروني - وهي جميعها أساليب سهلة وشائعة تستخدمها حكومات لجمع استخبارات تتعلق بالقطاعين العام والخاص. ومن الممكن استغلال المعلومات التي يجري الحصول عليها عبر هذه الأساليب في تحقيق ميزة اقتصادية تنافسية للدولة المعنية، عبر تقليص الوقت اللازم لإجراء جهود البحث والتطوير، والالتفاف على حقوق الترخيص، والفوز بميزة غير عادلة من حيث التكلفة والتمتع بنفوذ في مواجهة الجهة المنافسة قبل الدخول في مفاوضات، إضافة إلى ابتزاز موظفين، وإجبارهم على الكشف عن أسرار تتعلق بالشركات التي يعملون بها.
وقد يجد كثير من المسافرين عبر رحلات جوية دولية صعوبة في تصديق أنه أثناء احتسائهم شراباً داخل مقصورة أصحاب الأعمال في الطائرة، فإن عضواً بوكالة استخبارات تتبع من دولة أخرى قد يعبث في أمتعتهم سعياً وراء الحصول على معلومات حساسة تتعلق بجهة عملهم مخزنة على جهاز لابتوب.
إلا أن التساؤل هنا: هل من الصعب حقاً تخيل حدوث هذا الأمر؟ في الواقع، كثيرون منا لدى تفريغهم حقائبهم بعد سفر، عثروا على إخطار داخلها مكتوب عليه: «جرى تفتيش هذه الحقيبة من جانب هيئة أمن النقل». لماذا إذن يجد الناس صعوبة في تخيل إمكانية إقدام عميل لدى وكالة استخبارات أجنبية على الوجود بمنطقة تخزين الأمتعة، والبحث عبر الملفات المخزنة على أجهزتها الإلكترونية، أو تحميل ملف تجسس على الجهاز يصعب رصده؟
من ناحية أخرى، فإن الخطر الذي يتهدد حقوقك الفكرية والاستخبارات التجارية التي تملكها ربما لا يصدر عن وكالة استخبارات أجنبية، وإنما هناك كثير من المنافسين واللصوص التجاريين الذين يتطلعون نحو فرصة لتحقيق أرباح إضافية. وإذا حدث أن تعرضت لسرقة أي شيء من داخل حقيبتك، حينها ستدرك سهولة وصول مثل هؤلاء الأشخاص إلى متعلقاتك الشخصية.
أساطير الطيران
هل ما زلت غير مقتنع بخطورة وضع جهاز اللابتوب الخاص بك داخل الحقائب المعرضة للتفتيش؟ إذن عليك إمعان النظر في الأساطير المنتشرة حول الخطوط الجوية الفرنسية. ففي واحدة من الحالات الشهيرة، اعترف بيير ماريون، المدير السابق للاستخبارات الفرنسية، علانية في أكثر من مناسبة بالتجسس على المسافرين الأميركيين في درجة أصحاب الأعمال في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي بهدف منح فرنسا ميزة اقتصادية.
وعندما تعرضت شركات أميركية لخسارة تعاقدات كبرى بمجال التكنولوجيا فجأة لحساب جهات فرنسية منافسة، انتشرت شائعات بأن مقصورة أصحاب الأعمال بطائرات شركة الخطوط الجوية الفرنسية مزودة بأجهزة تنصت سرية (وكذلك جميع مقاعد طائرة «كونكورد»).
وفي تبريره لهذه الممارسات، نقل عن ماريون قوله إن «نشاطات التجسس تلك أساسية لإبقاء فرنسا مواكبة لتطور الصعيدين التجاري والتكنولوجي. بطبيعة الحال، استهدفت هذه النشاطات الولايات المتحدة، وكذلك دولاً أخرى. ويجب أن يتذكر الجميع أنه بينما نعمل كحلفاء في القضايا الدفاعية، فإننا في الوقت ذاته قوتان متنافستان على الصعيد الاقتصادي عالمياً».