غزت رسومات فنّ الغرافيتي شوارع لبنان بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، حتى صارت لوحاته المنتشرة هنا وهناك بمثابة عروض دائمة على جدران عمارات تتلوّن بالفرح بدل كآبة الإسمنت العتيق. وكانت مدينة طرابلس قد طالتها عصا الغرافيتي السحرية مؤخرا عندما رعى محافظ منطقة الشمال القاضي رمزي نهرا، مشروعا بيئيا تجميليا لنحو 15 مدرسة رسمية تلونت برسم على جدرانها.
وتعدّ لوحة غرافيتي «من قلبي سلام لبيروت» التي رسمها الأخوان عمر ومحمد قباني لفيروز على عمارة في منطقة المزرعة، أحدث هديّة يقدّمانها في هذا المجال لشوارع العاصمة، بعد أن سبقتها أخرى خصصت للراحلين صباح ووديع الصافي (في منطقة الأشرفية) وثالثة رسما فيها زياد الرحباني على عمارة تقع في منطقة بشارة الخوري عند تقاطع البسطة.
«نحاول تلوين بيروت بالفرح من خلال رسومات الغرافيتي الذي عرفنا به منذ بداياتنا في عام 2001», يقول عمر قباني أحد عضوي فريق «أشكمان»، الذي أخذ على عاتقه تغطية حجارة العمارات القديمة الخرساء بلوحات تنطق بالبهجة. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المرة اخترنا السيدة فيروز لتشكّل عنوان لوحتنا الغرافيتية الجديدة والتي استوحيناها من صورة جميلة لها تضع فيها شلحة على رأسها استخدمناها كمساحة لكتابة عبارات بالخطّ العربي تحكي عن بيروت». لماذا فيروز؟ يجيب: «لأنها رمز من رموز لبنان في الفنّ، وكونها حملت دائما في أغانيها رسائل سلام إلى الشعب العربي عامة واللبنانيين خاصة».
تغطّي اللوحة نحو 6 طوابق من عمارة ضخمة تقع في منطقة المزرعة احتلت 14 مترا من عرضها. وهي تحمل صورة لفيروز من إحدى مسرحياتها لوّنها الثنائي قباني بالأصفر على خلفية زرقاء.
استغرق تنفيذ هذه الرسمة نحو ثلاثة أيام وقد انتظر الإخوان قبّاني حلول فصل الربيع للقيام بها بعد أن كان المشروع معدّا لتنفيذه في بداية موسم الشتاء. «لقد أخرتنا عوامل الطقس الرديء وارتأينا انتظار حلول فصل الربيع للقيام بها، حتى أننا رفعنا يافطة كبيرة أثناء قيامنا بعملية الرسم الغرافيتي حملت عنوان (نحنا والشمس جيران) للدلالة على الشخصية التي نرسمها من ناحية والجهد الذي نبذله تحت أشعة الشمس الساطعة من ناحية ثانية». يقول عمر الذي أصبح اليوم مع أخيه محمد يشكّلان فريقا فنيا معروفا في عالم الغرافيتي يتميّز باستخدامهما للخطّ العربي فيه، بعد أن صارت دول أوروبية وأخرى عربية تدعوهما للمشاركة في مهرجاناتها الفنيّة.
ويروي لنا قباني: «شاركنا في مهرجانات فنيّة كثيرة جرت في دولة الإمارات العربية والكويت وجدة وكذلك في جنيف وبريطانيا وأرمينيا بعد دعوات تلقيناها من قبل وزاراتها الثقافية». أما الرسومات التي احتلّت عمارات تقع في جدة القديمة وجدران اختارها منظمّو مهرجان «دبي سكّة آرت فير» وغيرها فتمثّلت بالرسم المعروف به للشخصية الكرتونية (غريندايزر). «هي شخصية مشهورة في لبنان والعالم العربي ولذلك اتبّعناها عنوانا لمواضيع لوحاتنا ننفذّها في لبنان وخارجه. وأحدث لوحة قمنا بها مؤخرا في لبنان وحملت هذه الشخصية أيضا كانت في منطقة الأوزاعي جنوب بيروت، والتي تشهد أحياؤها وأزقتها الشعبية حاليا تغيرات عدة في شكل عماراتها القديمة بفضل الغرافيتي، وذلك تحت اسم (اوزفيل)».
فكما هو معروف أن رسم الغرافيتي يعني الرسم على الجدران والذي يستخدم فيه الطلاء بواسطة البخاخات. وقد شقّ طريقه إلى لبنان، منذ أيام الحرب الأهلية عندما كانت الميليشيات ترسم صورا أو تكتب عبارات ترمز إلى هويتها أو قناعاتها. ثم ما لبث أن تطوّر هذا الفنّ في لبنان ليصبح شائعاً في بيروت وضواحيها بتشجيع من بلدية بيروت التي رأت فيه وسيلة لتزيين جدران العاصمة المصابة بقذائف الحرب من ناحية وتلك التي شوّهتها من ناحية ثانية الملصقات الإعلانية والخربشات الفوضوية. «نحاول أن نضفي مساحة من الحرية والفرح على شوارع بيروت التي تعكس انطباعا سلبيا على مشاهدها». يوضح عمر قباني ويضيف: «في البداية كنت وأخي محمد نقوم بهذه اللوحات بمبادرات شخصية بعد أن نأخذ الإذن وحق الرسم من أصحاب تلك العمارات فندفع كلفتها بالكامل، أما اليوم وبعد أن صار هذا الفن معروفا ومنتشرا في لبنان ومدعوما من قبل رعاة (sponcers) وكذلك بلدية بيروت وغيرها من المؤسسات الرسمية أو الخاصة المهتمة في هذا الفن، بات الأمر أكثر سهولة وفتح لنا آفاقا واسعة للرسم على أكبر مساحة».
ومن المشاريع التي ينوي الأخوان قبّاني رسمها قريبا كجداريات فنية فرقة (أبو سليم الطبل) التي عرفت نجاحاتها عبر شاشة «تلفزيون لبنان» في سبعينات القرن الماضي، وكذلك الفنان الراحل شوشو وغيرهم. «هي شخصيات لبنانية نرغب في تكريمها على طريقتنا كونها قدّمت للبنان الفن الراقي والأصيل الذي ما زال محفورا في ذاكرتنا حتى اليوم».
فيروز مكرمة برسم ضخم
«من قلبي سلام لبيروت» آخر إبداعات الثنائي «أشكمان» في فن الغرافيتي

صورة لفيروز تزين واجهة إحدى البنايات في بيروت («الشرق الأوسط»)
فيروز مكرمة برسم ضخم

صورة لفيروز تزين واجهة إحدى البنايات في بيروت («الشرق الأوسط»)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة