على الرغم من الأخبار السلبية من وجهة نظر البعض، التي تمخضت عنها اجتماعات وزراء المال في منطقة اليورو ببروكسل، وتمثلت في عدم التوصل إلى اتفاق بشأن ملف ديون اليونان، فإن الاجتماعات عرفت أيضا أخبارا جيدة خصوصا بالنسبة للبرتغال كنموذج على كيفية تخطي المصاعب المالية والاقتصادية يجب أن يُحتذى به على الصعيد الأوروبي.
ومن وجهة نظر كثير من المراقبين في بروكسل، فإن البرتغال اجتازت نقطة تحول مهمة في مسيرتها الطويلة لخفض الديون، وذلك بعد إعلان المفوضية الأوروبية خروجها من إجراءات العجز المفرط.
الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبلو دي سوسا أشاد بالقرار الأوروبي، معتبرا أن النهوض من العجز المفرط ما كان ليتم لولا «تضحيات البرتغاليين» خلال 6 سنوات من التقشف القاسي.
بيير موسكوفيتسي، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية، قال: «استنادا إلى المعلومات المتاحة في هذا المرحلة والتطمينات التي تلقيناها من الحكومة البرتغالية لا نظن أننا سنعرض التخفيض المستدام للعجز إلى الخطر».
وأضاف موسكوفيتسي: «لذا اتخذت المفوضية القرار بالإجماع ونحن نتقاسم وجهات النظر نفسَها».
الإعلان عن خروج البرتغال من تدابير التقشف الشديدة، جاء بعد خفض العجز العام فيها إلى ما دون 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعامين الماضي والحالي.
وفي حين تظهر البرتغال مؤشرات على التعافي يبقى العجز العام في إسبانيا وفرنسا أعلى من عتبة 3 في المائة وتراقب المفوضية الأوروبية عن قرب الحال في هذين البلدين.
كانت البرتغال ثالث دولة من أعضاء الاتحاد التي احتاجت إلى قرض الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، خلال أسوأ مراحل الأزمة المالية العالمية، بعد اليونان وآيرلندا.
ووجدت البرتغال نفسها غير قادرة على تجميع الأموال عن طريق الأسواق المالية العالمية عند أسعار منطقية، حيث ارتفعت معدلات الفائدة على الأوراق المالية العشر سنوية من مستويات ما قبل الأزمة عند نحو 4 في المائة إلى قمة 14 في المائة (ما بين يناير/كانون الثاني 2008 ويناير 2012). أدى ذلك إلى قبولها قرضا بقيمة 78 مليار يورو عام 2011 من أجل تمويل احتياجات الحكومة. القرض جاء بمصاحبة شروط لإصلاح الاقتصاد البرتغالي وإعادة البلاد إلى مسار النمو المستقر.
هذا الأسبوع، أعلنت المفوضية الأوروبية أن البرتغال حققت العمل الفذ بتحقيق عجز مالي معقول في الميزانية دون رقم مستهدف المفوضية الأوروبية والذي على الدول الالتزام به قبل أن تكون قادرة على الانضمام إلى اليورو، أي ما دون 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. والعجز الحالي في البرتغال يقف عند 2 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد. هذا يعني بأن البرتغال لم تعد عرضة لإجراءات الديون المتشددة من المفوضية الأوروبية. وتحملت البرتغال إجراءات التقشف تحت حكومتها اليمينية الوسطية بعد الإنقاذ بين عامي 2011 و2015 عندما سقطت الحكومة.
الائتلاف الاشتراكي الذي تولى السلطة تمكن منذ ذلك الحين من تسهيل كثير من الإجراءات التقشفية غير الشعبية، والتي قدمت من قبل سلفها (وكانت شرط من شروط الحصول على قرض الإنقاذ).
في ردها على إعلان المفوضية الأوروبية، أصدرت وزارة المالية البرتغالية بيانا قالت فيه: «إن ذلك يعبر عن تقييم المفوضية بأن العجز المالي الكبير في البرتغال تم تصحيحه بطريقة مستقرة ودائمة. المؤسسات الدولية بدأت في الإعلان عن الثقة في الاقتصاد البرتغالي».
ولم تتلق فرنسا وإسبانيا تمويلا لعمليات إنقاذ سيادية (على الرغم من أن البنوك الإسبانية حصلت على هذه المساعدة)، ولديهما عجز يزيد على قواعد الاتحاد الأوروبي، عند 3.4 و4.5 في المائة على التوالي. وجرى الإعلان في بروكسل قبل يومين عن عدم توصل الجهتين الدائنتين لليونان، وهما منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق بشأن تخفيف دين أثينا، أو تسريح قروض جديدة لها، بينما يتعين على هذا البلد تسديد جزء من قرض قديم يقدر بُسبعة مليارات يورو بعد أقل من شهرين، فيما ستجرى مفاوضات جديدة الشهر المقبل.
وقال مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، بيار موسكوفيتشي: نحن نتحدث عن مجموعة من الإجراءات المهمة جدا، وهذه الحزمة هي ما نسميه الأسهم التفضيلية التي لا تقل عن 140 إجراء، وقد أعلمت مجموعة اليورو أن 104 إجراء من أصل 140 يمكن اعتبارها قد استكملت. واليوم زاد العدد لأن تقدما ملحوظا تم تسجيله، وهو ما يرفع عدد الأسهم إلى 115، ولم تراوح خطة المساعدة الثالثة لليونان مكانها منذ أشهر، إذ إن الجهات الدائنة لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق حول قدرة البلاد على مواجهة دينها العام الهائل الذي يشكل 179 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
كانت الحكومة اليونانية عرضت إجراءات تقشفية جديدة على البرلمان، أُقرت الأسبوع الماضي رغم الإضرابات والمظاهرات، لكن التطبيق مؤجل إلى 2019. ويبلغ مجموع قيمة تلك الإجراءات نحو خمسة مليارات يورو من التوفير عبر اقتطاعات في رواتب التقاعد وزيادة في الضرائب. وكان المأمول أن يُخفف الدين اليوناني منذ أشهر لاستبعاد خطر خروج أثينا من الاتحاد، وتخفيف حدة القلق في منطقة اليورو.
البرتغال... نموذج أوروبي لتخطي المصاعب المالية والاقتصادية
البرتغال... نموذج أوروبي لتخطي المصاعب المالية والاقتصادية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة