مخرج إيراني يتحدّى النظام ويطرق «الطبل»

تلقى الدعم من فرنسا وعرض في إيطاليا

المخرج كيوان كريمي -  في شوارع المدينة.. لقطة من «طبل»
المخرج كيوان كريمي - في شوارع المدينة.. لقطة من «طبل»
TT

مخرج إيراني يتحدّى النظام ويطرق «الطبل»

المخرج كيوان كريمي -  في شوارع المدينة.. لقطة من «طبل»
المخرج كيوان كريمي - في شوارع المدينة.. لقطة من «طبل»

تحت وطأة حكم إيراني يُخير مواطنيه بين طاعة عمياء وعقاب صارم، من دون أن يقيم وزناً لخير أبنائه وطموحاتهم، وفي ظل إجحاف يحيط بتطلعات فنانيه ومثقفيه، ويحد من قدرتهم على التعبير، معتبراً أنّ سبيلهم الوحيد للعمل هو الاصطفاف وراء النظام، حقق المخرج الإيراني الجديد كيوان كريمي في فيلمه «طبل»، بتمويل فرنسي كامل، مؤكداً حقه كمواطن عادي، في التمتع بحرية التعبير، بل تحديه للسلطات التي كانت أمرت بسجنه لستة أعوام خُفّضت لسنة، تبعاً لضغوط المثقفين في الخارج، ولو أنّها أبقت على العقوبات الأخرى من 223 جلدة، وإجباره على دفع غرامة مالية قدرها 20 مليون ريال إيراني (نحو 650 دولارا) ومنعه عن العمل.
صدر الحكم عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وحجّـته أنّ المخرج حقق فيلماً تسجيلياً بعنوان «الكتابة على المدينة»: مدته 60 دقيقة، أنجزه عام 2012، عندما كان محمود أحمدي نجاد يخوض معركة إعادة انتخابه للرئاسة.
يحيط الفيلم بكل تلك الشعارات المناوئة للقيادة الإيرانية مكتوبة على جدران المدينة الكبيرة، تعكس الرغبة شبه الخفية في التحرر من جور الحكم وتبديل المجتمع السياسي الحاكم بآخر أجدر منه بتمثيل الشعب بكل فئاته.
كلمات مثل «ديكتاتور» و«تغيير»، تلتقطها الكاميرا لجانب رسومات كبيرة لفنانين تسربوا ليلاً ليعكسوا آراءهم الممنوع التعبير عنها.
الحكم ليس وحيداً من نوعه في إيران اليوم، لكنّ ذيوع قضية المخرج (الكردي)، ساعدته في تلقي الدعم المعنوي من ثلاث مهرجانات عالمية هي، سان سيباستيان وكان وفنيسيا. مثل جعفر باناهي فقد حُكم على كريمي بالتزام منزله ومُنع عليه التصوير.
على الرغم من هذا الحجر، قرر كريمي في مطلع العام الماضي، بعد حصوله على ميزانية وفرتها له شركة إنتاج فرنسية اسمها «أفلام بعد الظهر» (Les Films de l‪›‬Aprés‪ - ‬Midi)، وانطلق لإنجاز فيلمه الجديد «طبل»، أول عمل روائي طويل له. وهو العمل الذي فاجأ به النقاد عندما نجح في إرساله إلى مهرجان فينيسيا الإيطالي الأخير، ليشترك في قسم «أسبوع النقاد» الرسمي.
* العلبة المخفية
بعيداً عن كل هذه المعطيات الإنسانية والسياسية، يشكل «طبل» عملا فنيا رائعا في كل دقيقة من دقائقه الـ95، وهو مختلف عمّا يتوقعه المشاهد من السينما الإيرانية، تلك المنضوية أو المناوئة. فهو شديد الثقة بما يريد تحقيقه وكيف يريده أن يكون.
يفتح على مشهد أخاذ في توقيته وتصويره وإدارته، ليدلف منه إلى مشاهد موازية دوماً لكل هذه العناصر. مشهد الافتتاح ليلي لسوق المدينة المقفل، والرياح تعبث بالأوراق والأكياس فتتطاير.
من عمق الصورة يأتي رجل يجر إحدى قدميه جراً كما لو أنّه خرج من توه أو من معتقل ما، حيث تلقّـى ما سيلازمه لزمن من عنف وضرر. الكاميرا تتراجع أمامه ثم تنتقل إلى سلم بناية بلا مصعد، وتصوّر الرجل ذاته وهو يتحامل على نفسه ليصل إلى الطابق العلوي الذي يريد.
يدخل الرجل الذي لا اسم له كما جميع شخصيات الفيلم، منزل محام خالي الوفاض (نتعرّف عليه وهو جالس قرب مكتبه رافعاً قدميه الحافيتين إلى حافة النافذة وماداً يده بكسل إلى حيث ينظف بعض ما التصق على الزجاج). يضع الرجل الزائر أمام المحامي علبة مغلفة بورق جرائد لا (ولن) نعرف ما فيها طالباً منه الحفاظ عليها.
إثر مقتل ذلك الرجل في حادثة اعتبرت قضاء وقدراً ومن قِبل مجهولين، يتعرض المحامي لضغوط من رجل ورجاله الذين يصرون على إجبار المحامي تسليمهم العلبة، الذي كان قد أخفاها تحت بلاط منزله.
يلاحظ المشاهد لدى وضع المحامي العلبة في الحفرة تحت البلاط، أنّها تحتوي على صناديق وطرود أخرى. ويظهر وكأنّه حافظ لأسرار كثيرة ولا يبوح بها لأحد كما لا يخون أصحابها.
يقاوم المحامي الضغوط والتهديدات، لكن زوجته تدفع الثمن حياتها بعد خطفها وقتلها. يجتمع المحامي مع رئيس «الزمرة» العصابة، للتفاوض، ثم يخبره استعداده لتسليم الطرد في ساعة متأخرة من الليل. عندما يصل الرجال الثلاثة لتسلّم الطرد، يخبرهم المحامي بأن الأمانة موجودة في حفرة بالحديقة يطلب منهم استخراجها بأنفسهم. وكان المحامي قد حبك خطة ذكية للتخلص منهم، فما أن باشروا بعملية الحفر العمل حتى انهارت الأرض الخاوية تحت أقدامهم وسقطوا وقضوا في حفرة عميقة.
لا نرى أي موت في الفيلم. لا موت الرجل الأعرج ولا موت زوجة المحامي ولا موت الرجال الثلاثة، لكن الحياة في خلفية الحكاية تنبعث مثل نار مضطرمة: المكان إيراني (ولو أن اسم المدينة مجهول). الزمرة الشريرة تنتمي إلى السُـلطة (وإلا لقام المحامي بإبلاغ السلطات عنها). وبالطبع فإن اللغة الناطقة في هذا الفيلم فارسية. إلى ذلك، يضيف المخرج كريمي شخصية صديق مدمن، يتوهم أنّه لا يزال يعمل في المخابرات، إذ يتحدث إلى زر ياقته طوال الوقت كمخبر مزوّد بجهاز تواصل.
* عين الكاميرا
لتأكيد الدلالات السياسية في هذا العمل، هناك المدينة الراكدة في عتمة غير مريحة. الجو القابض على الأنفس. الحياة الضحلة في الشوارع. وإن لم تكن كل هذه الصور كافية، يُسمع في الحوار عبارات مثل «المدينة مليئة بالمغتصبين» وفي أحد المشاهد العاكسة لرؤية الفيلم وبطله، يدخل المحامي مرحاضا مسدوداً. تُنصب الكاميرا فوق البالوعة وتتقدم صوبها بإصرار: إنّها رمز الواقع كما يراه المخرج من دون هوادة.
صوّر المخرج فيلمه بالأبيض والأسود، وتأنى في تصويره. الكاميرا تتحرك، لكنها عندما تفعل تستلهم من سينما المجري بيلا تار شروط تلك الحركة المواكبة لمشاهد طويلة الأمد والتركيب. التوليف متمهل ومتباعد. يسرد كريمي ما يريده عبر التصوير الثابت أو المتحرك، ودائما من الزاوية الصحيحة. يترك للكاميرا تصوير المكان وبيئته. مشهد مثل لقاء المحامي بالعصابة الخطيرة في طابق علوي في عمارة ما زالت تحت أعمال البناء (خالية من العمال)، ينص على مشهد بعيد للمجموعة (المحامي والرجال الثلاثة)، ثم تبتعد الكاميرا ببطء شديد كما لو أنّ صمت المكان يتحول إلى شاهد للحوار القليل والهم الكثير الجاثم فيه.
عندما يغادر المحامي سيارة الأجرة، بعد أن ثبتت الكاميرا على وجهه، تبقى الكاميرا في مكانها لفترة غير قصيرة. وفي مشهد حمام تركي تبدو الكاميرا كأنّها لا تريد أن تفعل شيئا سوى أن تراقب الرجال وهم جالسون أو يستحمون. لكن في كل تلك المشاهد وسواها تتحدّث الصورة بالأبيض والأسود والحركة البطيئة لتخبر الكثير من ثنايا الواقع.
المخرج يستخرج من الواقع الحياة التي فيه، ويعرض للمشاهد عالماً قاتماً، أحسن تصويره بالأبيض والأسود بجمالية بديعة مع كل التناقضات بين هذين اللونين، ما يسمح بإبقاء البؤرة على الموضوع الماثل بصرف النظر عن حجم اللقطة.
الكتابة والتنفيذ يحيلان الفيلم إلى النوعية التشويقية القائمة على لغز (ما هو محتوى علبة المتاعب هذه)، وعلى الخطر (ما قد يتعرض إليه المحامي)، لكنّنا لسنا إزاء فيلم هوليوودي ولا يحاول أن يتشبّه بلقطات من النوع البوليسي وشروطه. ما يفعله الفيلم هو أن يبقي مشاهده مسلوباً بقوّة العرض من ناحية، وقوة الإيحاء بخلفية ما يدور في الوقت ذاته. الفيلم هو شهادة ميلاد لموهبة تولد كبيرة وتتقدّم على سواها من مخرجي السينما الإيرانيين من حيث الإصرار على أن يتولى الفن تقديم الرسالة في مقابل الاهتمام الغالب لمعظم أترابه في تفضيل الرسالة على الفن. كيوان كريمي له عين ثاقبة وذكاء مرهف وقدرة على أن يغلّف طروحاته السياسية بغلاف فني لا يحتمل التكلّـف أو التأويل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.