مراجعات «الحلم الأميركي» في معرض لندني... هوليوود والاستهلاكية وامتلاك القمر

أكثر من 200 مطبوعة لـ70 فناناً أميركياً استلهموا أعمالهم من محيطهم

محطة بنزين لإيد روشا (1966) التي تمثل الاستهلاكية والاتساق المجتمعي - مارلين مونرو بالألوان لوارهول (1967) على أحد جدران المعرض القرمزية - 10 مطبوعات ملونة للكرسي الكهربائي من أعمال آندي وارهول (1971) (تصوير: جيمس حنا)
محطة بنزين لإيد روشا (1966) التي تمثل الاستهلاكية والاتساق المجتمعي - مارلين مونرو بالألوان لوارهول (1967) على أحد جدران المعرض القرمزية - 10 مطبوعات ملونة للكرسي الكهربائي من أعمال آندي وارهول (1971) (تصوير: جيمس حنا)
TT

مراجعات «الحلم الأميركي» في معرض لندني... هوليوود والاستهلاكية وامتلاك القمر

محطة بنزين لإيد روشا (1966) التي تمثل الاستهلاكية والاتساق المجتمعي - مارلين مونرو بالألوان لوارهول (1967) على أحد جدران المعرض القرمزية - 10 مطبوعات ملونة للكرسي الكهربائي من أعمال آندي وارهول (1971) (تصوير: جيمس حنا)
محطة بنزين لإيد روشا (1966) التي تمثل الاستهلاكية والاتساق المجتمعي - مارلين مونرو بالألوان لوارهول (1967) على أحد جدران المعرض القرمزية - 10 مطبوعات ملونة للكرسي الكهربائي من أعمال آندي وارهول (1971) (تصوير: جيمس حنا)

أميركا في الستينات... بلاد التأمت جراحها من ويلات الحرب العالمية الثانية وزالت إجراءات تقنين مواردها. ازداد عدد سكانها بعد تدفق أوروبي مهول في أمل تحقيق «الحلم الأميركي». مصانعها منتجة لكل ما يتمناه المواطن، وشوارعها المتشابهة تزينت بلافتات دعائية ضخمة. ناطحات سحاب ومحطات وقود على مد النظر. مواطنون يشبهون بعضهم بعضاً، شهيتهم الشرائية مفتوحة، وطموحهم، «حياة أفضل أكثر ثراء وسعادة». الحرب الباردة والمنافسة مع القوة السوفياتية لا تعنيهم مباشرة، لكنها تزيد من وطنيتهم و«أميركيتهم». هذه قشور «الحلم الأميركي»، إلا أن اللب معقد ومركب، ولكل أميركي تفسيره الخاص، وهويته المركبة.
يأتي معرض «الحلم الأميركي» في لندن لإزالة الطبقة العليا للمفهوم، ونقده ومراجعته عن طريق فن الطباعة. الأعمال الفنية تروي تاريخ أميركا الحديث من الستينات إلى يومنا هذا.

تاريخ حافل
جدران المدخل لقاعة «ساينزبوري» في المتحف البريطاني اللندني قرمزية، وتعتليها مطبوعات بمختلف الألوان للراحلة مارلين مونرو. المطبوعات لفنان «البوب أرت» الأميركي الشهير آندي وارهول تدفع من يسرح فيها إلى الهلوسة. بداية جريئة لمعرض «الحلم الأميركي: من البوب وإلى الحاضر»، كما أنها بداية مفاجئة، خصوصاً أن هذه القاعة عرضت منذ افتتاحها عام 2014 تاريخ الحضارات القديمة.
بالفعل، قرار تكريس معرض ضخم يحتوي على أكثر من 200 مطبوعة لـ70 فناناً لم يكن متوقعاً، فحتى إلى يومنا هذا، يظل فن الطباعة مهمشاً وتغطي على أهميته فنون الرسم والنحت وغيرها. إلا أن القائم على المعرض، ستيفين كوبل، أصر على توفير منصة ضخمة ليلمع منها هذا الفن المظلوم.
وعلى مدار الستة عقود الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة تاريخاً حافلاً من سباقها إلى الفضاء إلى بداية عصر العولمة وازدياد الصناعة، والدعاية، والاستهلاكية. وكان لفن الطباعة دور في سرد تفاؤل ستينات القرن الماضي التي هزمتها خيبة أمل كسرت صورة «الحلم الأميركي» بعد سلسلة اغتيالات في البلاد؛ كان مطلعها مقتل الرئيس الأميركي السابق جون كيندي ومارت لوثر كينغ. إلى جانب حرب فيتنام والمظاهرات الشعبية والغضب الطلابي.
وبرع فنانو الطباعة في التنقيب عن الاستلهام من محيطهم... لوحات الإعلان الضخمة في الشوارع، والسياسات الدولية، وصعود هوليوود، وحتى الأدوات الإلكترونية المنزلية الحديثة. وكونوا مطبوعات تنافس اللوحات والمنحوتات لأن فن الطباعة اخترق جمهوراً متنوعاً وواسعاً.
وجسد ابتكارهم وإبداعهم التقني قوة أميركا العظمى وتأثيرها على العالم في تلك الحقبة. كما خاطب كثير من الأعمال الشروخ العميقة في المجتمع الأميركي التي لا يزال بعضها حياً إلى يومنا هذا، فهنالك حلم أميركي مختلف في تخيل كل مواطن.
ويعرض «الحلم الأميركي» مجموعة غنية من فن المطبوعات الحديثة للمرة الأولى، إلى جانب قطع فنية شهيرة جمعت من متاحف العالم ومقتنيات هواة جمع القطع الفنية.

ألوان مخدرة ورسومات ساخرة
قد تكون أعمال الفنان الأميركي من أصل تشيكي آندي وارهول ليست فقط بطلة هذا المعرض، بل نجمة حقبة الستينات والسبعينات في فن الطباعة و«البوب أرت». 10 صور لوجه الفنانة الأميركية الراحلة مارلين مونرو على الحائط القرمزي تقابلها 10 مطبوعات ملونة أخرى لكرسي الإعدام الكهربائي. استلهم وارهول مواضيعه من المجتمع الذي كان حوله وفسره بالتكرار والألوان. لأعماله تأثير الأقراص المخدرة، ومن يسرح فيها قد يسافر حيث الهذيان والتنويم المغناطيسي. التكرار يرمز للاتساق في المجتمع والاستهلاكية. كرسي كهربائي بالأبيض والأسود، ثم بألوان مبهجة وصارخة كالليلكي والأصفر تضعف إحساس الخوف، وهكذا يشعر المستهلك عند استنزاف السلع، بفقدان الإحساس. وفي سياق صور مونرو كان وارهول يقول: «التكرار يضيف إلى السمعة». وعلى غرار أعمال وارهول قطع لجيمس روسينكويست التي تمحورت أعماله حول الاستهلاكية المنزلية والحربية في الولايات المتحدة.
أما روي ليشتنستاين النيويوركي الذي خدم في الحرب العالمية الثانية فعاد لأميركا عندما كان يعيش عامة سكانها على آمال «الحلم الأميركي»، واختار تفسيره، ونقده بمطبوعاته الكرتونية الشهيرة. تظهر خفيفة الظل، إما لحسناء أميركية، أو سلعة استهلاكية سطحية. رسومات كرتونية قد يصفها من يراها دون التمعن بها بالطفولية. إلا أنها تحمل معاني عميقة وتسخر من حال المجتمع الذي انشغل بالمادة. وتناولت بعض مطبوعاته أيضاً حرب فيتنام التي كان من أشد معارضيها.

عمالقة الطباعة
اقتحم كل من جاسبر جونز وروبرت راوشنبيرغ وجيم دون فن صناعة المطبوعات في مطلع ستينات القرن الماضي، بعد أن كانوا رسامين ماهرين. ويعتبر جونز أحد أهم فناني تلك الفترة وركزت أعماله على التكرار والتنوع أو كما رآها، «تفسير أبعاد الأمور»، وبحثت عن الهوية والمعاني. ومن أعماله التي يقف الزائر لتمعنها مطبوعة للعلم الأميركي مكررة مرتين. وعند أول وهلة، يعتقد المرء أن العلمين متطابقان. إلا أنه عند الاقتراب من المطبوعة، نرى الاختلافات في الألوان والمواد والتنقية المستخدمة. ومن الممكن أن نربط هذا الاختلاف بين العلمين، بالاختلافات في هوية الأميركيين، الذين يحمل لهم هذا العلم معاني مختلفة.
أما راوشنبيرغ فكان مسكوناً بالتطور التكنولوجي والعسكري في البلاد، والحرب الباردة التي أدت إلى منافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في امتلاك الفضاء. ومن أبرز أعماله مطبوعة للصاروخ الذي أرسل نيل أرمسترونغ إلى القمر عام 1969. هذا العمل الفني أخرجه راوشنبيرغ بتقنية متطورة وتعتبر أكبر مطبوعة إلى يومنا هذا. وعلى خلاف أعماله السوداوية الأخرى التي كانت تنتقد الإدارة الأميركية، حملت هذه المطبوعة أبعاداً وطنية، وعنها قال: «هذا المشروع بدا لي المحاولة الوحيدة لدخول التاريخ بطريقة إيجابية بعيداً عن الحروب والدمار».
يمكننا مقارنة سوداوية أعمال راوشنبيرغ بالعزلة المتمثلة في مطبوعات جيم دون الذي أطلق سلسلة من «الصور الشخصية»، إلا أن جميعها لم يحتوِ على وجوه.

{بنزين» على مد النظر
انتقل ايد روشا من مدينة أوكلاهوما للعيش في مدينة الشهرة والأحلام، لوس أنجليس. واستلهم أعماله من محيطه، اللافتات المبالغة، والتعبيرات المنتشرة، والدعايات المفرطة. وبرزت مطبوعة لصورة محطة وقود (بنزين) بين أعماله في عام 1966 التي تمثل توحيد المجتمع وعجزاً في التميز أو البروز من بين الجماعة. الوقود يشغل السيارات التي كان من ضمن حلم أي أميركي أن يمتلكها ويقودها.
وتضم أعماله الأخرى مطبوعة للافتة «هوليوود» الشهيرة وأخرى لشارعين متقاطعين قرر أن يسميهما «سهل» و«وحيد». كلها تجسيدات لمضار الاستهلاكية المفرطة التي اعتمدها المجتمع الأميركي آنذاك. وتبعه الفنان بروس نيومان الذي أدخل أضواء النيون لأعماله، بينما اختار الفنان واين ثايباود تجسيد الحياة اليومية الأميركية «المثالية» من الفطور الأميركي إلى الحلويات الشهيرة.

دهاليز غاضبة
النصف الثاني من المعرض يحتل المساحة الأصغر. لكنه أكثر غضباً وقوة. تصطحبنا الدهاليز الملتوية التي تحمل جدرانها فناً حديثاً وصارخاً إلى سلسلة من الأحداث التي بددت يوتوبيا الحلم الأميركي من الانكماش الاقتصادي إلى وباء الإيدز وتفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والقضايا الشائكة المتعلقة بالعرق والجنس. وبالفعل تتغير نبرة المعرض لتركز على القدرة الترويجية التي تمتلكها الطباعة، وكيف انتقل عالم النشر من أداة لتوثيق أخبار وصور المشاهير - كما في مطلع أيام «البوب أرت» - إلى وسيلة للتغيير السياسي من صورة ريتشارد نيكسون لآندي وارهول التي اختار فيها أن يلون وجه الرئيس الأميركي الأسبق بالأخضر احتجاجاً على سياساته، إلى أعمال أخرى تخاطب قضايا حقوق المرأة والتفرقة العنصرية. عندما بدأ كوبيل بالتحضير للمعرض قبل 5 أعوام، لم تكن رئاسة ترمب حقيقة. ومع أنه اختار عدم تناول أميركا «الترمبية» الجديدة، أو الإشارة المباشرة إلى الرئيس الجديد، فإن المعرض يختتم بأعمال ايد روشا المعدنية المعتقة التي تحمل عبارات مثل «طريق غير نافذة» التي تعبر عن انتهاء الحلم الأميركي. وفي تفسير آخر قد تعني الرمزية تغير تصور الحلم الأميركي أو صرخة لمحاولة إنعاشه.
يذكر أن المعرض تحت رعاية شركة «مورغان ستانلي» ومؤسسة «تيرا» للفن الأميركي يستمر لغاية 18 يونيو (حزيران) المقبل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».