تبحث مختلف الهياكل الاقتصادية التونسية، سواء في القطاع العام أو الخاص، عن طرق ناجعة لدخول الأسواق الأفريقية الواعدة، واستثمار نسب النمو الهائلة التي تحققها اقتصادات الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة. وتسعى إلى تجاوز عدد من العراقيل والحواجز، من بينها عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع نسبة المخاطر، وصعوبة المواصلات والنقل، وعدم وجود هياكل ممثلة لمختلف الدوائر الحكومية التونسية المهتمة بالتجارة والاستثمار، في معظم البلدان الأفريقية.
ومن بين الحلول التي بادرت تونس باتخاذها، يمكن الإشارة إلى تشكيل المجلس الاقتصادي للأحزاب السياسية الأفريقية، وذلك إثر اجتماع في تونس على مدى يومي 18 و19 مارس (آذار) الحالي. وانتخب المشاركون في هذا الاجتماع تونس رئيساً للمجلس الاقتصادي المذكور، والسنغال نائباً أول، وإثيوبيا نائباً ثانياً، ورواندا مقرراً عاماً. وقد وقع الاتفاق على أن يكون مقر المجلس الاقتصادي للأحزاب السياسية الأفريقية في تونس.
واتفق المشاركون أيضاً على توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الاقتصادي الأفريقي والمجلس الاقتصادي لأميركا اللاتينية والكاريبي. وقد أبرز المتدخلون في الاجتماع «الأهمية البالغة التي يكتسبها إحداث هذا المجلس، وما يمكن أن يحققه على مستوى التنسيق بين الدول الأفريقية، من أجل حسن استثمار الفرص المتاحة».
ويتولى المجلس الاقتصادي للأحزاب السياسية التعريف باقتصادات البلدان الأفريقية المختلفة، وتكثيف حملات التوعية كمرحلة أولى، وحشد رجال الأعمال والمستثمرين من خلال تنظيم ورشات عمل تسلط الضوء على فرص الاستثمار وقوانينها في مختلف هذه البلدان.
وسيعمل المجلس على دفع الاستثمارات بين البلدان الأفريقية، والتشجيع على إرساء شراكات مع بقية العالم، ومن ثم الإسهام في تحقيق الانتعاشة الاقتصادية في بلدان القارة.
وفي واقع الأمر، وعلى مستوى الإحصائيات، لم تتجاوز حصة المبادلات التجارية لتونس مع البلدان الأفريقية حدود 11.7 في المائة، في حين أنها تبلغ نحو 76 في المائة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، سواء على مستوى الصادرات أو الواردات، مما يجعل الفضاء الأوروبي يحتل المرتبة الأولى كشريك أساسي للاقتصاد التونسي.
وعلى مستوى المبادلات التجارية مع القارة الأفريقية، تصدر تونس أغلب منتجاتها إلى بلدان المغرب العربي، حيث احتلت ليبيا صدارة الدول التي يتم التعامل معها، تليها الجزائر، ثم المغرب، ثم إثيوبيا، ثم مصر. أما الواردات التونسية، فهي أيضاً آتية من ليبيا باعتبارها أهم مزود لتونس، تليها الجزائر، ثم مصر والمغرب، تليها كوت ديفوار.
وتصدر تونس إلى البلدان الأفريقية الأوراق المصنعة، والأسمنت، وبعض المواد الصناعية كالبلور والخزف. أما الواردات، فتتمثل أساساً في المواد الغذائية، والمواد الأولية، وبعض المعادن على غرار الحديد. وقد بلغ عجز الميزان التجاري في قطاع المواد الأولية نحو 370 مليون دولار، وناهز العجز في قطاع المواد الغذائية نحو 578 مليون دولار.
ويعود ضعف التجارة التونسية مع البلدان الأفريقية بالأساس إلى ضعف التجارة البينية مع دول القارة السمراء. وتؤكد المؤشرات أن بلدان القارة الأفريقية تشهد عدة عراقيل للنهوض بالتجارة البينية، على غرار تنامي القطاع الموازي، وصغر حجم المؤسسات الأفريقية، بالإضافة إلى ضعف العلاقات المؤسساتية الاقتصادية.
وتتطلب عملية النهوض بالعلاقات التجارية مع أفريقيا، وفق الخبراء في المجال الاقتصادي والمالي، تبسيط إجراءات الاستثمار، وتوفير المعطيات الكافية حول مناخ الاستثمار، علاوة على تبسيط النظام الضريبي، وتسهيل عمليات التمويل، ودعم القطاع الخاص، وتطوير مهارات اليد العاملة.
وفي السياق ذاته، شاركت تونس يومي 17 و18 مارس الحالي في تظاهرة إطلاق مبادرة «الشراكة مع أفريقيا»، التي نظمتها الرئاسة الألمانية لمجموعة الـ20 بمدينة بادن بادن الألمانية، بمناسبة انعقاد اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بالدول العشرين الكبرى.
وقدمت تونس مجموعة من المقترحات التي تهم عدداً من المجالات والبرامج التي يمكن إدراجها ضمن المبادرة الألمانية «الشراكة مع أفريقيا»، بما يخدم العلاقات الاقتصادية مع بلدان القارة الأفريقية.