ليست أفغانستان تلك الدولة المحافظة التي شهدت قرابة أربعة عقود من الحرب وما زالت شظاياها تتواصل بتلك القتامة التي تصورها بعض وسائل الإعلام الأجنبية، وليس الحرب والاقتتال الشغل الشاغل للأفغان، فهناك مساحات واسعة لخلق مجال للأمل والحياة بكل حلاوتها وجوانب المتعة فيها. المرأة الأفغانية التي عانت ولا تزال كثيرا من تبعات الحرب وويلاتها وهي تعيش شبه محرومة من أبسط حقوقها التي كفلتها لها القوانين والدساتير تحاول جاهدة الخروج عن المألوف وخرق العادات والتقاليد القبلية المحافظة والمجحفة بحقها، خصوصا بين قبائل الباشتون المعروفين بعاداتهم القبلية المتشددة فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها. أن تغني المرأة الأفغانية وتخوض مجال الموسيقى من أكبر الكبائر في بعض القبائل، ومن المحتمل أن تفقد حياتها، وهناك أمثلة كثيرة حدثت مع بعض المغنيات الباشتونيات اللواتي قتلن على أيدي أقاربهن في مناطق الجنوب الأفغاني وشرقه أو في بعض مناطق القبائل الممتدة في الحدود الباكستاني.
برنامج «من يفوز بلقب نجم أفغانستان؟» خرج عن المألوف، وخرق جميع القوانين القبلية وعاداتها المتشددة فيما يتعلق بالسيدات والفتيات، فقد تجرأ كثير منهن على دخول المسابقة وهي في نسختها الثانية عشرة التي تبث عبر قناة تلفزيونية خاصة «طلوع». في هذه النسخة والدورة الجديدة وكالعادة شارك عشرات المتسابقين وعدد قليل من المتسابقات من بعض المحافظات الأفغانية حتى تلك التي لا تزال تشهد حربا ضروسا بين الحكومة وداعميها من قوات التحالف الدولي ومقاتلي طالبان الذين يسعون للإطاحة بحكومة كابل التي يصفونها بـ«العميلة». المتسابقون يتنافسون على الحصول على لقب «نجم البلاد» في الموسيقى، ليفتح أمامهم بابا واسعا من الشهرة والثروة، وهذا ما حدث بالفعل لبعض هؤلاء الذين فازوا باللقب خلال سنوات البرنامج الناجح الذي لم يخل من توجيه التهم والانتقادات الكبيرة من قبل بعض علماء أفغانستان الذين يرون في الغناء والموسيقى انحرافا عن الطريق المستقيم.
زلالا هاشمي فتاة أفغانية ولدت وترعرعت في أسرة باشتونية محافظة في ولاية ننجرهار شرق البلاد، أحبت الموسيقى والطرب منذ الصغر، وتقول إنها كانت تستمع إلى الغناء بلغتي الباشتو والداري، وهما اللغتان الرسميتان في البلاد، عبر موجات إذاعة «إف إم». وقررت المشاركة في البرنامج بعد أن تركت الدراسة وهي تدرك خطورة الموقف بالنسبة لها ولسمعة عائلتها في المدينة والقرى المحيطة بها في مسقط رأسها، لكنها قررت خوض التجربة، لأنها وببساطة لا يمكن أن تعيش من دون موسيقى، كما تقول قبل الدخول في تسجيل الحلقة الأخيرة من البرنامج وهي تنافس الرجل على اللقب.
ولم يكن من المتوقع أن تصل هذه المطربة المبتدئة، عمرها 18 عاما فقط، ومغني راب جمال مبارز، كان حلاقا، إلى نهائي سباق تلفزيوني للمواهب يوفر للأفغان تسلية تحظى بترحيب، بعيدا عن إراقة الدماء اليومية في البلاد.
ويتنافس الاثنان في أن يصبح أحد منهما «نجم الأفعان» القادم. وسباق هذا العام هو أكثر السباقات خروجا على المألوف، كما قيل إلى الآن في بلد شديد المحافظة، حيث كانت حركة طالبان تحظر الموسيقى، وحيث ينتشر رفض الثقافة الشعبية ذات الطابع الغربي، وكان من المفترض أصلا إذاعة السباق النهائي على الهواء، ولكنه جرى تسجيل السباق مسبقا بعده بيوم واحد بعد موجة من الهجمات شنها مسلحو طالبان، وتلك المنسوبة إلى مقاتلي الدواعش في العاصمة كابل، وإعلان اسم الفائز ليل الثلاثاء، ووصلت إلى نهائي السباق زلالا هاشمي، وهي من إقليم ينتشر فيه المتشددون خصوصا «الدواعش» في الفترة الأخيرة في شرق البلاد، تركت الدراسة وواجهت مقاومة من أقاربها في بداية الأمر الذين لم يسعدهم غناؤها أمام جمهور وعبر قناة تلفزيونية. وكانت هاشمي عند اختبارها إحدى امرأتين من بين 300 متسابق، وقالت لوسائل إعلام محلية أثناء الاستراحة بين البروفات وأمها بجانبها في استوديو بالتلفزيون محمي بجدران مضادة للتفجيرات وحراس يشهرون بنادق الكلاشنيكوف، أوضحت للناس أنه يمكن لامرأة أن تفعل ذلك وأن تتجرأ لتخرج للعلن وترفع صوتها من خلال الموسيقى. كما طلبت من كل امرأة أن تبذل مجهودا لتصل إلى هذه النقطة، وفازت هاشمي التي تغني بلغتي الباشتو والداري بآلاف المعجبين الذين صوتوا لصالحها برسائل نصية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال موقع «فيسبوك». وتنافس هاشمي سيد جمال مبارز، وهو حلاق من مدينة مزار الشريف في شمال البلاد أمضى عدة سنوات في إيران، وهو واحد من الآلاف من أقلية الهزارة في أفغانستان الذين طلبوا اللجوء في إيران عبر الحدود الغربية للبلاد. وقال: «مبارز اكتشف الراب في إيران، ويكتب أغنياته منذئذ، ولم يطلب مساعدة من أحد». وقال في خلفية المسرح قبل الدخول في تسجيل الحلقة: «والديّ أميان، لكنهما كانا يشجعانني على الغناء، لذا أعتقد أن بإمكاني كسب تأييد الناس، لكنني لم أعتقد قط أنني سأصل إلى نهائي السباق».
وسباق «نجم أفغانستان» الذي وصل الآن إلى عامه الثاني عشر، من إنتاج قناة «طلوع» التلفزيونية الخاصة. وتغطية القناة للأحداث أثارت غضب حركة طالبان، التي قتلت في العام الماضي سبعة من العاملين في القناة في هجوم انتحاري على حافلة صغيرة تقل الموظفين.
ونُقل السباق إلى داخل مجمع في قلب مدينة كابل. آريانا سعيد، وهي مطربة أفغانية شهيرة تعيش في لندن، وهي من جملة فريق التحكيم للمسابقة تقول إن البرنامج حقق الأهداف التي انطلق من أجلها، وهي تشجيع الفتيات على مطالبة حقوقهن وإدخال الفرحة والسعادة إلى قلوب ملايين الأفغان الذين يعيشون تداعيات الحرب والدمار ومخلفاتها من خلال التسلية عبر الغناء، مشيرة إلى أنه ليس مهما من يفوز باللقب المهم بالنسبة إلينا كمنظمي البرنامج إدخال السعادة إلى قلوب الأفغان والخروج على العادات السيئة التي تمنع الفتيات من المشاركة في البرامج الموسيقية، مضيفة أنها تتمنى من كل قلبها أن تشارك عددا كبيرا من الفتيات في النسخة الجديدة للبرنامج العام المقبل.
مطربة أفغانية تخرج عن المألوف وتصل نهائيات برنامج مواهب
حركة طالبان كانت تمنع الموسيقى وتحرق أدوات الغناء أيام سيطرتها على كابل
مطربة أفغانية تخرج عن المألوف وتصل نهائيات برنامج مواهب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة