رغم الحراك السياسي والعسكري الذي تشهده الأزمة السورية في الفترة الأخيرة، فلا يبدو أن المعطيات تتجه للتوصل إلى «اتفاق رسمي» ينهي هذا الواقع بعد ست سنوات على انطلاق أول مظاهرة في درعا، بحسب ما خلصت إليه ندوة أقامها في بيروت «مركز كارنيغي للشرق الأوسط»، بعنوان: «المرحلة الأخيرة من الحرب في سوريا».
قد يكون ما أعلنه رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلته الأخيرة بالقول إن «الحل السياسي يكمن في اتفاقات المصالحة بين النظام والفصائل المعارضة»، هو الصورة التي سيكون عليها مستقبل سوريا في المدى القريب بحسب ما يرى الباحث الأول في «كارنيغي»، يزيد الصايغ، في حين لا ينفي مالك العبدة، المستشار في مركز الحوار الإنساني، أن وضع المعارضة السورية اليوم بات ضعيفا بعد كل الظروف التي أدّت إلى تراجعها محليا وإقليميا، ويؤكد ذلك سلطان بركات، مدير مركز «دراسات النزاع والعمل الإنساني» لدى معهد الدوحة، لافتا إلى أنه بات هناك شبه اتفاق على بقاء الأسد في الحكم.
وفي حين يعتبر الصايغ المستجدات الأخيرة في سوريا، ولا سيما الميدانية منها، أدخلت الأزمة في المرحلة الأخيرة التي قد تمتد إلى سنتين أو ثلاث سنوات، يرى «أن تصميم روسيا وإيران على بقاء الأسد في السلطة كان أكبر من أي تصميم آخر على إزاحته».
ويشرح: «انعكس التحول في السياسة التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يونيو (حزيران) الماضي على سياسة أنقرة الخارجية بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، بحيث أصبح الأهم بالنسبة إليها هو تغليب المصلحة التركية على أي مصلحة أخرى بما فيها المعارضة، وهو ما أوصل إلى سقوط حلب وما تلاها من أحداث، كان آخرها (المصالحة) في حي الوعر الحمصي على غرار ما حصل في مناطق عدّة بريف دمشق. من هنا، يعتبر أن المسار نفسه سيبقى مستمرا في سوريا، مع ما ستشهده الأزمة من تعقيدات».
وفي ضوء انسداد أفق الحل السياسي «الرسمي» ورفض الأسد التوقيع على اتفاق يضفي الشرعية على أي طرف خارجي ليحدد فيه التركيبة الداخلية لسوريا، سيكون التوجّه، بحسب الصايغ، إلى «إسقاط» «اتفاق المصالحات» أو «التهجير القسري» على كل المناطق الخاضعة للمعارضة التي تعاني من سيطرة «جبهة النصرة» على الشمال، وهو ما يوافق عليه مالك العبدة، رافضا في الوقت عينه التسمية، التي يرى أنها لا تعدو كونها «استسلاما وتهجيرا» وستكون «سلاح النظام» لإنهاء كل «جيوب المعارضة» التي تفتقد إلى طرق إمداد خارجية، متوقعا أن تصل إلى ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وإدلب ودرعا، وهو الأمر الذي سيضعف موقف المعارضة أكثر في أي مفاوضات ويمنح النظام أوراق قوة.
وكما السياسة التركية، يرى الصايغ أن «الخطة الأميركية التي يبقى شعارها الرئيسي بالنسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب (محاربة الإرهاب)، وما ترجم من (حضور استعراضي) لـ(المارينز) في منبج في موازاة التركيز على دعم (قوات سوريا الديمقراطية)، لن تشهد تغيرات جذرية من شأنها أن تغيّر المسار الأميركي في التعامل مع الأزمة السورية». أما عن الاعتماد الأميركي على «الأكراد» في محاربة «داعش»، فيرى الصايغ أن الوضع الكردي سيخضع بدوره في المستقبل إلى أي خطة تطبق في سوريا، التي من الأرجح أن تذهب نحو صيغة «اللامركزية الإدارية»، التي ستجد تركيا نفسها غير قادرة على رفضها.
من جهته، يقسم، مالك العبدة المعارضة، إلى ثلاثة أقسام: «المثاليون» و«الفقراء» و«الوسطاء»، سيتبدّل دورها مع تبدّل الوقائع على الأرض، معتبرا أن من سيحكم سوريا في المستقبل هو «تحالف التجار ورؤوس الأعمال» من طرفي المعارضة والنظام ويصل إلى البرلمان أمراء الحرب وفق الصيغة اللبنانية.
وتحدّث سلطان بركات عن الوضع السوري وعن المرحلة التي ستلي «إعلان الاتفاق عن بقاء الأسد»، وقال إن «الصفقات السرية التي ستشهدها المنطقة ستنعكس سلبا على مستقبل سوريا، ومن خلالها، على محاولات إعادة الأعمار التي ستتحكم بها الهبات، ولا سيما الأوروبية منها» في ظل استمرار العقوبات على النظام، متوقعا أن يواجه اللاجئون، إذا عادوا إلى بلدهم، لجوءا ثانيا نتيجة صعوبة عودتهم إلى مناطقهم الأصلية. من هنا يرى، أن اللامركزية، وليس التقسيم، التي من المتوقع أن تكرس في سوريا ستعيق عملية الإعمار، وستزداد المناطق المهمشة تهميشا ويتجذّر الفساد في مفاصل الدولة أكثر وأكثر مع استمرار النظام في الحكم.
«مصالحات النظام» تحكم المرحلة الأخيرة من الحرب في سوريا
خبراء يستبعدون التوصل إلى «اتفاق رسمي» والسياستان التركية والأميركية أضعفتا المعارضة
«مصالحات النظام» تحكم المرحلة الأخيرة من الحرب في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة