ذات مرة مازح الممثل بوب هوسكينز، الذي رحل يوم أمس عن 71 سنة، محدثيه قائلا: «يمكن لـ(الممثل) داني ديفيتو أن يلعب دوري حين أموت».
كان ذلك قبل سنوات والمقارنة التي سعت كلماته لعقدها هي أن كليهما كان قصير القامة. لكن عند هذا الحد، وحقيقة أن كليهما ممثل مال إلى الإخراج لفترة، تنتهي احتمالات المقارنة، ذلك أن بوب هوسكينز أثبت في 31 سنة من الحياة على الشاشة، أنه الأكثر تنوعا وعطاء.
ولد في يوم قصف نازي على بلدة بوري سانت أدموند، مقاطعة سوفولك البريطانية. وضعته أمه في ملجأ بعد أيام من بدء القصف انقطعت فيه عن الذهاب إلى عملها كممرضة. والده، روبرت ويليام هوسكينز، كان سائق شاحنة وأحيانا ما عمل محاسبا. حين ترعرع الصبي بوب (اختصارا لروبرت) عمل أيضا سائقا لشاحنة. فعل ما في وسعه لكي يكون سندا لوالديه ولم يكن التمثيل واردا لديه.
هناك حكاية لم تؤكدها مراجع كثيرة بقدر ما كررتها. في أحد الأيام طلب منه صديق أن يصحبه إلى وكالة تشغيل ممثلين تقوم بعملية «كاستينغ» لدور تلفزيوني. فجأة تقدم منه أحد الموظفين معتقدا أنه واحد من الذين جاءوا يبحثون عن عمل في السينما، وأعطاه سيناريو وطلب منه أن يقرأ دوره. هكذا دخل بوب هوسكينز التمثيل.
بصرف النظر عما إذا كانت الحكاية صحيحة أم لا (وليس هناك ما يثبت عدم صحتها) وجد بوب نفسه، وقد نفذ إلى المسرح والتلفزيون معا. في عام 1972 كان في كومبارس مسلسل بعنوان «الفرصة الرئيسية» ومنه إلى أدوار أخرى من الحجم ذاته لبضع سنوات ازدادت حجما وطموحا في عام 1974 عندما أخذ يلفت الأنظار في مسلسل آخر بعنوان «مسرحية لهذا اليوم». بعد ذلك أصبح وجها يمكن أن تجده في الأفلام أيضا ولو أن غالبية أعماله بقيت تلفزيونية حتى عام 1982 عندما ظهر في دور المدير في الفيلم الغنائي «بينك فلويد: الجدار». إلى أميركا سنة 1984 ليلعب دورا مساندا في فيلم فرنسيس فورد كوبولا «ذا كوتون كلوب» وبعد عامين وجد نفسه في دور رئيس في «مونا ليزا»، لنيل جوردان.
قبل ذلك، في عام 1980، أبدى قدرة على تمثيل شخصية الرجل العنيف. ابن الشارع والعصابة المحنك، وذلك في «يوم الجمعة الطويل الطيب» لجون ماكنزي. في عام 1987 عاد إلى هذه النوعية من الأفلام مرة أخرى في «صلاة للميت».
روبرت زميكيس اختاره ليكون الممثل الحي في أول فيلم يجمع بين الأنيميشن والصورة الحية داخل المشهد الواحد وذلك في «من ورط روجر رابيت». أبلى هوسكينز بلاء حسنا ليشق طريقا ناجحة في هوليوود ولو حافظ في الوقت ذاته على صلاته بالسينما البريطانية.
من بين الأفلام الأخرى التي مثلها «حالة قلب» لجانب دنزل واشنطن و«نيكسون» (لاعبا دور ج. إدغار هوفر، رئيس أف بي آي) لجوانب أخرى كثيرة مع أفلام ومسلسلات تلفزيونية حين وجد الوقت الكافي لذلك.
مزيد من هوليوود
مثل مايكل كاين، حافظ هوسكينز على لكنته «الكوكنية» في غالبية ما مثله من أفلام. أحبه الناس لذلك كون اللكنة تعكس خلفية شعبية واقعية ليست في متناول ممثلين كثيرين أن يعكسوها.
لكن ما حدث في السنوات الأخيرة كان عكس كل التوقعات. هوسكينز الذي برع في الأدوار كافة ووجه بسلسلة من الأفلام الكوميدية التي لم تكن أهلا لتطوير مكانته خصوصا وأن نجاح «من ورط روجر رابيت» جعله مطروحا لأدوار تستخدم فيها المؤثرات على أنواها كما الحال في «ابن القناع» و«غارفيلد» (أنيميشن) و«هوك» (لستيفن سبيلبرغ) و«بينوكيو».
في الحقيقة، كان من المؤسف مشاهدته في آخر أفلامه، «سنو وايت والصياد» يؤدي شخصية واحد من أقزام «سنووايت» السبعة. للغاية جرى تصويره كما هو ثم تقزيمه على المؤثرات حتى غابت ملامحه، مختلطا بالممثلين الستة الآخرين الذين رضوا بأدوارهم ربما باعتقاد أنهم ينجزون ما هو فريد، أو ربما لأن الحاجة للعمل كانت ملحة.
لا نعلم سبب قيام بوب هوسكينز بالدور المذكور، لكنه على الغالب أدرك بعد ذلك أنه من الأفضل إعلان اعتزاله. صحيح أن التبرير كان أنه اكتشف أنه مصاب بمرض «باركنسون»، لكن ربما هناك جزء من سبب آخر. لقد وصل إلى القمة. أحبه الناس وأراد أن يبقى هناك.
مهما يكن من أمر، فإن هوسكينز ترك وراءه مزيجا من الأدوار التي جعلته محبوبا بصرف النظر عن ماهية ذلك الدور. إلى جانب الرجل الخشن والعنيف في أفلامه الأولى، مثل شخصية الرجل الطيب تساعده في ذلك عيناه اللتان تعكسان تلك الطيبة بلا مواربة.
لعب في أفلام كوميدية ودرامية وأثنى على أدوار تاريخية. ربما دخل التمثيل صدفة، لكن أحدا لم يشك بصدق موهبته وقوة البساطة التي احتوتها.