ضغوط على روحاني للكشف عن الأداء الاقتصادي لحكومته

الرئيس الإيراني يرفض الانتقادات الأميركية للانتخابات الرئاسية

الرئيس الإيراني حسن روحاني لدى مشاركته في المؤتمر السنوي للمحامين الإيرانيين أمس في طهران
الرئيس الإيراني حسن روحاني لدى مشاركته في المؤتمر السنوي للمحامين الإيرانيين أمس في طهران
TT

ضغوط على روحاني للكشف عن الأداء الاقتصادي لحكومته

الرئيس الإيراني حسن روحاني لدى مشاركته في المؤتمر السنوي للمحامين الإيرانيين أمس في طهران
الرئيس الإيراني حسن روحاني لدى مشاركته في المؤتمر السنوي للمحامين الإيرانيين أمس في طهران

أقام مجلس «خبراء القيادة» الإيرانية أول اجتماعاته، أمس، بعد رحيل الرجل الثاني في إيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وشهد الاجتماع انتقادات وجهها رئيس المجلس أحمد جنتي إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني حول الأوضاع الاقتصادية وعدم شفافية الحكومة مع الشعب، كما حذر من عودة «الفتنة» مرة أخرى إلى البلاد، وبالتزامن مع ذلك قال روحاني إن حكومته ستقدم تقريراً مفصلاً عن الاقتصاد خلال الأسابيع المقبلة. كما أعرب عن رفضه للانتقادات الأميركية حول انتخابات رئاسية غير حرة في إيران، مطالباً الحكومة الأميركية بإعادة النظر في الانتخابات الأميركية.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، أول من أمس، قد اتهم أطرافاً بشكل غير مباشر بتشجيع الدول الغربية على ممارسة الضغوط الاقتصادية وتطبيق العقوبات، من خلال الكشف عن مواطن الضعف في الاقتصاد الإيراني، وطالب خامنئي المسؤولين بالتركيز على نقاط القوة بدلاً من التطرق إلى هشاشة الوضع الاقتصادي، إن أرادوا إبعاد سيناريو الهجوم عن إيران.
إلى ذلك، استغل جنتي، الذي يعد أحد أبرز وجوه التيار المحافظ، اجتماع مجلس «الخبراء»، أمس، لتوجيه انتقادات لاذعة لسياسة إدارة روحاني الاقتصادية.
وطالب جنتي، حسن روحاني، بتقديم تقرير عن الوضع الاقتصادي وتطبيق سياسة «الاقتصاد المقاوِم» إلى الشعب الإيراني، وفي كلام موجه إلى روحاني الذي حضر الاجتماع وضع جنتي أمامه خيارين؛ أن يعلن خطوات حكومته من أجل تطبيق سياسة «الاقتصاد المقاوم» أو إن تعذر ذلك «تقديم الاعتذار إلى الشعب وإعلان الأسباب وراء عدم حدوث ذلك».
ودخل مصطلح «الاقتصاد المقاوم» إلى الأدبيات السياسية الإيرانية لأول مرة في سبتمبر (أيلول) 2010، بعدما استخدمه المرشد الإيراني في تعليق له على العقوبات الدولية ضد إيران، واقترح خامنئي حينها تبنِّي سياسة تعتمد على الموارد الداخلية ضد العقوبات الدولية، وفرضت التسمية نفسها بقوة منذ أول خطاب لخامنئي، عقب إعلان التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، في يوليو (تموز) 2015، وكان المرشد الإيراني حينذاك اعتبر الاتفاق النووي ذريعة للتغلغل في دوائر صنع القرار عبر الانفتاح الاقتصادي، مشدداً على ضرورة مواصلة سياسة «الاقتصاد المقاوم» كخيار إيراني لمواجهة العقوبات الدولية.
وقال جنتي في الاجتماع السنوي الثاني لمجلس خبراء القيادة: «إن إحدى مآسينا أننا لا نقدم تقريراً للشعب الإيراني»، منتقداً المشكلات السياسية والثقافية في إيران والبطالة، وفقاً لما نقلته عنه وكالتا «مهر» و«إيلنا».
ورداً على تصريحات جنتي، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن حكومته ستقدم تقريراً مفصلاً في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، حول الخطوات التي اتخذها في إطار سياسة الاقتصاد المقاوم.
ويشكل الاقتصاد المقاوم صخرة يتعثر أمامها طموح روحاني لتشجيع دخول الاستثمار الأجنبي والتعاون الاقتصادي الإيراني مع الدول الغربية، لتحسين الوضع الاقتصادي.
وذكر روحاني أنه سيواصل سياسة الاقتصاد المقاوم «لأنه قوة للنظام»، وذلك في إشارة إلى خطاب خامنئي، أول من أمس، حول ضرورة إظهار نقاط القوة في النظام بدلاً من نقاط الضعف.
وتساءل جنتي عن الجهة المسؤولة عن الأزمات الحالية الداخل الإيراني قائلاً: «مَن الذي يجب أن يكون مسؤولاً مقابل كل ذلك؟ قضايانا السياسية في محلها، وقضية الفتنة في محلها».
وطالب بعدم التقليل من شأن ما اعتبره «فتنة» داخل إيران، وقال: «الفتنة لم تنطفئ في إيران والبعض يسعى وراءها».
وتشير تسمية «الفتنة» لدى المحافظين على التيار الإصلاحي والحركة الاحتجاجية التي أطلقها المرشحان السابقان مير حسين موسوي ومهدي كروبي، بعد إعلانهما رفض نتائج الانتخابات الرئاسية (2009)، التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.
في السياق ذاته، أفاد جنتي بأن «أهل الفتنة لديهم مناصب في النظام»، ودعا أعضاء مجلس خبراء القيادة إلى أن يتحدثوا للإيرانيين عن «الفتنة» خلال خطب الجمعة.
وضمن تصريحاته شدد جنتي على ضرورة فرض الرقابة على الانتخابات الإيرانية المقبلة من قبل أعضاء مجلس خبراء القيادة. ووصف انتخابات مجالس البلدية التي تجري في كل المدن والقرى الإيرانية بـ«الكارثة»، لأنه «لا يعرف كيفية النظر في أهلية المرشحين»، ومن المقرر أن تجري بموازاة الانتخابات الرئاسية انتخابات مجالس شورى البلدية.
يُشار إلى أن جنتي يرأس لجنة «صيانة الدستور»، التي تدقق في أهلية المرشحين لمختلف الاستحقاقات الانتخابية في إيران.
وخلال الأيام الأخيرة، أعرب كل من نائب الرئيس الإيراني الأول إسحاق جهانغيري، ونائب رئيس البرلمان علي مطهري، عن تخفيف خامنئي القيود عن التيار الإصلاحي والتوصل إلى مخرج سياسي في قضية كروبي ومير حسين موسوي.
في غضون ذلك، أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري أنه «لا يملك أيّ من ضباط وقادة الحرس الثوري الحق في التدخل السياسي والحزبي في الانتخابات»، وشدد جعفري في بيان مقتضب نشرته وكالة أنباء مخابرات الحرس الثوري (تسنيم) على أن الحرس الثوري سيأخذ وصايا المرشد الأول (الخميني) وأوامر المرشد الحالي (خامنئي) حول عدم الدخول إلى الانتخابات بعين الاعتبار، مطالباً الأجهزة الرقابية في الحرس الثوري بملاحقة ذلك «بدقة ومحاسبة المتجاوزين من دون أي اعتبار».
وخلال الأيام الأخيرة، ظهر قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي. وكان روحاني الأسبوع الماضي خلال مؤتمر اللجان التنفيذية للانتخابات طالب المسؤولين الإيرانيين بالاحتجاج على تدخلات المؤسسات العسكرية في الانتخابات، وإظهار التدخل للعلن إن حصل ذلك.
وكي لا يتأخر روحاني عن اللاعب الأول في المشهد السياسي للتيار المحافظ هذه الأيام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وجَّه رسالة إلى الحكومة الأميركية وطالبها بإصلاح قانون الانتخابات في أميركا، وخلال الأيام القليلة الماضية نشر موقع أحمدي نجاد رسالة موجهة إلى ترمب، واستخدم نبرة ودية لمطالبة ترمب بإصلاح النظام السياسي الأميركي، وإعادة النظر في الانتخابات.
وكان روحاني يرد على سياسيين أميركيين اعتبروا الانتخابات الرئاسية الإيرانية «غير حرة»، وقال روحاني إن الانتخابات الإيرانية «حرة ونزيهة وتنافسية وديمقراطية»، مضيفاً: «أعتقد أن من يريدون نقد الانتخابات الإيرانية يجب عليهم أن ينظروا لانتخاباتهم الأخيرة».
وتابع روحاني: «الانتخابات الأميركية الأخيرة شهدت احتجاج الجانبين، وحتى الرئيس الحالي قبل انتخابه شكَّكَ في سلامة الانتخابات، من أجل ذلك يجب على الأميركيين أن يتنبهوا لانتخاباتهم أكثر».



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».