منبج ساحة مواجهة جديدة... أنقرة تحشد وواشنطن تحرك قواتها

تقدم الروس والنظام باتجاه المدينة يؤدي لنزوح عشرات الآلاف من المدنيين

مركبة «همفي» عسكرية أميركية تقوم بدورية قرب مدينة منبج التي غدت محور اهتمام عسكري بين واشنطن وموسكو وأنقرة والأكراد ونظام دمشق (أ.ف.ب)
مركبة «همفي» عسكرية أميركية تقوم بدورية قرب مدينة منبج التي غدت محور اهتمام عسكري بين واشنطن وموسكو وأنقرة والأكراد ونظام دمشق (أ.ف.ب)
TT

منبج ساحة مواجهة جديدة... أنقرة تحشد وواشنطن تحرك قواتها

مركبة «همفي» عسكرية أميركية تقوم بدورية قرب مدينة منبج التي غدت محور اهتمام عسكري بين واشنطن وموسكو وأنقرة والأكراد ونظام دمشق (أ.ف.ب)
مركبة «همفي» عسكرية أميركية تقوم بدورية قرب مدينة منبج التي غدت محور اهتمام عسكري بين واشنطن وموسكو وأنقرة والأكراد ونظام دمشق (أ.ف.ب)

عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في بلدة منبج بالشمال السوري بالتزامن مع تحشيدات عسكرية من جانب تركيا التي توعد وزير دفاعها، فكري إيشيك، «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية بـ«ضربة قاضية» إذا لم تنسحب من المدينة.
ويزداد المشهد السياسي والعسكري في المنطقة تعقيداً، بعدما دفعت روسيا والنظام السوري بآليات ومدرعات عسكرية إلى ريف منبج الغربي للسيطرة على القرى والبلدات التي سلّمها إياها مجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية المشكّلة من مقاتلي «الاتحاد الديمقراطي الكردي» وفصائل كردية أخرى، مما تسبب بنزوح عشرات آلاف المدنيين من سكان هذه القرى إلى داخل مدينة منبج.
وقال المتحدث باسم التحالف المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة، جون دوريان، عبر موقع «تويتر»، إن الجيش «عزز وجوده في منبج وحولها لردع الأعمال العدائية وتعزيز الحكم وضمان ألا يكون هناك وجود مستمر لوحدات حماية الشعب (الكردية)». وحسب وكالة الأنباء الألمانية، أكد دوريان الصور التي انتشرت عبر الإنترنت وتظهر مركبات للجيش الأميركي تتحرك إلى منبج، مشيراً إلى أن تلك الخطوة تهدف إلى «ردع العدوان وجعل التركيز ينصب على هزيمة» تنظيم داعش.
ويأتي ذلك غداة إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس أن واشنطن على علم بأن هناك قوافل إنسانية يدعمها الروس والنظام السوري متجهة إلى منبج، مشيراً إلى أن «هذه القوافل تشتمل على سيارات مصفحة».
وواصلت أنقرة تحذيراتها للقوات الكردية في منبج ومطالباتها لواشنطن بإخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة الواقعة شرق حلب إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، ولوحت بضربة قاضية لهم إذا لم ينفذوا الانسحاب.
وقال وزير الدفاع التركي فكري إيشيك، في تصريحات أمس (السبت)، إن بلاده تدرك جيداً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري يسعى لتشكيل منطقة خاصة به في شمال سوريا ويظهر جرأة في ذلك، «لكن القوات المسلحة التركية ستنزل الضربة القاضية بهم حين يجرؤون على مثل هذه الأمور».
ولفت إيشيك إلى العملية التي نفذت ضد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي عندما حاول التقدم من عفرين نحو الشرق ومن منبج نحو الغرب، حيث تم تحييد أكثر من 200 من عناصره (التحييد يشمل القتل والإصابة والاعتقال والاستسلام)، قائلاً إنهم لم يجرؤوا بعدها على القيام بحملات كبيرة ضد الجيش التركي لأنهم يعلمون جيداً ماذا سيواجهون.
واعتبر إيشيك أن عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي اتفقت مع النظام السوري وتنظيم داعش الإرهابي، عندما شعروا بجدية تركيا في اقتلاعهم من مدينة منبج، في إشارة إلى تسليم قرى منبج التي يسيطرون عليها إلى جيش النظام السوري، لافتاً إلى أن مناطق الشمال السوري تشهد حالياً تحركاً عسكرياً كبيراً.
وقال إيشيك إن وحدات حماية الشعب الكردية لا تمثل أكراد سوريا ولا تعمل من أجل تأمين مصالحهم وإنها الأكثر إجراماً بحقهم، ودعا الولايات المتحدة وجميع الدول المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، إلى الحذر من التطورات الخطيرة الحاصلة في الشمال السوري، محذراً من عواقب التحرش بالجيش التركي في تلك المناطق.
من جهة ثانية، أعلنت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة، أن «قوات روسية دخلت مع قوات النظام إلى المناطق التي أعلن مجلس منبج العسكري الانسحاب منها». وبثّ ناشطون صوراً لمدرعات عسكرية روسية وأخرى تابعة لقوات النظام لحظة دخولها إلى القرى السورية في ريف منبج الغربي، كما نشروا صوراً تظهر مدرعات أميركية، تنتشر في ذات المنطقة.
ولم تغب تركيا عن المشهد، حيث أفادت «شبكة شام» أيضاً بأن أنقرة «دفعت بمزيد من التعزيزات العسكرية من مدرعات ودبابات إلى المنطقة نفسها، في مشهد هو الأول من نوعه في سوريا».
وساد التوتر خط التماس في ريف منبج الغربي والجنوبي، وعلى طول محاور سيطرة مجلس منبج العسكري وقوات عملية «درع الفرات»، وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن «معارك الكر والفر تواصلت بين الطرفين». وقال إن «مقاتلي مجلس منبج العسكري تمكنوا من فرض سيطرتهم على قرية جب الحميرا الواقعة بين خط السيطرة الذي تقدمت إليه قوات النظام، وبين أوتوستراد حلب - الحسكة الذي يمرّ في منطقة الباب».
من جهته، رأى محمد أديب، عضو المكتب السياسي في «الجبهة الشامية» المنخرطة ضمن قوات «درع الفرات»، أن ما يجري «ليس إلا لعبة جديدة من الألاعيب الروسية - الأميركية في التهرب من الاستحقاقات والتراجع عن الالتزامات». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأميركيين تعهدوا بانسحاب القوات الانفصالية، التي عمادها الرئيسي القوات التابعة لحزب الـ(ب ي د) التابع لحزب الـ(ب ك ك) الإرهابي، إلى شرق الفرات وفي مرات أخرى، أكدوا أن هذه القوات قد انسحبت بالفعل إلى شرق الفرات لكن الواقع كان غير ذلك».
وتزامنت الاشتباكات التي لم تهدأ طوال يوم أمس، مع حركة نزوح واسعة نحو مناطق سيطرة مجلس منبج العسكري، وقال المرصد السوري إن «عشرات آلاف من المدنيين بينهم آلاف الأطفال والنساء، فروا إلى مناطق سيطرة مجلس منبج في المدينة وريفها، وسط ضعف في إمكانيات تقديم المساعدات الكاملة للمدنيين النازحين»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «مئات المدنيين الآخرين، فروا إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات (درع الفرات) في مدينة أعزاز وريفها بريف حلب الشمالي».
وقال أديب: «إن تصاعدت الحملة الإعلامية التي بدأت ببيان مجلس منبج العسكري، وتلاها تصريح روسي بأن قوات نظام الأسد، التي هي في الواقع هجين من الميليشيات الطائفية الإيرانية وغيرها، سوف تدخل إلى المناطق الغربية المحيطة بمنبج والمحاذية لمناطق الثوار المشاركين في درع الفرات، يعني بوضوح أن الأميركيين، ربما أوحوا للروس بهذه الفكرة هروباً من الاستحقاقات والالتزامات السابقة».
ولفت القيادي في الجبهة الشامية إلى أن «هذا المخطط بدأ على الأرض، حيث بادرت القوات الانفصالية (قوات سوريا الديمقراطية) إلى رفع أعلام النظام في بعض المواقع، لكننا لا نزال نواجه القوات الانفصالية، في معاركنا التي تدور في المنطقة». وقال أديب: «نحن ماضون في طريقنا لتحرير أرضنا ودحر أعداء ثورتنا غير آبهين بحملاتهم الإعلامية ولا بعمليات تغيير جلودهم وأقنعتهم».
ويبدو أن التناقضات في الشمال السوري، سلكت منحى جديداً، من دون ظهور دليل على وجود أي اتفاق روسي - أميركي - تركي، وسط ارتفاع لهجة التصعيد بين الأطراف الثلاثة. وعزا المحلل الاستراتيجي خطار أبو دياب، هذا المشهد إلى «الالتباس في الموقف الأميركي، الذي لم يتبلور مع وصول إدارة ترمب إلى البيت الأبيض». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الأميركيين «لم يعطوا حتى الآن ثقتهم في الحرب على (داعش) سوى للأكراد، ولم يلعبوا دور التهدئة بين الأتراك والأكراد».
وقال أبو دياب: «أقصى ما أعطاه الأميركيون لتركيا حتى الآن، هو جرابلس والباب، أما الكلام عن منبج فهو بالعموميات، في الوقت الذي عاد فيه تنظيم الـ(ب ي د) يلعب بموضوع منبج، وأدخل الروس الذين طلبوا تسليم منبج إلى النظام»، لافتاً إلى أن «الردّ على تطورات منبج، جاءت باشتباكات جبل سنجار بين الأكراد المحسوبين على البرزاني القريب من تركيا، والأكراد القريبين من إيران»، مشدداً على أن «ورقة منبج حساسة جداً، لأنها تلعب دوراً في التوازنات في الشمال السوري»، مؤكداً أن «تركيا لن تذهب بعيداً في معركة منبج ما دام أن سياسة ترامب لم تتحدد، لذلك ستذهب ورقة منبج إلى المراوحة».
ونبه أبو دياب إلى أن «أي صدام بين قوات (درع الفرات) المدعوم من تركيا، والنظام يحتاج إلى غطاء أميركي، وما دام لم يتوفر هذا الغطاء تبقى المراوحة»، لافتاً إلى أن ما يحصل «ليس إلا محاولة للي ذراع تركيا في سوريا».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.