في الحروب عادة هناك جبهتان: الأولى أمامية حيث تدار الفعاليات الميدانية، والثانية خلفية يخطط فيها القادة لما يجب أن ينفذ في الجبهة الأمامية. وحرب الانتخابات العراقية تدار اليوم بهذه الصيغة. فبينما بغداد هي الجبهة الحقيقية التي تدور فيها رحى حرب انتخابية «شرسة» و«غير متوازنة»، حسب وصف مراقب سياسي عراقي مقيم في عمان، فإن التخطيط لهذه الحرب، خاصة فيما يتعلق بالحملات الإعلامية، يجري في العاصمة الأردنية، فهي الجبهة الأقرب للعراق روحيا وجغرافيا.
شوارع عمان تخلو، بالتأكيد، من الملصقات الإعلانية الانتخابية، وليست هناك أي صور لمرشحين للانتخابات البرلمانية العراقية، بل حتى السياسيين العراقيين المقربين للحكومة أو للشعب الأردني منعت ملصقاتهم، في حين في انتخابات عام 2009 علقت على جدران عمان صور للدكتور إياد علاوي وبعض المرشحين الذين كانوا يحسبون أنفسهم مقربين من القيادة الأردنية وبرر الموضوع آنذاك بكون «الأردن ليس جبهة في هذه الحرب الانتخابية وعمان تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين». وبقي هذا التبرير ساري المفعول حتى هذه الانتخابات، وإن كان هناك أنصار لبعض المرشحين يوزعون بطاقات تحمل أسماءهم وصورهم وأرقام قوائمهم على المارة والمحلات التجارية هنا.
لكن الأردن الذي يقيم فيه ما يقرب من نصف مليون عراقي، غالبيتهم في عمان والقسم الأكبر منهم هم من رجال الأعمال والسياسيين، بينهم 150 ألف ناخب سيصوتون في 14 مركزا انتخابيا، تسعة منها في العاصمة. وتضم عمان أيضا رجال الأعمال العراقيين الذين اتجهوا إلى العمل السياسي مباشرة من خلال تزعم أو رعاية أو دعم ائتلافات انتخابية من دون أن يرشحوا أنفسهم، من أمثال خميس خنجر الذي شكل (تحالف الكرامة)، وفاضل الدباس الذي يرعى (ائتلاف العراق)، إضافة إلى المكاتب والمقرات القيادية لسياسيين عراقيين، وإن كان بعض هذه المكاتب أو المقرات لا يحمل لافتات أو مسميات مباشرة، مثل مكتب حركة الوفاق الوطني العراقي بزعامة الدكتور إياد علاوي، رئيس ائتلاف الوطنية، وصالح المطلك، زعيم حركة الحوار الوطني ورئيس ائتلاف العراقية العربية، وجمال الكربولي، زعيم حركة الحل. وهذه المكاتب هي التي تدير الحرب الانتخابية من موقع خلفي إذ يجري فيها التخطيط للحملات الدعائية والاتصالات الخارجية للترويج للقوائم والكتل والمرشحين سواء في الأردن أو في مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم.
الجزء الأهم في هذه القصة أو في هذه الحرب الانتخابية، هو بالتأكيد الإعلام واللقاءات والحوارات السياسية والصفقات التي تبرم بين بعض مالكي القنوات الفضائية ورؤساء الكتل الانتخابية أو بين الزعماء السياسيين أنفسهم.
القنوات الفضائية العراقية، بما فيها الرسمية (العراقية)، تحولت إلى جبهة ساخنة للترويج الانتخابي، وإذا كانت (العراقية)، التي يفترض بأنها قناة الدولة وأن تروج لجميع المرشحين أو الكتل الانتخابية بسواسية وعدل وشفافية، قد انحازت لكتلة رئيس الحكومة نوري المالكي ومرشحي ائتلافه (دولة القانون)، فإن غالبية القنوات الأهلية قد وجدت فرصتها الذهبية في ترويج إعلانات مدفوعة الثمن لمرشحين قادرين على دفع مستحقات هذه الإعلانات، وفي المقابل هناك قنوات فضائية عراقية هنا في عمان وفي بغداد تابعة لكتل انتخابية تروج لهذه الكتل مثل (الفلوجة) و(العراق الآن) التابعة لخنجر، و(البابلية) التابعة للمطلك، وكل هذه القنوات تبث من عمان، إضافة إلى قناة (التغيير) التي يمتلكها رجل الأعمال العراقي أكرم زنكنة وهي غير منحازة لجهة معينة مع أنها تبث برامج ضد الحكومة العراقية، و(بغداد الآن) و(العراق) التابعة للدباس، وكلتاهما تبث من بغداد، بينما تبث (نبض الشباب) التابعة له أيضا من العاصمة الأردنية، وإضافة إلى كل هذه القنوات، هناك مواقع إخبارية على شبكة الإنترنت غالبيتها تابعة لهذا وذاك من الزعماء أو مسخرة لخدمة بعض الكتل بدعم مادي.
ويقول المراقب السياسي جواد العلي، وهو خبير إعلامي عراقي وشغل لسنوات طويلة منصب مدير إذاعة بغداد، إن «الإعلام يجب أن يكون شفافا وغير منحاز في هذه المعركة الانتخابية حتى تكون الصورة واضحة لدى الناخب العراقي وأن تتضح البرامج الانتخابية للعراقيين»، مشيرا إلى «غياب العدالة في الترويج للمرشحين».
وأضاف العلي قائلا لـ«الشرق الأوسط» أن «عمان بالفعل تحولت إلى جبهة خلفية للمعركة الانتخابية للبرلمان العراقي، إذ تجري هنا معركة شرسة من على القنوات الإعلامية وللأسف هناك عمليات تسقيط سياسي غير نبيلة واتهامات كاذبة من أجل اغتيال هذا المرشح أو تلك الكتلة سياسيا والطعن بسمعة ووطنية هذا وذاك»، منوها إلى أنه «باستثناء ائتلاف العراق لم نطلع على البرامج السياسية لمعظم الكتل التي تنادي بالتغيير من دون أن أعرف أنا كناخب كيف سيجري التغيير وتغيير ماذا ولماذا؟». ويشير العلي إلى أن «القنوات الفضائية الخاصة من حقها أن تروج لكتلهم الانتخابية من دون أن تعمد إلى تسقيط هذا وذاك وهذا ما نفعله نحن في فضائية بغداد الآن إذ نتحدث عن برامج انتخابية وطروحات المرشحين وهدفنا هو نجاح العملية الديمقراطية من أجل العراق والعراقيين».
العاصمة الأردنية.. جبهة خلفية في حرب الانتخابات العراقية
الكتل تتقاتل من خلال القنوات الفضائية
العاصمة الأردنية.. جبهة خلفية في حرب الانتخابات العراقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة