{روبوتات} للجراحة والتمريض في الرحلات الفضائية البعيدة

تصاميم يمكنها كي الأنسجة الحية وخياطتها وأخرى لإجراء الفحوصات

روبوت «روبونوت 2» المخصص للتمريض
روبوت «روبونوت 2» المخصص للتمريض
TT

{روبوتات} للجراحة والتمريض في الرحلات الفضائية البعيدة

روبوت «روبونوت 2» المخصص للتمريض
روبوت «روبونوت 2» المخصص للتمريض

يطور المصممون الأميركيون أنواعا من الروبوتات الطبية الموجهة للمهمات الفضائية الطويلة للجراحة والتمريض، وقد يكون ابتكار روبوت جراح جوابا لدعاء رواد الفضاء الذين هم بحاجة إلى جراحة في أعماق الفضاء، إذ يقوم هذا الجراح الصغير بالانزلاق داخل الجسم البشري عبر شق صغير في أسفل البطن، وما إن يصبح في الداخل، فإنه عندها يكون قد امتلأ بغاز خامل بغية إفساح المجال له لكي يعمل، ثم يصبح قادرا على إزالة حتى الزائدة الدودية، أو قطع أجزاء من الأمعاء الغليظة المصابة، أو من المعدة المتقرحة المثقوبة.

* روبوت جراح
«الجراح الروبوت» هذا الذي هو من نتاج شركة «فيرتجوال إنزيجن» في لينكولن في ولاية نبراسكا في أميركا، سيخضع للاختبار الأول في ظل انعدام الجاذبية على متن طائرة تحلق في مسارات قوسية قطعية مكافئية خلال الشهور القليلة المقبلة. وهناك سيقوم هذا الروبوت الجراح بإنجاز العديد من التمارين لعرض مهاراته على أربطة مطاطية وغيرها من الأجسام الهامدة غير الحية.
والمأمول من كل ذلك هو أن تقوم هذه الروبوتات بمرافقة رواد المستقبل في رحلاتهم الطويلة في أغوار الفضاء، عندما تزداد احتمالات تعرضهم لحادث صحي، أو صدمة جسدية. «وإذا ما أخذنا في الاعتبار العمليات الجراحية في الفضاء، فإنه ينبغي اعتبار ذلك من الطوارئ»، وفقا إلى شاين فاريتور عضو فريق جامعة «نبراسكا - لينكولن».
وبالنسبة للزمن الحالي، فإن الذين يخاطرون بالذهاب إلى الفضاء لن يكونوا بعيدين أكثر عن محطة الفضاء الدولية، كما يخضعون إلى فحص طبي دقيق قبل مغادرتهم الأرض. كما أن لمحطة الفضاء هذه كبسولة للنجاة تقف دائما على أهبة الاستعداد في حال حصول أي طارئ، وبذلك تكون الأرض على مسافة ساعات فقط. ولكن ورغم أن الكثير من العلل الصحية المقلقة التي يمكن أن تحصل في الفضاء تعود إلى حالتها الطبيعية حال العودة إلى الأرض، فإن وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) تخطط لرحلات مأهولة إلى الكويكبات الحائمة في الفضاء البعيد، وفي نهاية المطاف إلى المريخ، حيث العودة منه لن تتم بتلك السرعة.
والجراحة في الفضاء هي من الصعوبة بمكان، ففي ظل انعدام الجاذبية يكون من السهل على السوائل الموجودة في جسد الإنسان، كالدم مثلا، أن تطفو وتعوم بالجو بسهولة ملوثة المقصورة. كما أن الكبسولات الفضائية لا يمكنها حمل سوى القليل من الوزن، لذا يتوجب على العدد والأدوات الجراحية والطبية أن تكون خفيفة الوزن نسبيا، وقادرة على مواجهة العديد من الأوضاع.
ويقول ديمتري أوليانكوف من كلية الطب في جامعة نبراسكا، إن «كل الأمور التي نحسبها بسيطة، مثل وضع ضمادة طبية على الطاولة، هي من الأمور الصعبة في الفضاء، التي تزداد صعوبة لوغاريتميا عند محاولتك القيام بإجراءات معقدة كالعمليات الجراحية».
وتعمل شركة «فيرتجوال إنزيجن» على تصميمها الجديد هذا منذ بضع سنوات. والنسخة الأخيرة منه تزن 0.4 كيلوغرام. والروبوت مزود بذراعين للإمساك بالعدد والأدوات، وبالتالي كي الأنسجة الحية وخياطتها. كما أن رأسه هو عبارة عن كاميرا فيديو صغيرة. ويجري نقل كل ذلك إلى محطة تحكم يعمل في داخلها الجراح مستخدما عصا تحكم كومبيوترية.
وكانت النماذج الأولية من هذه التقنية قد جربت بنجاح على الحيوانات. ويقول الفريق إن الخطوة التالية هي العمل على الجثث البشرية قبل تجربتها على الإنسان الحي على الأرض.
وللتقنيات التي تدار وتعمل عن بعد سلبياتها في الفضاء، نظرا إلى أنه كلما ابتعدت مركبة الفضاء حصل هناك تأخير زمني في الإشارات والاتصالات، لذا تأمل «فيرتجوال إنزيجن» تفادي كل ذلك، عن طريق تدريب رواد الفضاء على القيام بمثل هذه العمليات على بعضهم البعض.
ويعتقد جيمس بيرغيس، من جامعة «كارنيغي ميلون» في بتسبيرغ، أن الروبوتات هذه قد تكون مفيدة بشكل خاص، إذا أمكن تعليمها العمل بشكل ذاتي ومستقل.

* روبوت للتمريض
على صعيد آخر، تقوم وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) بتطوير روبوت على شكل إنسان يمكنه القيام بالإجراءات والإسعافات الطبية والعمليات الجراحية في محطة الفضاء الدولية، وحتى لدى السفر مستقبلا إلى المريخ.
الروبوت المسمى «روبونوت 2» (Robonaut 2) يخضع حاليا إلى المزيد من التطوير والاختبارات في معهد الأبحاث «هيوستن ميثوديست ريسيرتش إنستتيوت». ويقول الدكتور زيسولت غارامي، المدرب في المعهد المذكور، في حديث نقلته مجلة «كومبيوتر وورلد»، إن هنالك روبوتا في محطة الفضاء يمكنه ممارسة الأعمال البدائية الأساسية، مثل الكبس على الأزرار، لكنه أشار إلى أن «روبونوت 2» بمقدوره خدمة أغراض أخرى مختلفة أكثر تطورا من سلفه هذا، عن طريق العمل كممرض أو طبيب.
ويضيف غارامي «حافزنا كان حقيقيا عندما رأينا رواد الفضاء ينجزون مسوحات بالموجات فوق الصوتية على بعضهم البعض، فلماذا لا يكون هناك روبوت لتقديم يد المساعدة؟ وهنالك سلفا روبوت على متنه، فلماذا لا نحوله إلى ممرض أو طبيب؟». و«روبونوت 2»، أو «آر 2» هو توأم لروبوت «آر 2» السابق الذي جرى وضعه على متن المحطة الفضائية عام 2011.
وقد استغرق العمل نحو 11 سنة لتشييد الروبوت الذي تكلف 2.5 مليون دولار، والذي يعمل على 38 معالجا من نوع «باور بي سي». وتضم هذه المعالجات 36 شريحة مبيتة فيها، تقوم بالتحكم في القوائم، كالقدمين والذراعين. وأضاف غارامي أنه واثق من أن الروبوت قادر على العمل في المحطة الدولية، وأنه يعمل بشكل أسرع وأكثر مهارة من طلابه من البشر. وذكر غارامي أنه «خلال ساعة من الزمن تمكنت من تدريبه بصورة أفضل من الطلاب الآخرين الذين عملت معهم لفترة أسبوع، وبذلك أعتقد أنه يتعلم بسرعة».
وظهر هذا الإنسان الآلي في الفيديو وهو يقوم بعمليات مسح بالموجات فوق الصوتية على نموذج خشبي لشخص مستخدما إبر الحقن. وكانت حركات يديه ثابتة ودقيقة وناعمة، ولم تصدر عنه أي حركات مفاجئة»، كما أضاف غارامي. فقد أظهرت التجارب أن الروبوتات هي أفضل من البشر في تنفيذ أنواع معينة من العمليات الجراحية.
وأظهرت دراسة أجرتها كلية الطب التابعة لجامعة ميريلاند في أميركا عام 2008 أن المرضى الذين أجروا عمليات القلب المفتوح عن طريق الروبوتات قضوا أياما أقل في المستشفى، وكانت فترة النقاهة أقصر، فضلا عن اشتراكات قليلة مقارنة بالذين خضعوا لعمليات القلب التقليدية.
ويرغب غارامي أن يقوم «روبونوت 2» بإجراء جراحة في الفضاء الخارجي في يوم من الأيام. ويقول في هذا الصدد «لنفترض أننا نرسل شخصين إلى المريخ، وحصل لأحدهم طارئ طبي، ويحتاج إلى مساعدة عاجلة، لكنهم قد يكونون لفترة 15 إلى 20 دقيقة بعيدين عن أي إشارة فيديو، أي لوحدهما من دون أي اتصال مع الأرض. لذا أشعر بأن (روبونوت 2) قد يكون رفيقهم الثالث ليساعدهم».
و«روبونوت 2» هذا لا يستطيع حتى الآن إجراء أي عمليات جراحية، لكنه بات شبه جاهز للقيام بالإنعاش القلبي الرئوي. لكن لغارامي خططه الأرضية، واثقا أن الروبوت هذا قد يشكل قيمة كبيرة للعسكريين. فبدلا من إرسال ممرض، أو مسعف طبي عسكري لإنقاذ حياة أحدهم، بمقدور «روبونوت 2» حمل الجندي بعيدا عن الخطر، وتقديم الإسعاف الطبي له في الوقت ذاته.
لكن ناطقا بلسان «ناسا» كان أكثر تحفظا حول متى يمكن أن يدخل هذا الروبوت الخدمة الفعلية، سواء في الفضاء، أو على الأرض في ميادين القتال، فقال «لقد شرعنا لتونا في اكتشاف قدرات الروبوت هنا على الأرض، وثمة الكثير من الأبحاث المتوجب إجراؤها قبل القفز إلى الفضاء».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً