«سي آي إيه» تتنبأ بتمزق سوريا بعد حافظ الأسد

التذمر داخل الجيش بدأ يطفو على السطح من مغامرة التدخل في لبنان

حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
TT

«سي آي إيه» تتنبأ بتمزق سوريا بعد حافظ الأسد

حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)
حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع في مارس (آذار) 1967، واقفا بجوار رئيس الجمهورية السورية الدكتور نور الدين الأتاسي خلال عرض عسكري في دمشق (غيتي)

بدأ اهتمام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بمستقبل سوريا في وقت مبكر جدا، حيث إن محللي الوكالة كانوا يتوقعون أن ينفرط الاستقرار القسري للبلاد بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد، وهو ما حدث بالفعل. وكان من اللافت أن متابعة الاستخبارات الأميركية الشأن السوري تتمحور إلى حد كبير حول شخص الأسد بعد مرور سنوات قليلة على توليه الحكم، ونجاحه في فرض قبضته القوية على كامل الشعب السوري والأراضي السورية. وتعددت التقارير والتحليلات الاستخبارية الأميركية عن سوريا في الملفات المفرج عنها مؤخرا، بين إحصاء عدد النوبات القلبية ونزلات البرد التي تعرض لها حافظ الأسد، وتعداد الشخصيات المؤهلة لخلافته ومصير البلاد في حال تزايد تذمر الأغلبية السنية من التهميش والإقصاء.
ومن أولى الوثائق في ملفات «سي آي إيه» عن سوريا، مذكرة «تقدير وضع» تم تقديمها إلى صناع القرار في واشنطن في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، من شعبة الشرق الأوسط في الاستخبارات الأميركية.
ولفتت المذكرة في مطلعها إلى أن حافظ الأسد قد حكم فترة هي الأطول في تاريخ سوريا منذ استقلالها عام 1946، وبالنظر إلى تاريخ المذكرة فإنها كتبت بعد أقل من ثماني سنوات على تولي حافظ الأسد السلطة، واعتبرت السنوات الثماني فترة طويلة في بلاد شهدت أكبر عدد من الانقلابات. ولم يخطئ محللو «سي آي إيه» في استنتاجهم بأن شخص حافظ الأسد كان عاملا أساسيا لاستقرار سوريا، إذ إنه استمر في رئاسة البلاد دون منازع 22 عاما من بعد كتابة المذكرة حتى وفاته في منتصف عام 2000.
المذكرة السرية أعدت على ما يبدو لدائرة محدودة جدا من القراء في ذلك الوقت هم صناع السياسة الخارجية في واشنطن في السنة الأولى من رئاسة جيمي كارتر، ومن غير المؤكد إن كان كارتر قد قرأها. وعلى الأرجح أن الشخص المكلف من «سي آي إيه» بتقديم الموجز اليومي للرئيس قد قدم ملخصا لما ورد في التحليل من استنتاجات، حيث إن صفحات المذكرة تجاوزت العشرين صفحة، وليس من عادة الرئيس الأميركي أن يقرأ تحليلا أطول من صفحة ونصف الصفحة في المتوسط.

* دواعي قلق الاستخبارات الأميركية
أجملت المذكرة أسباب القلق الذي يعتري محللي الاستخبارات بشأن سوريا، في النقاط التالية:
أولا: إن إحكام حافظ الأسد قبضته على السلطة في بلاده، وإن كانت قد حققت استقرارا قسريا، على المدى القصير، إلا أن النظام لن يكون في مأمن على المدى الطويل، بسبب الغبن الذي تشعر به أغلبية سكان البلاد.
ثانيا: التدخل السوري في لبنان لم يكن مرحبا به لدى السوريين أنفسهم ناهيك عن اللبنانيين. فبعد مضي ثلاثين شهرا على هذا التدخل تبين للسوريين أنه سيستمر إلى ما لا نهاية، وسيتحول إلى مصدر استنزاف لمواردهم دون وجود حل يلوح في الأفق.
ثالثا: التذمر داخل الجيش السوري بدأ يطفو على السطح من مغامرة التدخل في لبنان، وإن كان هذا التذمر لم يصل بعد إلى درجة التمرد أو المطالبة بالانسحاب، إلا أنه مؤشر غير مريح للأسد، وقد يؤدي إلى انقسام الجيش السوري نفسه بين مؤيد للنظام ومتمرد عليه.
وأشارت المذكرة إلى تزايد عمليات الاغتيال في سوريا منذ منتصف عام 1976، وأنها استهدفت عسكريين وأمنيين ينتمون للأقلية العلوية الحاكمة، وهي عماد حكم الأسد. والأخطر من هذا حسب رأي المحللين الأميركيين أن النظام لم يتمكن من اعتقال أو تحديد هوية من يقف وراء عمليات الاغتيال، لكن الشكوك تحوم حول عناصر متطرفة من أبناء الأغلبية السنية، قد يكونون مدعومين من نظام صدام حسين السني في العراق.
وحددت المذكرة ثلاث بؤر محتملة للتمرد الشعبي على عائلة الأسد، وهي حلب وحماه وحمص، وجميعها ذات كثافة سنية. (أثبتت حماه عام 1982، بعد أربع سنوات من كتابة التحليل، صحة توقعات المحللين الأميركيين، كما أثبتت حمص عام 2011، وحلب عام 2016، الأمر ذاته).
* سيناريوهات التغيير في سوريا
وضع كاتبو المذكرة احتمالين رئيسيين لحدوث تغيير سياسي في سوريا، الأول يقوم على رحيل حتمي لشخص حافظ الأسد، بإحدى العلل التي يعاني منها، أو برصاص الاغتيال. والثاني يقوم على فرضية رحيل النظام ذاته عن طريق انقلاب عسكري أو تمرد شعبي. وجاء في الوثيقة أن الاحتمال الثاني يظل واردا على المدى الطويل في حال حدوث متغيرات جديدة، لكن «سي آي إيه» استبعدت حدوثه على المدى المنظور وقت كتابة المذكرة. ولهذا فقد ركز المحللون على دراسة الجوانب المتعلقة بوضع النظام السوري بعد غياب مؤسسه حافظ الأسد.
ومن المفارقات العجيبة أن الاستنتاجات التي توصلت إليها وكالة الاستخبارات المركزية قد تنبه إليها حافظ الأسد، وطبق كثيرا مما ورد فيها، لدرجة قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن المذكرة عبارة عن نصائح وإرشادات أخذ بها حافظ الأسد، ولم تكن موجهة إلى صانع القرار الأميركي.
وتحذر الوثيقة من أن استقرار سوريا بعد حافظ الأسد، سواء مات اغتيالا أو بصورة طبيعية، سوف يعتمد بشكل أساسي على تماسك الطائفة العلوية ودائرتها الداخلية وقدرتها على اختيار خليفة يتمتع بمهارة كافية في القيادة.
وأضافت المذكرة أنه يتوجب أن تتوفر فيمن يأتي بعد حافظ الأسد القدرة على إشراك الغالبية السنية من الشعب السوري في السلطة، أو على الأقل جعلهم يشعرون بأنهم شركاء. وجاء في الوثيقة أن من سيخلف حافظ الأسد في الحكم إن لم يكن في مستواه في الدهاء، فإن عقد الاستقرار سينفرط تماما، وتنخرط البلاد في أعمال عنف طائفية، خصوصا في المناطق ذات الكثافة السنية الكبيرة مثل حلب وحمص وحماه.
وباعتبار أن الرجل القوي بعد حافظ الأسد في تلك الفترة هو شقيقه قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد، فقد أقر المحللون الأميركيون أنه مؤهل لأن يلعب دورا مهما يجب أن يكون في رأيهم من خلف الكواليس للحفاظ على النظام في حال اغتيل حافظ الأسد أو توفي، ولكن التحليل تضمن تحذيرا لافتا بما يشبه النصيحة من أن رفعت الأسد سوف يجابه معارضة قوية، فيما لو حاول تولي الرئاسة بنفسه.
وتبرر المذكرة هذا الاستنتاج بأنه عائد إلى أن النظرة السائدة عن رفعت الأسد بين طائفة الأغلبية السنية بأنه رمز الغرور والعنف بين العلويين. وتوقعت المذكرة أو نصحت بإبعاد رفعت الأسد عن المشهد ومنعه من تولي منصب الرئاسة، مع ترك المجال مفتوحا له لأن يلعب دورا قويا من خلف الكواليس في حماية النظام.
ومن السيناريوهات المحتملة التي أوردتها المذكرة لفترة ما بعد حافظ الأسد، بروز قيادة جماعية على هيئة مجلس رئاسة مؤلف من بعدد من الشخصيات من المرجح أن يكون رفعت الأسد بينهم. ولكن كاتبي التحليل أشاروا إلى أن مثل هذا السيناريو وإن تم إلا أنه لن يدوم طويلا، وسوف يسعى رفعت الأسد أو أي منافس قوي له للانفراد بالسلطة، وستدخل البلاد في دوامة العنف.
وأفردت الوثيقة مساحة من صفحاتها استعرضت فيها أسماء شخصيات عسكرية قوية في ذلك الوقت من الدائرة الضيقة لحافظ الأسد، ومعظمهم من الطائفة العلوية الحاكمة. وأوردت الوثيقة أمام أسمائهم معلومات قد تكون مستقاة من سيرهم الذاتية، وربما من مصادر استخبارية داخل سوريا، وتدلل تلك المعلومات على أنهم من رجال حافظ الأسد الذين يعتمد عليهم بصورة رئيسية في السهر على حماية النظام. وباستثناء وجود أسماء معدودة من طائفة الأغلبية السنية لتجميل نظام حافظ الأسد فإن معظم من يعتمد عليهم من رجاله هم من الطائفة العلوية، وكانوا في ذلك الوقت غير معروفين لعامة الناس، ولم يكن من بينهم صهر الأسد آصف شوكت، ولا نجله بشار، حيث إنهما كانا في سن صغيرة لا تؤهلهما لأداء أي دور. أما أصحاب الأدوار المهمة من رجال حافظ الأسد رفعت الأسد شقيق الرئيس، وقائد سرايا الدفاع علي دوبا، ومدير الاستخبارات العسكرية السورية محمد خولي، وقائد استخبارات القوات الجوية حكمت محمود حديد، إلى جانب آخرين من العسكريين والمدنيين، العلويين والسنة.
ويلاحظ أن الرئيس السوري حافظ الأسد، كان يراعي الحساسية الطائفية، فيبرز وجوها من الطائفة السنية في مواقع قيادية، ولكن الوثيقة خلصت إلى أن أبرز اثنين من الشخصيات السنية ممن رشحتهم لخلافة الأسد صوريا لتجميل نظامه بعد رحيله، فهما وزير الدفاع مصطفى طلاس أو رئيس الوزراء محمد حلبي، ورأت الوكالة أنه لن يكون لأي منهما صلاحيات حقيقية، من وجهة فيما لو تولى أحدهما المنصب الأول في البلاد، لأن السلطة الفعلية هي بيد العسكريين من الطائفة العلوية.
* رحيل الأسد خسارة لإسرائيل
خلصت المذكرة الاستخبارية إلى أن رحيل حافظ الأسد ستكون له تبعات سلبية ليس على الصعيد المحلي السوري فقط، بل كذلك إقليميا ودوليا، بما في ذلك على عملية السلام في الشرق الأوسط، خصوصا إذا حدث الرحيل بصورة مفاجئة قبل إعداد البديل المؤهل. (كأن المذكرة توجه النصيحة للأسد ذاته، بإعداد البديل، وهو ما فعله لاحقا بتهيئة نجله الأكبر باسل، لكن وفاته في حادث سير غامض أقحم شقيقه الأوسط بشار في معمعة خلافة والده).
وتكمن خطورة رحيل وإزاحة الأقلية العلوية من الحكم بما يؤثر سلبا على مصلحة إسرائيل وجهود السلام. وشددت المذكرة على أن الضباط العلويين أكثر برغماتية من غيرهم، ولديهم استعداد للتعايش مع إسرائيل والقبول بوجودها، مهما أبدوا من تشدد في شروطهم لتوقيع اتفاق سلام معها.
ومضى التحليل في القول إن من سيأتي بعد حافظ الأسد، حتى وإن استتب له الأمر سيكون أكثر ترددا من حافظ الأسد في اتخاذ قرارات مصيرية من قبيل توقيع اتفاق مع إسرائيل. وعلى الأرجح سيتمهل خلفاء حافظ الأسد إلى أن يطمئنوا إلى وضعهم الداخلي. ولكن من حيث المبدأ لن يكون هناك اختلاف كبير في السياسة تجاه إسرائيل بين حافظ الأسد ومن سيأتي بعده من العلويين، سوى أن الوقت سيطول قبل تحقيق السلام.
واستنتجت المذكرة الاستخبارية، أن تزداد متاعب حافظ الأسد في لبنان، لكن استمرار الوجود السوري في لبنان سيكون منبع تهديد لمن سيأتي بعد حافظ الأسد، لأن أي قيادة قادمة لن يكون بمقدورها التعامل مع المتناقضات مثلما هو الوضع عليه تحت إدارة حافظ الأسد.
وتوقع محللو «سي آي إيه» أنه في حال تولي رفعت الأسد زمام الحكم في دمشق فقد يتعامل مع الميليشيات المارونية بصورة أكثر قسوة مما فعل أخوه، لكنه في النهاية سيقبل بأي تسوية للمشكلة اللبنانية تضمن خروج القوات السورية بماء الوجه.
وتختلف رؤية قيادات حزب البعث السنية عن العلوية، إذ إن القيادات السنية تطالب بتقوية العلاقة مع الجيران العرب، ومن بين هؤلاء الأحمر وباجبوج اللذان يرغبان في مد الجسور مع العراق، في حين أن ناجي جميل يرغب في تمتين العلاقة مع السعودية. وحول ما يتعلق بتبعات رحيل الأسد على العلاقات مع الولايات المتحدة، يخشى المحللون من توسع الهوة بشأن كامب ديفيد، ولبنان، والمساعدات المالية، الأمر الذي سيدفع من سيأتي بعد الأسد أكثر نحو الروس (السوفيات في ذلك الوقت)، والإخلال بالتوازن الذي كان حافظ الأسد حريصا عليه فيما يتعلق بالتعامل مع القوى العظمى.
ورجحت المذكرة أن ترحب موسكو بتولي رفعت الأسد المقرب منهم أكثر من غيره، لكن هذا لا يعني أن رفعت يمكن أن يقدم للروس أكثر مما يقدمه شقيقه حافظ. وجاء فيها كذلك أن مشكلة رفعت الأسد هي سجله في انتهاك حقوق الإنسان، وهو سجل حافل يؤهله لأن يتمادى في انتهاكاته فيما لو حل محل أخيه في الرئاسة.
وفي الوقت الذي استبعدت فيه المذكرة نجاح أي محاولة انقلاب عسكري ضد حافظ الأسد، فقد نوهت بأن أقوى المخاطر التي يواجهها نظام حكمه يأتي من الطائفة العلوية ذاتها، خصوصا في ظل وجود صراعات بين كبارهم، وفي ظل وجود مناصرين لصلاح جديد في صفوف العلويين.
لم تشر المذكرة إلى أن صلاح جديد كان بمثابة الرئيس الفعلي لسوريا في عهد الأتاسي، إلى أن أطاح به حافظ الأسد في انقلاب عام 1970، بعد أن أصدر صلاح جديد قرارا بعزله من وزارة الدفاع، وتحميله مسؤولية هزيمة الجيش السوري في حرب 1967.
* أبرز رجال حافظ الأسد عام 1978
- العسكريون العلويون
رفعت الأسد: شقيق الرئيس وقائد سرايا الدفاع
على دوبا: مدير الاستخبارات العسكرية السورية
محمد خولي: قائد استخبارات القوات الجوية
علي حيدر: قائد القوات الخاصة
- العسكريون السنة
حكمت الشهابي: رئيس أركان الجيش السوري
ناجي جميل: قائد سابق للقوات الجوية (تمت إزاحته)
مصطفى طلاس: وزير الدفاع
عدنان دباغ: وزير الداخلية
علي مدني: نائب وزير الداخلية لشؤون الأمن
- المدني العلوي
محمد حيدر: القائد الفعلي لحزب البعث
- المدنيون السنة
عبد الله الأحمر: أمين عام حزب البعث
محمد جابر باجبوج: نائب أمين عام الحزب
عبد الحليم خدام: وزير الخارجية
محمود حديد: رئيس مجلس الشعب



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».