ما من شك أن 2014 هو عام إيف سان لوران. بالإضافة إلى فيلمين يتناولان حياته وعلاقاته، فإن كل ما في عالم الموضة يتنفس ذكراه ويتذكرها سواء من خلال ألوانه التي تتغنى بأجواء مراكش هذا الصيف، أو تكسيره التابوهات بتأنيثه قطعا من خزانة الرجل جعلها مثيرة للمرأة لا يمكن أن تتخلى عنها، مهما توالت العقود وتغيرت الموضة. طبعا الحديث هنا هو عن «لوسموكينغ» أو «التوكسيدو»، الذي قدمه لها في الستينات من القرن الماضي، مع بنطلون مفصل وحذاء بكعب عال وقميص بكشاكش زاد من إثارتها وأثار عليه حفيظة المتحفظين. في عام 2005، وبعد تقاعده بسنوات، كتب في كتالوج معرض خصص لهذه القطعة بعنوان «سموكينغ فوريفير»: «إنه أساسي في خزانة المرأة، لأنه يجعلها دائما جزءا من الموضة لما يمثله من أسلوب خاص.. فالموضة عابرة تظهر وتختفي، لكن الأسلوب الخاص يبقى للأبد».
وبالفعل أكد الزمن صدق مقولته، فهو قطعة ما إن تتوارى لفترة قصيرة بسبب اقتحام بريق الأحجار والتطريزات الساحة، حتى تعود لتقتحم منصات عروض الأزياء والمناسبات المهمة دون استئذان. ودائما في صورة تلهب الخيال وتلفت النظر بشكل إيجابي بعيدا كل البعد عما كانت توحيه في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، عندما بدأت المرأة تظهر لأول مرة ببنطلونات وسترات رجالية. أكبر دليل على هذا التغيير، الصور التي تداولتها كل المجلات والتلفزيونات، وقلدتها الكثيرات فيما بعد، تظهر في النجمة أنجلينا جولي في حفل توزيع جوائز.
لا يختلف اثنان أنها خطفت الأضواء من كل النجمات والنجوم في المناسبة، بمن فيهم صديقها براد بيت، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن «التوكسيدو» هو بالأساس قطعة رجالية. كان «التوكسيدو»، الذي ظهر به براد بيت من تصميم دار فالنتينو، أما «لوسموكينغ» الذي لبسته هي فبتوقيع دار «سان لوران»، أو الأصح توقيع مصممها الفني هادي سليمان، أضافت إليه النجمة بصماتها الخاصة بأن تركت رابطة العنق، «البابيون»، غير معقودة بلا مبالاة، مما زادها جاذبية وسحرا، وذكرنا بأن الموضة لعبة ممتعة، لا بأس أن نكيفها لتعكس شخصيتنا وأسلوبنا. من ناحية أخرى، ذكرتنا الصورة بأن إيف رحل، لكن خلفه هادي قادر على أن يبقي على شعلته متوهجة، ومبرهنا في الوقت ذاته، أنه لا يقل عن سلفه إتقانا لهذه القطعة وعشقا لها. والحقيقة أنها أصبحت ملكا له منذ عهده في دار «ديور» عندما كان مصمما لجانبها الرجالي، «ديور أوم». منذ ذلك العهد، وكل من يريد «توكسيدو» مفصل بأسلوب راق ومتقن، يلجأ له، رجلا كان أم امرأة، بدءا من نيكول كيدمان وكايت بلانشيت إلى صوفيا كوبولا وأخيرا وليس آخرا أنجلينا جولي. من جهته فقد صرح في عدة مناسبات «إنها قطعتي المفضلة وتصميمها بالنسبة لي أقرب إلى الطقس».
لكنها على ما يبدو، أصبحت القطعة المفضلة لكثير من المصممين، ممن تأثروا بمدرسة إيف سان لوران، فهي لا تغيب من عروض الثنائي الهولندي، فيكتور أند رولف، ولا من عروض جون بول غوتييه وجيورجيو أرماني وبول سميث ودولتشي أند غابانا، وتوم فورد. في كل العروض تقريبا، تطل علينا بعدة أشكال وألوان وخامات، لكن دائما بأناقة تنسيك للحظات بأنها عندما ولدت في القرن الـ18 كانت رجالية بالأساس. الثنائي فيكتور هورستينغ ورولف سنورين شرحا اهتمامهما بها وعدم استغنائهما عنها في معظم عروضهما بقولهما: «نؤمن بأن الموضة تقوم على الحوار بلغة واحدة، وبالنسبة لنا، فإن لوسموكينغ أصبح يرمز إلى دار أزياء فرنسية يعرفها ويفهم لغتها كل العالم، وبالتالي أصبحت أداة قوية لإيصال فكرتك بسهولة». ما يقصدانه أنه قطعة مضمونة إذا كانت النية جذب الأنظار وإثبات الذات وعكس الثقة، كما أنه أسهل ما يمكن اختياره عندما تصاب المرأة بحيرة في خضم ما هو مطروح من فساتين السهرة، وتريد الاختلاف.
ويوافقهما الرأي كل المصممين والخبراء، مشيرين إلى أن المرأة عندما تتوفق في اختياره، فإنها تصبح سيدة المناسبة ويصعب منافستها في خطف الأضواء من باقي النساء، والعكس صحيح أيضا إذا لم يكن مفصلا على مقاسها.
فكما قال هادي سليمان في أحد التصريحات: «ليس هناك أسوأ ومثير للخوف من توكسيدو بتصميم سيئ، وخامة رخيصة وياقة أكبر من اللازم».
محطات مهمة في حياة هذه القطعة:
الآن ورغم أن الإطلالة التي ظهرت بها أنجلينا جولي ليست جديدة، إلا أن الفرق بينها وبين الإطلالة التي ظهرت بها مارلين ديتريش أول مرة في فيلم موروكو (المغرب) أو حتى عندما أرسلها إيف سان لوران في الستينات، إنها تخاطب نساء حقيقيات وعمليات أصبحن يتبنينها كجزء من حياتهن وأناقتهن وليس فقط لإثبات الذات والتحدي.
1930: ظهرت بها أول مرة مارلين ديتريش في فيلم «موروكو»، حيث لعبت دورا تتقمص فيه دور المغني. كان أول فيلم لها في هوليوود وأثارت فيه ضجة كبيرة، سواء بصوتها أو مظهرها
1936: التايور الذي صممته إلسا سكياباريللي، وكان مكونا من جاكيت توكسيدو وفستان ناعم، حقق نجاحا كبيرا، حيث تبنته كل المخمليات بمن فيهن دوقة ويندسور، وأليس سمبسون، في تلك الفترة
1966: قدم إيف سان لوران لوسموكينغ، تزامنا مع الثورة الاجتماعية التي شهدتها أوروبا، وتحررت فيها المرأة من كثير من القيود، ومع ذلك أثار الكثير من الجدل عندما ظهرت به عارضة سمراء، وكان من المخمل مع قميص أبيض بكشاكش عند حواشي الأكمام ورابطة عنق، بابيون. وأعاد تقديمه مرة أخرى في عرضه الخاص بالأزياء الجاهزة: «ريف غوش»، وهكذا لم يخل موسم تقريبا من دون أن يقدمه بتفاصيل أو خامات جديدة.
1971: اختارته بيانكا جاغر عوض فستان زفاف تقليدي طويل، عندما عقدت قرانها على ميك جاغر، مغني فريق رولينغ ستون في سانت توربيز، ولا تزال صورتها فيه من الصور الأيقونية
1974: التقط المصور هيلموت نيوتن صورة للممثلة شارلوت رامبلينغ تظهر فيها بإطلالة مكونة من تنورة مفصلة وجاكيت توكسيدو مع ربطة عنق مرصعة بالأحجار وصندل من الساتان. كانت في غاية الأنوثة والأناقة قلدتها الكثير من النساء.
2014: ظهرت بها أنجلينا جولي في حفل توزيع جوائز البافتا مضيفة لمساتها الخاصة بأن تركت ربطة العنق تتدلى وكأنها قلادة فوق قميص أبيض تركت ياقته مفتوحة وبنطلون ضيق، أعاد لهذه القطعة كل أمجادها الماضية.
«لوسموكينغ».. من مارلين ديتريش إلى أنجلينا جولي
إيف سان لوران «أنثه» في الستينات ولا يزال يلهم المصممين ويلهب الخيال
«لوسموكينغ».. من مارلين ديتريش إلى أنجلينا جولي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة