الديك الرومي في النمسا سيد مواسم الاحتفالات

قصص متضاربة حول تاريخه وتقاليده

الشيف رش في مطبخه
الشيف رش في مطبخه
TT

الديك الرومي في النمسا سيد مواسم الاحتفالات

الشيف رش في مطبخه
الشيف رش في مطبخه

إن كان «الديك» الرومي هو سيد مائدة عيد الميلاد فإن «الإوز» هو سيد موائد الموسم قبل العيد وطيلة الموسم المصاحب للاحتفالات.
وتجمع المصادر أن القديس مارتن التوروزي له دوره كراهب متعبد في زمن قاسٍ ومعارضة جبارة، وحبه للفقراء وعطفه عليهم، لدرجة أنه شق رداءه ليقتسمه مع فقير عار في يوم عاصفة ثلجية، واصفة كم عانى لصعوبة التوفيق بين رغبته في العيش في عزلة وتواضعه كراهب متعبد أُجبر على الانضمام للجيش الروماني كجندي ابن جندي، إلا أن المصادر وما يحكى من قصص تختلف حول الأسباب التي تربط الاحتفالات بذكرى القديس مارتن بالإوز.
ومما يُحكى تفسيرا لذلك الارتباط التقليدي المنتشر أوروبيا من فرنسا إلى السويد مرورا بدول وسط وشرق أوروبا، أن القديس مارتن الذي عُذّب واضْطُهِد اضطر ذات مرة للاختباء في مرقد إوز ففضحته بأصواتها.
فيما يقول آخرون إن ذكراه تصادف انتهاء فصل الخريف وبدء فصل الشتاء وموسم الحصاد، وإن النبلاء بفرنسا حيث توفي كانوا يحتفلون بذكراه التي تسبق فترة الصيام بوجبات دسمة من الإوز، وإن المزارعين والفقراء كانوا يذبحون طيورا أصغر تتماشى والأوضاع الاقتصادية لكل طبقة. ومعلوم أن الإوز من أكبر الطيور حجما.
وبالنمسا يتداول البعض قصة تقول إن محبي القديس مارتن كانوا يذبحون له مما يربون من إوز أثناء رحلاته من المجر للنمسا، وإنه كان يكتفي بالقليل ويطعم الكثير الفقراء.
وتقدم المطاعم النمساوية طيلة هذا الموسم الإوز لا سيما المحشو منه، فيما يعتبر الوجبة المفضلة للأسر المتدينة خلال الأيام التي تسبق فترة الصيام المسيحي الكاثوليكي مع نهايات الخريف ومطلع الشتاء، خصوصًا أن الإوز متوفر عند المياه العذبة بالنمسا سواء كانت بحيرات أو أنهارًا.
«الشرق الأوسط» بحثت عن وصفة سهلة لكيفية طبخ الإوز على الطريقة النمساوية وما يصحبها من أطباق جانبية وما يعقبها من حلوى، فقامت بزيارة للشيف اشتيفان رش رئيس الطهاة بفندق بارك حياة بالعاصمة فيينا الذي كان مقرا للبنك المركزي في النمسا واستقبلنا الشيف في مطبخه الواسع «المفتوح».
في البدء سألنا الشيف رش الذي عمل بكل من برلين وزيوريخ وطوكيو ثم فيينا القادم من إقليم أستريا جنوب شرقي النمسا المتزوج من يابانية عن تجربته مع المطبخ، فقال: «وأنا طفل صغير كنت لا آكل ما يُقدم لي فحسب بل كنت أتذوقه كما كنت أتابع ما تقوم به والدتي حيث أصبحت لاحقًا أطبخ معها. وعندما بلغت الـ14 عاما من عمري نلت تدريبا مكثفا لمدة ثلاث سنوات انتهت بامتحان عملي اجتزته ومن ثم عملت بسويسرا».
يتابع مواصلاً حديثه بهدوء ملحوظ شارحًا كيف استفاد من انفتاح المطبخ النمساوي المصبوغ بمؤثرات تعود للمطبخ المجري والتشيكي واليوغسلافي والإيطالي، مضيفًا أنه لا ينقطع عن قراءة كتب الطبخ ولا يمل من تجربة عمل الأطعمة المختلفة والابتكارات حتى في فترات راحته بالمنزل، مشيرًا إلى أنه ملم بأطباق من المطبخ العربي ويعشق الأطباق اللبنانية الغنية بالخضراوات والحبوب والمعبقة بالليمون والمزينة بأوراق النعناع «التي أستمتع بها أثناء وجودي في دبي» واصفًا الحمص مع الخبز العربي بأنه «من أفضل الأطباق عالميًا».
وعما يمكن أن يقدمه من أسرار للحصول على وجبات صحية شهية يقول: «أعطوا الخضراوات الطازجة مكانًا مشهودًا في الوجبات»، ناصحا بأهمية أن يسبق إعداد كل طبخة شيء من التحضير وفهم وإدراك لخصائص مكوناتها وللبهارات والتوابل المستخدمة وما ينتج عند إضافتها من تفاعل كيميائي وفيزيائي، وأن يتم كل ذلك في أريحية كاملة ووقت كاف حتى تخرج الطبخة كلوحة بديعة متناسقة وشهية، ثم يمضي مؤكدا أن هذا ليس أمرًا مستبعدًا؛ إذ يتحقق الإبداع مع التجربة والتكرار وفهم مسببات الفشل، ولا بد من فهم لماذا فشلت الوصفة حتى نتجنب ذلك في المرات القادمة وبمزيد من «الحب» لما نقوم به من عمل نصل لمرحلة الإبداع حتى بأبسط المكونات الغذائية.

وصفة الشيف رش لتحضير الإوز
وعن تحضير الإوز، قال الشيف من المستحسن أن يكون الاختيار للإوزة المكتنزة سميكة اللحم قوية الجلد، ويفضل الشراء من مزارع معروفة خشية أولئك الذين يحقنون طيورهم بهرمونات، مؤكدا أن تلك جريمة يعاقب عليها القانون بالنمسا.
يتم تبهير الإوزة، وتُتبَّل بملح وفلفل، ثم تُحشَى بخلطة مملحة ووفيرة تتكون من شرائح تفاح وبصل وبرتقال وزعتر.
ينصح الشيف رش بأن يتم النضج أولاً بواسطة البخار ويكتمل داخل فرن بدرجة حرارة 140 مئوية لمدة 90 دقيقة، وذلك بعد وضع الإوزة في صينية فرن بها قليل من الماء، يسيح فيها شحم الجلد.
يُقاس اكتمال النضج بطعنات تحت الإبط حيث تتوفر أكبر كتلة من اللحم، وما إن تنضج الإوزة حتى يُمسَح سطحها جيدًا بمعلقة عسل مخلوط بقليل من الماء، وتترك بالفرن حتى تكتسب اللون الذهبي اللامع، وليصير الجلد مقرمشًا.
كصوص إضافي للإوزة نصح الشيف رش بسلق العظام بعد استخلاص اللحم في قليل من الماء وقليل من حشو الإوزة حتى يذوب.

سلطة الملفوف الأحمر
كصحن جانبي قدم لنا الشيف رش سلطة الملفوف الأحمر التي يحضرونها بحش الملفوف لشرائح وخلطه بقليل من مربى العنبية cranberry مع قطع صغيرة من الجنزبيل وقطع تفاح وعصير برتقال وقليل جدا من دهن الإوزة وحبات من الأرز الخاص بصنع الروستو، ويمكن الاستعاضة عنه بقطع بطاطس.
يتبل الخليط بقليل من القرفة والجنزبيل والقرنفل وفلفل أسود ورشة ملح، ويظل متبلاً ليومين، ثم يُطبَخ على نار هادئة حتى تمتزج جميع المكونات ببعضها.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».