تنقسم جوائز الـ«غولدن غلوبز» التي أسستها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب»، سنة 1944، إلى الدراما والكوميدي، وهي الوحيدة بين الجوائز الكبرى التي تقوم بالتفريق بين النوعين. وعلى أساس هذا التفريق، تمنح جوائزها في خانات منفصلة لأفضل فيلم كوميدي وأفضل فيلم درامي، كذلك أفضل ممثل وممثلة في دور كوميدي، واثنان أيضًا في الفئة الدرامية.
والنوعان يختلطان من حين لآخر، كما حدث في العام الماضي، عندما اضطرت هذه الجمعية إلى تصنيف فيلم الخيال العلمي «المريخي» كفيلم كوميدي، بعدما سعت شركة توزيعه (تونتييث سنتشري فوكس) حثيثًا لإقناع الجمعية بذلك، حتى تضمن لنفسها فيلمًا آخر في قائمة الدراما.
وهذا ما حدث بالفعل، فقد دخل «المنبعث» لأليخاندرو إيناريتو مسابقة الفيلم الدرامي، وفاز بها، ضد «ماد ماكس: طريق الغضب» لجورج ميلر، و«غرفة» لليني أبراهمسون، و«سبوتلايت» لتوم مكارثي، و«كارول» لتود هاينز. في حين فاز «المريخي» بالجائزة المرجوة في نطاق الأفلام الكوميدية (وهي تضم أيضًا الأفلام الموسيقية)، وبذلك خرجت فوكس بجائزتيها.
والأفلام الكوميدية الأخرى التي نافست فيلم ريدلي سكوت «المريخي»، كانت «مرح» لديفيد أوراسل، و«جاسوس» لبول فيغ، و«التقصير الكبير» لأدام ماكاي، و«محطم» لجاد أباتوف.
لقاءان عاصفان
هذه السنة، الأمور تعد بأن تكون أكثر وضوحًا، كون الأفلام التي تتنافس على هذه الجوائز في هذه الفترة لا يمكن الالتباس فيها، وهي كثيرة ومتعددة، وأعضاء الجمعية (نحو 95 مراسلاً سينمائيًا يكتبون بقرابة 30 لغة، بينها العربية) يقومون حاليًا بالفعل بالتصويت على الأفلام التي شاهدوها، والمواهب الملحقة بها في أقسام الإخراج والكتابة والتمثيل، وبعض باقي الفنون الأخرى. ونتائج التصويت ستعلن في العاشر من شهر المقبل، ستعلن القائمة الكاملة للأفلام والشخصيات السينمائية المتنافسة رسميًا على جائزة الـ«غولدن غلوبز» التي ستبث نتائجها في الثامن من شهر يناير (كانون الثاني) 2017.
وهناك فيلمان مؤكد لهما دخول قائمة ترشيحات أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، وهما «لا لا لاند» لداميان شازيل، و«كافيه سوسيتي» لوودي ألن.
فيلم شازيل هو زواج متقن بين الرومانسية والفيلم الموسيقي، يبدأ باستعراض موسيقي أخاذ يقع فوق طريق رئيسية في لوس أنجليس. والكاميرا تهبط من لقطة للسماء الزرقاء إلى أتوستراد مزدحم توقفت فيه السيارات عن التقدم، كما لو كانت مصطفة في مرآب مفتوح للسيارات. الكاميرا تتحرك بين هذه السيارات، وكل منها يصدح بموسيقى مختلفة. فجأة، تهبط امرأة من إحدى تلك السيارات وتبدأ بالرقص، وما هي إلا لحظات حتى يتحوّل الشارع بأسره إلى مرقص في وضح النهار. الركاب والسائقون نزلوا من سياراتهم واشتركوا في ذلك الاستعراض الكبير لنحو خمس دقائق حسنة التصميم جيدة المونتاج، قبل أن يعود كل إلى سيارته.
بعد ذلك، تظهر حكاية شاب اسمه سيباستيان (رايان غوزلينغ) مغرم بموسيقى الجاز، يعزف البيانو بمهارة ويبحث عن عمل ثابت، وفتاة تدعى ميا (إيما ستون)، وهي ممثلة مبتدئة تبحث بدورها عن عمل ثابت. لقاؤهما في البداية ليس لقاء عاطفيًا من تلك التي تؤسس لقصة حب، بل هما لقاءان عاصفان على نحو غير ودّي، ثم تعارف بعد أشهر والوقوع كل في حب الآخر. وبقدر ما يشكل الفيلم تحيّة للسينما الاستعراضية، بقدر ما هو تحية لموسيقى الجاز الكلاسيكية. وفي حقيقته هو أشبه بفيلم من تلك السنوات الذهبية تم تحقيقه في هذه السنوات الثرية بالفرص التقنية. والنتيجة عمل يطرق به المخرج شازيل باب الجوائز من جديد، وهو الذي أنجز بعضها في فيلمه السابق. هذه المرّة، الحظوظ تبدو أعلى (بدءًا بجائزة غولدن غلوبز لأفضل فيلم موسيقي)، فعند شازيل تلك الرؤية المتينة لما يتطلبه فيلم جديد من هذا النوع، والقدرة على ضبط الأحداث بحيث لا تسقط في الميلودراما أو في عاطفة رخيصة الشأن.
حفنة قليلة
من بعد افتتاحه الدورة الثالثة والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، في 31 من شهر أغسطس (آب) هذا العام، انتقل إلى عروض مهرجاناتية متوالية، امتدت من توليارايد الأميركي إلى تورنتو الكندي، وشملت أيضًا مهرجانات لندن وبوسان وزيورخ وفيينا، وعادت إلى الولايات المتحدة لتضم إليها عروضًا في مهرجانات دنفر وشيكاغو وأوستن.
في المقابل، افتتح فيلم وودي ألن مهرجان «كان» الـ69، عندما انطلق في الحادي عشر من مايو (أيار) هذا العام. وعلى السطح، كما في العمق، «كافيه سوسيتي» هو عبارة عن الحيرة المعتادة في أفلامه بين حب وآخر. هنا نجد بوبي (جَسي وايزنبيرغ) يترك نيويورك إلى هوليوود الثلاثينات لكي يبحث عن مستقبل له. لديه عم اسمه فيليب (ستيف كارل) من كبار أصحاب وكالات المواهب، يرسل له فتاة جميلة اسمها ڤوني (كرستن ستيوارت) لتكون دليله في المدينة ريثما يعثر له على عمل. ويتبلور الوضع سريعًا على المحطات ذاتها في أفلام وودي ألن السابقة: فيليب المتزوّج يحب ڤوني. بوبي يحب ڤوني. ڤوني تختار فيليب المتزوّج. يطلق زوجته من أجلها، بينما يعود بوبي إلى نيويورك ليشترك في إدارة مطعم أخيه ويتزوّج. لقاء أخير بين بوبي وڤوني يكرس الوجهة المختلفة التي اختارها كل منهما.
بالملاحظة، هي النهاية ذاتها التي تسود «لا لا لاند»: عازف الجاز والممثلة الواعدة يلتقيان بعد زواجها. يتخيل إنهما لم يلتقيا، لكن المشهد الأخير يعود إلى الواقع، وينصرف كل منهما ليواصل عالمه المنفصل.
سيكون من الصعب إيجاد أفلام أخرى تدخل في ميدان الميوزيكال والكوميدي. هناك حفنة قليلة من هذه الأفلام هذه السنة (كما الحال في السنوات السابقة)، اثنان منها (هما «غنّي» و«مونستر هاي») من نوع الأنيميشن، والثالث فيلم آيرلندي - أميركي مشترك عُرض في مطلع العام، وتبخّر من دون أثر، وهو «شارع الغناء».