مهما تغير وضع المرأة، ومهما تدرجت في المناصب، فإن عشقها للموضة لا يتغير. صحيح أنها تُغير أسلوبها، وقد تفرضه على المصممين، لكنها تؤمن دائما في قرارة نفسها بأن الأناقة لا تتعارض مع مسؤولياتها، سواء كانت أمًّا، أو سيدة أعمال، أو محامية، أو سياسية. عواصم الموضة العالمية، لا سيما باريس، التقطت هذا الخيط وبنت عليه خزانة متكاملة تخاطب هذه المرأة ذات الشخصية القوية والإمكانات الشرائية العالية على حد سواء. الأناقة الرفيعة كانت ولا تزال لصيقة بباريس، ففيها ولد ما أصبح متعارفا عليه باسم الـ«هوت كوتير» منذ أكثر من قرن من الزمن، وفيها أيضا اشتد عود الأناقة مع مصممات - نذكر منهن كوكو شانيل - زرعن بذرة تحرير المرأة من الكورسيهات وكل ما كان يعوق حركتها وحريتها في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ثم زادت الجُرعة في الخمسينات مع مصممين أغلبهم من الرجال، كانت لهم نظرة مختلفة عن الأنوثة، من أمثال كريستيان ديور، وإيف سان لوران، وكريستوبال بالنسياجا.. وغيرهم. تعددت أساليب كل واحد منهم؛ بين فخامة التنورات المستديرة، ونعومة الفساتين، أو هندسيتها، لكن بقيت دائما تلعب على الرومانسية. في الثمانينات تسلم الإيطاليون المشعل، عندما أخذ الراحل جياني فيرساتشي مفهوم الأنوثة إلى مرحلة الإثارة الحسية، وتدخل جيورجيو أرماني في الفترة نفسها ليقدم مضادا لها من خلال تايورات بأكتاف صارمة وكأنها دروع، لتدخل بها المرأة عالم الرجل. ثم مرت بضع سنوات، فتدرجت المرأة من سيدة أعمال ناجحة إلى سياسية محنكة، وفي كل الحالات ظلت تهتم بمظهرها، لإدراكها أن الانطباع الذي يخلقه ويخلّفه، له تأثير كبير على الناخبين. في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، زادت قوة المرأة الفرنسية مع دخولها لعبة السياسية والموضة، لتُغير الصورة المترسخة لدينا عن المرأة الجادة، وتُذكرنا بأن باريس ليست فقط مهد الأناقة الراقية فحسب؛ بل أيضا كتابا يمكن أن نقرأ بين طيات صفحاته التغيرات الحضارية ككل. من سيغولين رويال، ورشيدة داتي، إلى نجاة فايو بلقاسم.. وغيرهن، حرص الجيل الجديد من السياسيات على أن يكنّ أكثر صدقا مع النفس والآخر، عندما يتعلق الأمر بالموضة على الأقل. على اختلاف أدوارهن وسياستهن، بقي القاسم المشترك بينهن دائما التايورات المفصلة المحددة والفساتين الناعمة والأحذية المبتكرة، وقصات الشعر القصيرة.
ما نجح فيه هذا الجيل تأكيده أن مفهوم الأنوثة القديم تغير بالتدريج، ومعه النظرة إلى المرأة، لأنهن فرضن أسلوبهن على المصممين. وفي المقابل، رد هؤلاء الجواب بطرح تصاميم تمزج الذكوري بالأنثوي بطريقة ذكية وفي غاية الأناقة. والحقيقة أن هذا الأسلوب ليس جديدا، بل ظهر في عشرينات القرن الماضي، الحقبة التي شهدت بداية تحرر المرأة ومطالبتها بحق الانتخاب وما شابه من أمور، لكن ما نجحوا فيه أنهم جددوه وأضفوا عليه رشات أنثوية جعلته أكثر تناغما مع دور المرأة الحالي وثقتها بنفسها. فبينما كانت في السابق تريد إخفاء أنوثتها من خلال تايورات واسعة بأكتاف صارمة لكي تُعامل في أماكن العمل بجدية، أصبحت الآن تريد الاحتفال بها من دون استعراض أو اتجار بها من خلال جاكيتات محددة على الجسم وفساتين ناعمة. بيد أن الأهم في الأمر، رغبتها الواضحة في معانقة الموضة بوصفها جزءا لا يتجزأ من شخصيتها. وقد تكون رشيدة داتي أكثر من أظهرت عشقها لآخر صيحات الموضة، إلى حد أثار عليها استنكار البعض، لأنها كانت تتصدر مجلات الموضة البراقة في كل أنحاء العالم بأحذيتها العالية جدا من «كريستيان لوبوتان» وأزيائها المحددة على الجسم، التي كانت تختارها من بيوت أزياء عريقة، مثل «ديور» وما شابهها. وزيرة التعليم، نجاة فالو بلقاسم، في المقابل تتعامل مع الموضة باهتمام، لكن لا يصل إلى محاولتها جذب الأنظار أو التشبه بعارضات الأزياء. فهي تعكس صورة لامرأة عادية تحب الأناقة، وربما هذا ما يجعل أغلب النساء يتفاعلن معها أكثر. المهم بالنسبة للمرأة عموما أن المصممين ترجموا لها هذه الموجة الجديدة من خلال أزياء، أغلبها تايورات، مفعمة بالأنوثة، لكن من دون إثارة حسية، لتكون النتيجة ولادة مفهوم أنثوي قوي يعكس الصورة التي تريدها المرأة الناجحة والواثقة بنفسها.
الجيل الجديد من السياسيات وسيدات الأعمال.. أنوثة تعانق الموضة
..والمصممون يتفقون ويُلبّون
الجيل الجديد من السياسيات وسيدات الأعمال.. أنوثة تعانق الموضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة