تنفس قلب بيروت نسائم فنية بعدما احتضنت حديقة الصنائع معرض «صمود وإصرار»، فتبدت لوحة تعبيرية ضخمة رسمتها أنامل مواهب فذّة تحت ظلال أشجارها المعمّرة.
فعلى مساحة 22 ألف متر توزّعت أعمال 24 فنانا عربيا، يشاركون في هذا المعرض الذي يستمر حتى الرابع والعشرين من الشهر الحالي، وهو من تنظيم جمعية «آرت أنموشن» (الفن المتحرّك).
يتضمن المعرض أعمالا ومنحوتات وتصاميم فنيّة تعبّر بأشكالها وهندستها العصريين عن قضايا إنسانية وبيئية واجتماعية، ساهم الابتكار التكنولوجي حينا، والنفحة السريالية حينا آخر في إعطائها بعدا ثقافيا راقيا ليكون بمتناول الناس من جميع الشرائح الاجتماعية.
يستقبلك عند مدخل المعرض «مواطن رقم صفر» للفنان السوري همام السيّد، وهو كناية عن تمثالين أحدهما أسود وآخر أحمر، يمثلان نموذجا عن أشخاص مكتنزة تقف مسحوقة فاقدة الأمل وهي ترفع رأسها.
وعلى مساحة خضراء شاسعة إلى يمينك يطالعك تصميم «القبّة» التابع لشركة مشاريع عمرانية فرنسية (يوك يوك)، الذي شارك فيها ثلاثة مهندسين فرنسيين (ستيفان فورمان وسامسون لاكوست ولوك بينسار). القبّة ذات بنية سريعة الزوال مصنوعة من البلاط، يستكشف فيه الفنانون الثلاثة قصص لبنان من خلال استخدام الصحف مواد أساسية لهيكلها، ويبلغ قطرها 1200سنتيمتر، تتدلّى على جوانبها بشكل متدرّج مولّدة مع انحرافات الضوء والرياح تجربة حسيّة تلامس مشاهدها من بعيد.
وتطول لائحة التصاميم الموزّعة في مختلف أنحاء الحديقة لتشمل «البيت الجليدي» الأحمر الذي تحكي فيه صاحبته الفنانة البلجيكية كاثي ويديرس عن حبّ البقاء ومشكلات الهجرة. ويكرّم جهاز الفيديو «شي» (مكعب من مادة البليكسي) للروسية، فيكا كوفا، المرأة عامة والنساء اللبنانيات خاصة والقوة التي تتمتعن بها، رامزة إليها بصور عيون أنثوية تعكس القوة والضغط. كما يجذبك منظر منحوتة «الملعقة» البرونزية العملاقة للفنان البريطاني توماس هوسياغو، ويتطرّق فيها إلى الإنسانية التي يمكنها أن تحوّل غرضا عاديا إلى مقدس في نظر البعض.
أما زجاجات الفنان اللبناني، يازان حلواني، «أناديكم» التي فرشها على مساحة خضراء، فهي للإشارة إلى مقاومة وصمود لبنان رغم وقوفه في المياه العكرة في انتظار قرار خارق. ومع «ننتي» لنانسي دبس حداد، وهي كناية عن تصميم مؤلّف من قضبان حديدية واسعة التصميم وأخرى معدنية متموجة الشكل، فهي تتلو علينا قصّة وحدة اللبنانيين رغم اختلاف مذاهبهم وأطيافهم. أما منحوتة «الصبّار» (إسمنت وألياف) لزياد عنتر، ويتناول فيها الاصطدامات والروابط ما بين الحدود العضوية القديمة والصناعية الجديدة، إضافة إلى تأثيراتها السياسية والاقتصادية والحيوية، فقد أراد الفنان من خلالها الإشارة إلى أن الصبّار يزهر ويثمر، أما الأسلاك الشائكة فهي تولّد القمع.
ويعبّر الفنان الفلسطيني عبد الرحمن كتناني في منحوته «شجرة» (جذع شجرة زيتون مصنوعة من الشريط الشائك) عن رفضه وتحدّيه للاحتلال الإسرائيلي لأن الجذور لا تموت بل تكبر وتتوسّع في الأرض.
ومن المنحوتات التي تحمل رسائل عمرانية «أعمدة الحكمة السبعة» للفنان مروان رشماوي، ويروي من خلالها قصة تطوّر المجتمع والفرد منذ العهد الاستعماري إلى ما بعده. كما تدعو زينة حمادة الزوّار لتأمّل تاريخهم وقصصهم الشخصية على حدود الخسارة المأساوية والجمال من خلال عرضها «أرض الأطايب الدنيوية». في حين يقترح نبيل حلو على المتفرّجين في منحوتته «المقعد» المشاركة في صنع الجمال ولو بواسطة أدوات بسيطة. ويسعى محترف (بقجة) المشارك في المعرض من خلال «أرجحني»، ترجمة القول المعروف «كلّ شيء يرتفع لا بدّ أن يهبط»، محفّزا الناس بشكل هزلي ومرح على استخدام أوزان أجسامهم للارتفاع والهبوط في تركيبة فنية تتطلّب وزن الطرف الأول لرفع وزن الطرف الآخر.
بعض التصاميم التي يتضمنها المعرض تمّت استعارتها من غاليريهات (تنيت وأجيال) وأشخاص هواة جمع المنحوتات لتمسّك منظميه بتسليط الضوء على تنوّع وثراء حضارتنا. وبين المعروضات «يورغو» للفرنسي كزافييه فيلان (يملكها سمير أبي اللمع)، و«الثنائي المجرّد» للسوري لطفي الرمحين (صاحبها غياث مشنوق)، و«الطوطم» لللبناني غسان زرد (غاليري تنت) وغيرها.
وفي موازاة المعرض تقام ورشات عمل تعريفية بأشكال مختلفة في التعبير (هندسة معمارية وخطوط عربية)، فيعرّف غالب حويلا المشاركين في المعرض على فن الخط الأصيل، ويترجم شغفه وبراعته بلغة فنّ الشارع.
الفنانة زينة حمادة المشاركة في المعرض من خلال «سراب أرض الأطايب الدنيوية»، تفترش الأرض لتخبز على الصاج وتقدّمه للجمهور مستوحية هذه اللوحة من الترحال في حياتها. في حين تقوم الفنانة العراقية هناء مال الله بورشة ترتكز على لمّ النفايات الصناعية وجمعها مع الناس ليحوّلوها إلى لوحات فنيّة بهدف الحدّ من التلوّث الصناعي.
وتشير رانيا طبّارة إحدى مؤسسات الجمعية المنظمة (آرت أنموشن) إلى أن التحضيرات لهذا المعرض استغرقت نحو سنة ونصف السنة، وأن الهدف الأساسي منه هو تقديم الفنّ الراقي مجانا لجميع الشرائح الاجتماعية دون استثناء. وعن سبب اختيار الجمعية لحديقة الصنائع لإقامة المعرض أوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «حديقة الصنائع رمز من رموز لبنان الصمود والتحدّي. فهذه المساحة الخضراء التي تسكن قلب بيروت عانت في أيام الحرب وتمّ إقفالها ومن ثم افتتاحها فمرّت بمخاضات جمّة دفعتنا إلى اختيارها عنوانا للمعرض دون تردد، وأنها منذ تأسيسها في عام 1907 اعتمدت مركزا فنيا تغنّت به العاصمة». وختمت: «إن معرض (صمود وإصرار) ترجمة للبنان الثقافة والحضارة، فهذا هو لبناننا الحقيقي، خصوصا أن البعض يحاول تشويه صورته المضيئة هذه».
«صمود وإصرار» في «حديقة الصنائع».. أعمال فنيّة في متناول الجميع
تنظمة «آرت أنموشن» ويشارك فيه 24 فنانًا عربيًا وأوروبيًا
«صمود وإصرار» في «حديقة الصنائع».. أعمال فنيّة في متناول الجميع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة