قرغيزيا.. على أبواب فوضى

بعد مرض رئيسها واستفتاء لتعديل دستورها

مواطنون روس يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في سفارة روسيا في العاصمة بشكيك (أ.ف.ب) وفي الاطار الرئيس ألمازبيك أتامباييف (أ.ب)
مواطنون روس يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في سفارة روسيا في العاصمة بشكيك (أ.ف.ب) وفي الاطار الرئيس ألمازبيك أتامباييف (أ.ب)
TT

قرغيزيا.. على أبواب فوضى

مواطنون روس يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في سفارة روسيا في العاصمة بشكيك (أ.ف.ب) وفي الاطار الرئيس ألمازبيك أتامباييف (أ.ب)
مواطنون روس يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في سفارة روسيا في العاصمة بشكيك (أ.ف.ب) وفي الاطار الرئيس ألمازبيك أتامباييف (أ.ب)

اللافت في مرض الرئيس القرغيزي ألمازبيك أتامباييف وتلقيه العلاج خارج البلاد، ليس مرضه بحد ذاته، وإنما أحداث أخرى سبق بعضها الإعلان عن تعرضه لوعكة في تركيا، وبعضها جرى أثناء تواجده في تركيا. الحديث يدور هنا بصورة خاصة حول خلافات بين الرئيس أتامباييف وبعض القوى السياسية القرغيزية بشأن تعديلات دستورية لتحويل نظام الحكم في البلاد من رئاسي إلى برلماني – رئاسي، حيث تصبح صلاحيات الرئيس الحالية بيد رئيس الوزراء الذي تحدده الأغلبية البرلمانية بالتوافق مع الكتل الأخرى. إذ يتهم البعض أتامباييف، الذي يرأس البلاد منذ عام 2011 وستنتهي رئاسته بعد عام ونصف تقريبا، بأنه يسعى عبر تلك التعديلات إلى البقاء على رأس هرم السلطة، لكن بصفة رئيس للحكومة. كما يرفض معارضوه إدخال تعديلات على الدستور الحالي، ذلك أن التعديلات الثامنة على الدستور القرغيزي التي جرت عام 2010 تتضمن فقرة تحظر تعديل الدستور قبل عام 2020، إلا أن التعديل يبقى ممكنا من الناحية القانونية بحال كان عبر استفتاء شعبي.
الرئيس أتامباييف وصل إلى العاصمة الروسية موسكو يوم أمس، قادما من تركيا، وتم نقله إلى المشفى المركزي التابع للإدارة الرئاسية الروسية لاستكمال العلاج، وفق ما أكد المكتب الصحافي في الرئاسة القرغيزية. وكان أتامباييف قد ألغى يوم التاسع عشر من سبتمبر (أيلول) قراره بالتوجه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية، وتوقف مع الوفد المرافق له في تركيا، حيث تم نقله لتلقي العلاج في أحد المشافي هناك بعد أن اشتكى من آلام في الصدر، في منطقة القلب، وفق ما ذكرت وسائل إعلام تركية وقرغيزية.
وكان المكتب الصحافي في الرئاسة القرغيزية قد أوضح أن نقل الرئيس أتامباييف إلى موسكو جاء «بناء على توصيات الأطباء المختصين، وبدعوة من الجانب الروسي، كي يواصل العلاج بإشراف الأطباء الذين سبق وأن قاموا بعلاجه». ووصل إلى العاصمة الروسية كذلك نائب كبير الأطباء في مشفى الشؤون الرئاسية القرغيزية. وتجدر الإشارة إلى أن أتامباييف قد سبق وأن حصل على المساعدة الطبية في روسيا، حيث خضع لجراحة في مفصل الركبة.
أتامباييف رد في أغسطس (آب) هذا العام على اتهامات معارضيه بأنه يسعى للبقاء على رأس السلطة، وخلال الاحتفالات بالذكرى 25 لاستقلال قرغيزيا، وجه أتامباييف الاتهامات علانية لمعارضيه، حين قال إن «كل شخص يحكم على الآخرين بنفسه» في إشارة منه إلى أنهم هم من يرغبون في السلطة. وحمّل المسؤولية عما وصفها بـ«حملة التشويه ضد التعديلات الدستورية» لرفيقة دربه سابقا، وواحدة من زعماء المعارضة القرغيزية حاليا، روزا أتونبايفا، التي ترأست الحكومة القرغيزية المؤقتة بعد ثورة عام 2010 ضد حكم الرئيس قورمان بيك باكييف. حينها كان الرئيس الحالي أتامباييف نائبا لروزا أتونبايفا.
على ضوء هذا المشهد الداخلي، حيث لم يتوقف الجدال بشأن التعديلات الدستورية، وبينما كانت السلطات تستعد لعرض الأمر على استفتاء شعبي، كان لافتًا أن يعلن الرئيس القرغيزي ألمازبيك أتامباييف عن موافقته على التعديلات الدستورية وتأييده لعرض تلك التعديلات على استفتاء شعبي وهو خارج البلاد، يوم 21 من سبتمبر حين كان في تركيا. حيث ذكر المكتب الصحافي للرئاسة القرغيزية في اليوم ذاته، أن الرئيس أتامباييف اطلع على التعديلات على نص الدستور ووافق على عرضها على استفتاء شعبي، علما بأن أربعة أحزاب برلمانية قرغيزية تدعم الاستفتاء وتبنت مبادرة الدعوة له، وهي نفسها اقترحت التعديلات الدستورية التي توسع من صلاحيات رئيس الحكومة وتسمح له بالجمع بين العمل رئيسا للحكومة ونائبا لرئيس الحكومة، أو رئيسا للحكومة وعضوا في البرلمان في آن واحد. هذا فضلا عن تعديلات في الفصل الخاص بالمؤسسة القضائية وبالمحكمة الدستورية. وإذ يستبعد المختصون في شؤون آسيا الوسطى أن تلجأ القوى القرغيزية إلى العنف لحل خلافاتها السياسية، إلا أنها تبقي على احتمال انتفاضة شعبية جديدة في قرغيزيا، بحال لم تتوصل الأطراف إلى حلول وسط بشأن الاستفتاء. ويرجح أن تتضح الأمور بعد تعافي الرئيس أتامباييف وعودته إلى بشكيك.
ويتميز نظام الحكم في قرغيزيا (قرغيزستان) عن الأنظمة في جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة بأنه نظام ديمقراطي إلى حد ما. على الرغم من هذا فإن البلاد شهدت احتجاجات واسعة عام 2005 يطلق عليها اسم «ثورة التوليب»، أطاحت حينها بالرئيس القرغيزي عسكر آكاييف. وفي عام 2010 شهدت البلاد احتجاجات ومواجهات أنهت حكم الرئيس قورمان بيك باكييف. والآن في عهد الرئيس الحالي ألمازبيك أتامباييف لا تزال هناك خلافات بين شمال وجنوب البلاد. وتشكل بشكيك العاصمة القرغيزية ومدينة أوش في الشمال مركزين للقوى المتناحرة. ففي الجنوب هناك أغلبية أوزبكية متدينة أكثر من الشمال. وكانت مدينة أوش عاصمة الجنوب قد شهدت عام 2010 مواجهات عرقية بين الأوزبك والقرغيز، وذلك في الفترة التي عاشت فيها البلاد حالة فراغ في السلطة أثناء ثورة عام 2010، أما الشمال فيمثل غالبية من القرغيز.
وعلى صعيد السياسة الخارجية والعلاقات مع الجوار والقوى الكبرى في العالم، تبقى علاقات قرغيزيا متوترة مع الجارة طاجيكستان بسبب خلافات حدودية وتداخلات عرقية، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع أوزبكستان. بينما تجمعها علاقات طيبة جدا مع كازاخستان التي تعتبر قرغيزيا «الأخ الأصغر» وتقدم الدعم لها. دوليا تنظر الصين إلى قرغيزيا باعتبارها بوابة بكين في آسيا الوسطى، بينما تجمع الرئيس أتامباييف علاقات شراكة استراتيجية مع موسكو، حيث يستضيف على أراضي بلاده قاعدة للقوات الجوية الروسية، وذلك بعد أن قرر إغلاق القاعدة الأميركية التي كانت الولايات المتحدة تستخدمها لدعم عملياتها في أفغانستان. كما تتميز قرغيزيا عن جيرانها في الوقت الراهن بوجود نسبة كبيرة جدا من الشباب المتعلمين، مقابل نسبة عالية من البطالة.
وما يثير قلق المراقبين تزامن الإعلان عن مغادرة ألمازبيك أتامباييف البلاد وإقامته خارجها فترة غير محدودة لتلقي العلاج، مع محاولات مجموعات إرهابية تنفيذ تفجيرات في البلاد. حيث أعلنت قوات الأمن القرغيزي في العشرين من سبتمبر عن العثور على عبوتين ناسفتين وضعتا بقرب محل تجاري حكومي في العاصمة القرغيزية بشكيك. إثر تلك الحادثة دعت السلطات القرغيزية أبناء المدينة إلى توخي الحذر. وفي وقت سابق كانت السفارة الأميركية في بشكيك قد أعلنت تحذيرا من وقوع هجمات إرهابية في البلاد. ويخشى كثيرون من أن تستغل بعض القوى حالة التوتر السياسي الحالية التي تمر بها قرغيزيا والقلق في البلاد إزاء الحالة الصحية للرئيس، بهدف توتير الوضع وجر البلاد مجددا إلى مواجهات بين الشمال والجنوب، ستكون لها، بحال نشوبها، تداعيات خطيرة على الوضع في آسيا الوسطى بشكل عام.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».