يستذكر السعوديون في يومهم الوطني، الذي تحل ذكراه الـ«86» هذا العام، ملامح مهمة من تاريخ بلادهم، ويستعرضون ملحمة البطولة والوحدة التي تحققت على يد الملك عبد العزيز عندما قاد 63 رجلا لاستعادة عاصمة ملك آبائه وأجداده، ومنها انطلق في رحلة كفاح لتأسيس الكيان الكبير، ويسجل لدولته الناشئة حضورًا لافتًا في فترة ذات شأن من تاريخ العالم ووسط أحداث عالمية وإقليمية ومحلية بالغة الصعوبة، حيث كانت تتقاسم العالم قوى متعددة ومصالح وأطماع مختلفة، في حين أن طبول الحرب العالمية كانت تقرع منذرة بأحداث جسام ومآس وكوارث لا يمكن التنبؤ بها أو قراءة تبعاتها وتأثيراتها على مختلف الدول حتى تلك التي في منأى عن الحرب، ويعيد التاريخ نفسه اليوم، حيث شهدت وتشهد المنطقة أحداثًا وثورات وصراعات، وحروبًا واقتتالا، ولم تكن السعودية بمنأى عن هذه الأحداث، حيث تحركت بالتعاون مع القوى الكبرى مستفيدة من ثقلها العالمي إلى المساهمة في إيجاد الحلول لهذه الصراعات. كما بادرت إلى التدخل في اليمن الجار الجنوبي لها لإعادة الشرعية فيه، كما بذلت جهودًا مع الدول الكبرى لاحتواء هذه الصراعات، وسجلت حضورًا لافتًا في مكافحة الإرهاب التي اكتوى بناره كثير من الدول، ولم تكن السعودية استثناءً، وقدمت نفسها نموذجًا يحتذى به في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه.
ووسط ظروف عربية وإقليمية وعالمية بالغة الصعوبة، تحل مناسبة اليوم الوطني السعودي الـ«86» تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي رسم منذ الساعات الأولى لتوليه مقاليد السلطة في بلاده بصفته سابع ملوك الدولة السعودية الحديثة، ملامح عهده بقرارات وأوامر لافتة لتأسيس دولة المستقبل، مع الحفاظ على المكتسبات السابقة التي أنجزها أسلافه، بدءًا من الملك المؤسس عبد العزيز، مرورًا بالملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبد الله، رحمهم الله جميعًا، وهو ما دفع المراقبين إلى وصف الملك سلمان بن عبد العزيز بـ«مؤسس الدولة السعودية الرابعة»، بعد أن سجل مبادرات واتخذ قرارات لافتة حققت معها بلاده حضورًا عربيًا وإقليميًا وعالميًا، وأصبحت معه البلاد رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية انطلاقًا من ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي، كما وضع الملك سلمان لبنات دولة المستقبل بأنظمة حديثة ومؤسسية من خلال ترتيب بيت الحكم السعودي وإسناد منظومة الحكم لقيادات شابة، كما تبنى الملك سلمان مبادرة لافتة، لعل أبرزها إعادة الشرعية لليمن من خلال «عاصفة الحزم»، وأعاد الملك سلمان التأكيد على خدمة السلام العالمي، وإعادة التوازن في المنطقة، وعقد شراكات استراتيجية كبرى مع الدول الكبرى، ووضع أطر للعلاقات مع الأصدقاء من دول العالم ديدنها المصالح المشتركة، والندية، كما تبنى الملك سلمان مبادرة لتأسيس مرحلة جديدة من العمل المشترك، وتأكيد أهمية وحدة الصف العربي، كما أقر في عهده مبادرة «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» لتكون منهجًا وخريطة طريق للعمل الاقتصادي والتنموي في المملكة.
وبين فترة حكم مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز، ومؤسس دولة المستقبل أو الدولة السعودية الرابعة، سابع ملوكها الملك سلمان بن عبد العزيز، عقود من الإنجازات والمكتسبات والصعوبات والتحديات التي أملتها الظروف والأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، ونجحت القيادة السعودية على مر العقود في تجاوزها والحد من حدتها وتبعاتها على الكيان الكبير.
ومثلما سجل الملك المؤسس عبد العزيز مواقف تنم عن امتلاكه الحكمة، وأدوات ومقومات القائد الناجح والمحنك والشجاع وقراءة الأحداث والوقائع بشكل دقيق بعيدًا عن الانفعال والعواطف والمغامرات غير المحسوبة، سجل الملك سلمان ذات التوجه لوالده المؤسس، واستخدم الأدوات نفسها التي سار عليها والده تبعًا للظروف والأحداث والمعطيات، وهو ما أكده الملك سلمان منذ توليه مقاليد السلطة في بلاده: «سنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز وأبنائه من بعده، لن نحيد عنه أبدا، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم»، مضيفًا بقوله: «إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها. وسنواصل في هذه البلاد التي شرفها الله بأن اختارها منطلقا لرسالته وقبلة للمسلمين، مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال». وأثبتت الوقائع أن الملك سلمان بن عبد العزيز منذ الساعات الأولى لتسلمه مقاليد الحكم في بلاده سابعا لملوك الدولة السعودية الحديثة، وما أنجزه لبناء دولة المستقبل واتخاذه شعار العزم والحزم منهجًا له، يتشابه مع والده في أسلوب التعامل مع الوقائع والأحداث، ولعل من المناسب أن نستحضر صورتين للعهدين (عهد الملك المؤسس وعهد الملك سلمان)؛ أولاها الصورة الرائعة للملك المؤسس وهو يجلس في قصر الحكم (قصر الديرة) وحوله الزوار والعاملون معه من السعوديين ومن المستشارين العرب يستمعون إلى دروس في السيرة النبوية أو التفسير أو الحديث أو التاريخ، ويتحاورون فيما كتبه ابن هشام أو السيوطي والطرطوشي في كتاب «سراج الملوك» أو ابن خلدون في مقدمته أو القرطبي في تفسيره، كما نستحضر كثيرا من أحاديث الملك عبد العزيز الذي يعد أقوى حاكم ظهر في الأمة العربية خلال المائة عام الماضية. وربما كانت تلك القوة مستمدة مما كان يؤمن به ويتحدث عنه دائمًا، وهو أن الفرد وحده لا يبني دولة، ولا يقرر مصير أمة، وكان يعرف أن الممالك والدول المهمة لم تقم نتيجة جهود زعيم بمفرده، بل قامت بمجموعة رجال أكفاء، وهذا ما جعله يحرص على كسب كل الكفاءات وضمها إلى دولته. وقد قال يومًا للجنرال البريطاني كلايثون إن الإمبراطورية البريطانية بلغت ما بلغت برجال أكفاء أمثال كلايثون، فرد كلايثون ليجامل الملك عبد العزيز: «نعم ما ذكرته صحيح، ولكن ملك بريطانيا الواسع لم يؤسس إلا في مئات من السنين، ونحن معجبون بك، فأنت في ثلاثين سنة قد أسست ملكًا واسعًا، وإذا استمر لك هذا التقدم فأظن أنه في نصف المدة التي أسسنا فيها ملكنا تؤسس أنت إمبراطورية مثل أو أكبر من بريطانيا، وهذا ليس ببعيد، فأسلافكم العرب قد شيدوا إمبراطورية عظمى في مدة قصيرة». فرد عليه الملك عبد العزيز مرة ثانية في حذر وقال: «هذه وإن كانت أمنية العرب، لكنني لا أعتقد في نفسي القدرة على تحقيق ذلك، وكل ما أتمناه أن يجعل الله من رجالنا من يماثلكم في الإخلاص والتضحية لبلادهم».
وظل قصر الحكم في الرياض في أول عهد الملك عبد العزيز، وبالتحديد منذ استرداد الرياض وحتى دخول جدة وتسليمها سنة 1344هـ، مصدر السلطة بواسطة الديوان الملكي وما فيه من شعب وإدارات، هو وحده الذي يتولى أعمال الدولة والمرجع المباشر لجميع الشؤون، ورئيسه الأعلى الملك عبد العزيز.
ظل الأمر على هذا الوضع مدة النصف الأول من الخمسين عامًا التي حكم فيها الملك عبد العزيز، كما ظلت وزارته الخارجية - وحتى بعد إنشاء الوزارات - ووزارة المالية والدفاع تستمد سلطتها مباشرة منه، وكل وزير يتصل به شخصيًا.
أما الوزارات والمصالح الأخرى، فقد وضعت تنظيمات وتشكيلات لها على القواعد والأساليب الحديثة بعد تسلم مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة.
واستقر أمر مملكته إلى عهد قريب من وفاته على ثلاث وزارات فقط، ثم أضيفت إليها وزارتان أخريان في أيامه.
وقد عقد الملك عبد العزيز في عام 1347هـ اجتماعًا في قصر الحكم حضره العلماء والزعماء، ورؤساء الحواضر والبوادي ومن انضم إليهم من كبار رجاله، وتخلف رؤساء الفتنة عن حضور ذلك المؤتمر وأناب بعضهم عنه في الحضور، وسمي ذلك المؤتمر «الجمعية العمومية»، وبعد افتتاح المؤتمر خطب الملك عبد العزيز خطبة ضافية، ارتجلها، وعرّف فيها الحاضرين بنعم الله عليهم، وذكرهم بذلك، وأشار إلى أنه يريد أن يعرف رأيهم فيه شخصيًا وفي أمرائه، ليخرج بمعذرة أمام الله، وليؤدي ما عليه من واجب، ثم أشار إلى ما هم فيه قبل أن يحكم من فرقة، وقتل، ونهب، وضعف، وأشار إلى أنهم يعرفون هذا جيدًا، وأنه لم يجمعهم خوفًا أو رهبة، ولكنه جمعهم لشيء واحد وهو النظر فيمن يتولى الأمر غيره ليختاروا واحدًا يتفقون عليه، وأنه لم يقل ذلك امتحانًا لهم، ولم يترك هذا الأمر عن ضعف، ولكنه يحب أن يرتاح من ناحية، ولأنه يستعيذ بالله من أن يتولى قومًا وهم له كارهون.
وعند ذلك ارتفع صياح الحضور يقولون: «لا والله لا نريد عنك بديلاً، ولن نرضى بغيرك».. فاستمر في خطابه معرضًا عنهم، ثم أشار، رحمه الله، إلى موضوع الخلافات التي بينهم وبينه، وتعهد بأن ينفذ ما يجمع عليه العلماء في مسائل الخلاف ويقبل ما كان أقرب إلى الدليل.. ثم التفت إلى العلماء يقول لهم: «إياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئا من الحق، تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمرًا يعتقد أنه يخالف الشرع فعليه اللعنة، وأظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم».
ويذكر من حضر الاجتماع ودوّن ما دار فيه أن العلماء أجابوا بأنهم يبرأون إلى الله من كتمان ما يظهر من الحق، وأعلنوا أنهم ما نصحوه إلا انتصح، ولو رأوا في عمله ما يخالف الشرع لما سكتوا عنه، وهم ما رأوا منه إلا الحرص على إقامة شعائر الدين واتباع ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ونهض أحد الحضور فقال: «إننا لا نعرف ما ينتقد به على الملك عبد العزيز إلا (الأتيال) - يريد اللاسلكي - فيقال: إنه سحر، ولا يخفى حكم السحر والسحرة في الإسلام، الثاني (القصور)، يعني المخافر التي تبنيها حكومة العراق على الحدود، وهذا ضرر على أرواحنا وعلى أوطاننا».
فأجاب الملك عبد العزيز ليقل العلماء رأي الإسلام في «الأتيال». فأفتى العلماء بأنهم لم يجدوا في القرآن أو السنة أو قول أحد العلماء ولا من العارفين دليلاً على تحريم «الأتيال»، وأن من يقول بالتحريم يفتري على الله الكذب ونبرأ إلى الله منه.
وأجاب الملك عبد العزيز عن موضوع المخافر قائلاً: «إن القوم يدعون أنكم أنتم الذين بدأتموه بالعدوان، وذلك بقتل السرية العراقية في (بصيه)، وأنتم ما حميتم ذمة ولي أمركم، والعراقيون يزعمون أن تلك المخافر ما بنيت إلا مخافة الخطر منكم».
وانتهى هذا المؤتمر بتصايح الإخوان: «إننا نبايعك على السمع والطاعة، ونقاتل من تشاء على يمينك وشمالك، إننا نبايعك على مقاتلة من ينازلك ومعاداة من عاداك ما أقمت فينا شريعة الله».
أما الصورة الثانية التي تؤكد وجود تشابه بين الأب والنجل فتؤكدها الساعات الأولى من تسلم الملك سلمان مقاليد السلطة في بلاده، حيث أنجز خلال الـ100 يوم من بدء حكمه أعمالاً أذهلت المراقبين في الشأنين السياسي والاقتصادي، ودفعت البعض منهم إلى وصف الملك سلمان بأنه «مؤسس الدولة السعودية الرابعة»، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال إن «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أنجز خلال 10 أيام أعمالاً يقوم بها الزعماء الجدد عادة خلال 100 يوم»، فعلى المستوى المحلي أصدر قرارات وأوامر ركز فيها على ترتيب البيت الداخلي للحكم السعودي، لضمان انتقال مستقبلي للحكم بكل سلاسة وهدوء، كما سجل الملك سلمان إجراء غير مسبوق بإدخال الجيل الثاني والثالث من أبناء المؤسس الملك عبد العزيز إلى إدارة شؤون البلاد، كما جاءت القرارات والأوامر التي اتخذها الملك سلمان بتنظيم البناء المؤسسي لإدارة العمل في الدولة بدخول أسماء شابة إلى مجلس الوزراء وتأسيس أول مجلسين (مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة الأمير محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان).
وكما كان الشأن الداخلي السعودي هاجسًا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت الأوضاع الإقليمية والعربية والإسلامية والعالمية هاجسًا آخر له من منطلق دوره قائدا إسلاميا وعربيا. كما حرص الملك سلمان بن عبد العزيز منذ أيامه الأولى لتسلمه سدة الحكم في بلاده على أن يؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك، وتأكيد أهمية وحدة الصف العربي، ولأن الإرهاب آفة عالمية والشغل الشاغل لجميع دول العالم التي اكتوت بناره، فقد عبّر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عن موقف بلاده من الإرهاب، حينما استقبل ضيوف المؤتمر العالمي «الإسلام ومحاربة الإرهاب» الذي اختتم أعماله في مكة المكرمة، في 26 فبراير (شباط) 2015، ليؤكد في كلمة له وجهها في المؤتمر، أن «الأمة الإسلامية يهددها تغوّل الإرهاب المتأسلم بالقتل والغصب والنهب وألوان شتى من العدوان الآثم في كثير من الأرجاء، جاوزت جرائمه حدود عالمنا الإسلامي، متمترسا براية الإسلام زورا وبهتانا وهو منه براء. إن جرائم الإرهابيين المنكرة عملت على تجريد الحملات العدائية ضد الأمة ودينها وخيرة رجالها، وترويج صورة الإرهاب البشعة في أذهان كثير من غير المسلمين على أنها طابع الإسلام وأمته، وتوظيفها لشحن الرأي العام العالمي بكراهية المسلمين كافة، واعتبارهم محل اتهام ومصدر خوف وقلق، فضلا عن الحرج والارتباك الذي تعرضت له الدول الإسلامية ومنظماتها وشعوبها أمام الدول والشعوب التي تربطها بنا علاقات تعاون، إذ كادت هذه العلاقات تهتز وتتراجع في إطار موجة من الضيق بالمسلمين والتحامل عليهم جراء هذه الجرائم الإرهابية»، مؤكدا أن «السعودية لم تدخر جهدا في مكافحة الإرهاب فكرا وممارسة بكل الحزم وعلى كل الأصعدة»، مضيفا أن «السعودية بلد الإسلام مع الإسلام المعتدل، الذي يتبع كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين».
وتوالت إنجازات القيادة السعودية في عهد الملك سلمان في مختلف المجالات لبناء دولة المستقبل بشعار «يد تبني وأخرى تردع المعتدين».
من المؤسس عبد العزيز إلى باني دولة المستقبل سلمان
تشابه بينهما في التعامل مع الوقائع والأحداث
من المؤسس عبد العزيز إلى باني دولة المستقبل سلمان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة